23 ديسمبر، 2024 1:37 ص

لم يحصل أن مرّ عامٌ على العراق بمفرده، دائماً تأتينا الأعوامُ بالجملة متشابهة في ظروفها وأشكالها، ولذلك يحاول العراقيُ افتعالَ أي شيء على الصعيد الشخصي كي يبدو عامُه المقبل مختلفاً عن عامة المدبِر.
ولو تصفحنا تاريخ العراق على وفق هذا المبدأ لحسبنا كم عاماً عمر الدولة العراقية بالضبط؟
تبدأ القصة مع أوّل عام طويل استغرق 37 سنة منذ أنْ أسست لنا بريطانيا ضمن توزيعة سايكس – بيكو الارتجالية دولة العراق الحديثة، وخلّصتنا مشكورة من سيطرة الدولة الإسلامية – العثمانية عام 1921، وجلبت لنا ملكاً من بقايا إشراف مكة حاكماً علينا، وأسست لنا كذلك جيشاً ليجعل من حياة هذه الدولة الناشئة مشجباً يغذي الطموحات العسكرية والرغبة الشعبية والسياسية في تغيير شكلها ونظامها وعَلَمها وهويتها (عند الضرورة).
حتّى تحقق ذلك في 1958 حين تزعم العسكرُ السلطة فيها، ليبدأ عام جديد أبو العَشرة 1958 – 1968 كرّ وفرّ بين البعثيين والقوميين والشيوعيين والتصفيات الجسدية بين الضباط تكللت بمقتل الزعيم الجديد والذي بعده والذي بعده من مؤامرات حتّى مجيء البعثيين الثاني للسلطة ودخول العراق في عام جديد طويل آخر يستمرّ من انقلابهم 1968 حتّى 1979، استلام صدام مقاليد الحكم في البلاد، فكانت عشر سنوات أخرى مضغوطة في عام مليء بالتوتر وحروب الشمال والتصفيات التي رافقت ما سمي بالجبهة الوطنية وتكريس ديكتاتورية البعث التي حكمت العراق كسْر بجمع خمساً وثلاثين سنة، لكن ذلك العام أبو العشرة كان أهون من عام أبو ثمانية 1980 – 1988، ثمانية متشابهات في أيامها ومآسيها ويومياتها وتوابيتها هي سنوات الحرب العراقية الإيرانية الشرسة، كانت فعلاً عاما واحداً طويلاً مرهِقاً متصلاً من الهلع والجنائز وتشديد قبضة الأمن على الناس والتقشف والشهداء والحرب العبثية التي أزهقت أرواح أكثر من مليون إنسان من الجانبين. وقبل أنْ يتنفس العراقيون ويجمعوا مخلفات الاحتفالات بنهايتها يأتيهم هذه المرة عام أبو التسعة 1982 – 1991 متصلات من غزو الكويت حتّى إعلان حرب ثلاثين دولة بينها الدول العربية على العراق، ونهاية ما سمي بالتضامن العربي إلى الأبد، عام الحماقة السياسية والحرب التي أنهت العراق وأخرجته من معادلة القوة في المنطقة والعالم لاسيّما بعد أنْ وقّعَ النظام السابق وثيقة الاستسلام التي ندفع ثمنها أرضاً ومستقبلاً وتنمية حتّى يومنا هذا ، لندخل في عام طويل آخر هو الأخطر، طوله هذه المرة اثنتا عشرة سنة 1991 – 2003، عام الحصار الأممي الجائر الشامل وأسوأ أنواع الحصار الاقتصادي مما لم يشهده بلد في الوجود، لضرب تركيبة المجتمع وقطع شرايين التنمية والتعليم والعلم والطبّ والتكنولوجيا والهندسة والاتّصالات ومحاولة قتل الشخصية العراقية التي واجهت فقراً أُسطورياً في ظلّ انهيار العملة وتوقف مقومات الحياة جميعها.
وأخيراً عام “الديمقراطية” الطويل (2003 – ؟) وكلكم شهود على ما جرى ويجري خلاله، الملاحظ في ظلّ ذلك هو عدم اكتراث العراقي بأية مخاطر من أن يكون هذا العام المفتوح حتى اليوم هو آخر عام للعراق!.
فهو لا يعترف بأنّه مواطن دولة حديثة أُسّست قبل أقل من مائة سنة مهددة بالزوال، بل يرى نفسه مواطناً على أرض عمرها آلاف السنين طالما انهارت ثمّ نهضت، وطالما احتلّت ثمّ استقلت، وطالما تفتتت ثمّ توحدت، ومهما حصل لها فهو في النهاية مواطنها الأصلي، وكل (عام) والعراق بخير.