23 ديسمبر، 2024 1:38 م

لم يحصل أن مرعامٌ على العراق بمفرده . دائما تأتينا الاعوامُ بالجملة متشابهة في ظروفها  وأشكالها .
ولذلك يحاول العراقيُ افتعال اي شيء على الصعيد الشخصي كي يبدو عامُه المقبل مختلفا عن عامه المدبِر. ولوتصفحنا تاريخ العراق على وفق هذا المبدأ لحسبنا كم عاما عمر الدولة العراقية بالضبط ؟
 تبدا القصة مع اول عام طويل استغرق 37 سنة  منذ ان أسست لنا بريطانيا ضمن توزيعة سايكس – بيكو  الارتجالية  دولة العراق الحديثة ، وخلصتنا مشكورة من سيطرة الدولة الاسلامية – العثمانية عام 1921 . وجلبت لنا  ملكا من بقايا اشراف مكة حاكما علينا ، واسست لنا كذلك جيشا ليجعل من حياة هذه الدولة الناشئة مشجبا يغذي الطموحات العسكرية والرغبة الشعبية والسياسية في تغيير شكلها ونظامها وهويتها حتى تحقق ذلك في 1958 حين تزعم العسكرُ السلطة َفيها، ليبدأ عام جديد  أبو العَشرة  1958-1968 كر وفر بين البعثيين والقوميين والشيوعيين  والتصفيات الجسدية بين الضباط تكللت بمقتل الزعيم الجديد واللي بعده  واللي بعده من مؤامرات حتى مجيء البعثيين الثاني للسلطة ودخول العراق في عام جديد  طويل اخر يستمر من  انقلابهم  1968 حتى 1979  استلام صدام مقاليد الحكم في البلاد ، فكانت  عشر سنوات اخرى  مضغوطة في عام مليئ بالتوتر وحروب الشمال والتصفيات التي رافقت ماسمي بالجبهة الوطنية وتكريس ديكتاتورية البعث التي حكمت العراق كسْر بجمع خمسا وثلاثين  سنة ، لكن ذلك العام ابو العشرة  كان اهون من عام ابو ثمانية 1980 – 1988 ، ثمانية متشابهات في ايامها ومآسيها ويومياتها هي سنوات الحرب العراقية الايرانية الشرسة ، كانت فعلا عاما واحدا طويلا مرهِقاً متصلا من الهلع والجنائز وتشديد قبضة الامن على الناس والتقشف والشهداء والحرب العبثية التي ازهقت ارواح اكثر من مليون انسان من الجانبين  .

وقبل ان يتنفس العراقيون  ويجمعوا مخلفات الاحتفالات بنهايتها ياتيهم هذه المرة عام ابو التسعة   1982-1991 متصلات من غزو الكويت حتى اعلان حرب ثلاثين دولة بينها الدول العربية على العراق ،ونهاية ماسمي بالتضامن العربي الى الابد  ، عام الحماقة السياسية والحرب التي انهت العراق واخرجته من معادلة القوة في المنطقة والعالم لاسيما بعد ان وقّعَ النظام السابق وثيقة الاستسلام التي ندفع ثمنها ارضا ومستقبلا وتنمية حتى يومنا هذا .

لندخل في عام طويل آخر هو الاخطر، طوله هذه المرة اثنتا عشرة سنة 1991-2003 ، عام الحصار الاممي الجائر الشامل  وأسوأ انواع الحصار الاقتصادي مما لم يشهده بلد في الوجود ، لضرب  تركيبة المجتمع  وقطع شرايين التنمية والتعليم والعلم والطب والتكنلوجيا والهندسة والاتصالات ومحاولة قتل الشخصية العراقية التي واجهت فقرا اسطوريا في ظل انهيار العملة وتوقف مقومات الحياة جميعها.

وأخيرا عام “الديمقراطية” الطويل  2003-2016       وكلكم شهود على ماجرى ويجري خلاله ، وقانا الله مابقي من شروره .

   الملاحظ  في ظل ذلك هو عدم اكتراث العراقي  باية مخاطر من ان يكون  هذا العام  أبو الثلاطعش هو آخر عام للعراق ! فهو لايعترف بانه مواطن دولة حديثة أُسّست قبل اقل من مئة سنة مهددة بالزوال ، بل يرى نفسه مواطنا على ارض عمرها الاف السنين طالما انهارت ثم نهضت ، وطالما اُحتلّت ثم استقلت، وطالما تفتتت ثم توحدت ، ومهما حصل لها فهو في النهاية مواطنها الأصلي، وكل (عام ) والعراق بخير.