سواء كان بتماس كهربائي أو بانفجار لاسطوانة الغاز أو أسباب أخرى ربما ستعلن بعد التحقيق ، فان ما حصل بمستشفى اليرموك في فجر ( أمس ) الأربعاء 10 / 8 / 2016 يعد من المآسي الإنسانية سواء كان بتعمد أو بسبب إهمال أو قصور أو تقصير ، فقد نشب حريقا في قسم النسائية والتوليد وامتد إلى قاعات الأطفال الخدج ولعدم وجود خطة مجربة لإنقاذهم فقد أدى ذلك إلى موت اغلبهم على الفور ، والطفل الخديج كما هو معروف أما غير مكتمل النمو أو يعاني من مشاكل بعد الولادة لذلك يوضع في حاضنات مصممة لمختلف الأغراض والحالات لكي يتمتع بحق الحياة حاله حال كل إنسان ، ويفترض أن تخضع قاعات الخدج إلى أعلى درجات الحماية والرقابة والعناية من حيث الإنقاذ والإضاءة والتهوية والتلوث والغذاء والدواء وغيرها من العوامل ذات العلاقة بالموضوع ، وتعول الأم على حاضنات الخدج لكي يعاد لها طفلها الذي أخرجته من بطنها قبل ساعات أو أيام لكي تباشر برضاعته وضمه إليها بحنان كما ينتظر الأب طفله أو طفلته ليحملوا اسمه ويعتز بأبوته فهذه الغريزة ( الأمومة والأبوة ) وهبها الخالق عز وجل ، أما أن يتحول الطفل إلى قطعة متفحمة وتأكله النيران فتلك حالات لم نسمع عن حصولها بأكثر دول العالم تخلفا ، ووقوعها في ظروف اعتيادية ومن جراء حوادث يرقى إلى مستوى الجريمة لأنه يعني من الناحية العملية عدم وجود تحوطات بالمستوى المطلوب ، ولم تخلو هذه الحادثة المؤسفة من الكذب والخداع ، فعند سماع العوائل بالخبر تسارعوا لتفقد مصير أطفالهم إذ تمكن البعض من التعرف على الجثة من خلال المكان ( رقم الحاضنة أو موقعها ) أو غيرها من وسائل الاستدلال ، ولكن البعض الآخر لم يجد أثرا للطفل أو الحاضنة فاخبروهم بان هناك حالات تم نقلها إلى مستشفى الأطفال المركزي في الإسكان وعند الاستفسار عن أحوالهم هناك اكتشفوا إنهم لم ينقلوا إلى هذا المكان قط ، كما إن البعض الآخر تم إخبارهم بان الأطفال نقلوا إلى مستشفى الأطفال في مدينة الطب وعند الذهاب إليها اخبروهم بعدم وجودهم ، وبذلك تحول الموضوع إلى أشبه بجريمة انفجار الكرادة عندما أوهموا البعض بمصير أبنائهم الذي لم ينتهي لحد اليوم لان نتائج فحص الحمض النووي لم تنته بعد ، والفرق بين الحادثتين إن الأطفال الخدج ليست لديهم القدرة على الركض والهرب من الموت لأنهم يسكنون حاضنات وظيفتها مدهم بسبل الحياة واغلبهم بسن الحمل وقد تمت ولادتهم على أمل استكمال نضجهم الجسماني فيما بعد ، كما إنهم غير قادرين على طلب الاستغاثة والمناشدة لإنقاذهم من النيران التي التهمت أجسادهم الطاهرة الطرية تحت ظروف الإنعاش ، ولكن العامل المشترك بينهما هو الإهمال ثم الإهمال ثم الإهمال وبعدها البحث عن وسائل ومسوغات للتبرير ومحاولة تنصل الأجهزة المختصة للتهرب من مسؤوليتها وتفسير كل الأشياء بمسميات سياسية رغم إنها تنطوي على جوانب فنية وتخصصية في اغلب الأحيان .
وتذكرني هذه الحادثة بالقصة ( الشهيرة ) التي بثتها وسائل الإعلام في حينها وحظيت بدعم العديد من المنظمات الإنسانية بعد احتلال العراق للكويت سنة 1990 ، وكانت تلك القصة التي روتها إحدى الفتيات بطريقة درامية لعرض تفاصيل ما يقوم به النظام البائد بإصدار أوامر برمي الأطفال الخدج لسرقة حاضناتهم ، وقد أثارت الرأي العام العالمي ومن خلالها تم التحشيد لإقامة تحالف دولي شاركت فيه أكثر من 30 دولة لضرب العراق وتدمير بنيته التحتية وإعادته إلى عصور ما قبل الثورة الصناعية ، أما هذه الحادثة فإنها لم تحدث أي اهتمام حتى على المستوى المحلي حيث تناولتها وسائل الإعلام كخبر في الصباح ويكاد يتحول إلى طي النسيان خلال وقت كتابة هذه الكلمات ، فلم نسمع عن استنكار أو تنديد أو اهتمام على المستويين الرسمي وغير الرسمي فحتى اللجان التي تعودنا عن تشكيلها لمثل هذه الحالات لم بعدونا بتشكيلها رغم وجود تساؤلات عديدة بخصوص أسباب انطفاء الكهرباء قبل الحادث وانتشار الدخان بكثافة غير طبيعية أدى إلى حدوث حالات الموت والاختناق وأسباب تعرض الأبواب إلى الإغلاق بحيث تعذر إنقاذ الموجودين في الداخل وأسباب استغراق عمليات الإطفاء لمدة ثلاث ساعات وهو قسم للنسائية والتوليد وليس مصنعا أو موقعا حربيا ، وإن من يتحمل مسؤولية وقوع هذه الحادثة وما رافقها من خسائر بشرية وصلت لأكثر من 28 بينهم 17 طفلا خديجا هي إدارة المستشفى ووزارة الصحة ، فهذه الجهات يقع على عاتقها توفير جميع المتطلبات الأساسية للعلاج وراحة وأمان المرضى والحفاظ عليهم من المخاطر تحت جميع الاحتمالات ، والتقصير هو العنوان العريض لمثل هذه الحوادث سواء كان إهمالا أو تحت أي تبويب ، فإكمال بناية قسم النسائية والتوليد في مستشفى اليرموك تم في عام 1989 بالبناء التقليدي أي من مواد الطابوق وهي بناية أفقية وليست متعددة الطوابق مما يجعل احتمالات الحريق وتسربه اقل من بنايات البناء الجاهز أو العمودية ، ولو تم التدقيق في الأسباب المؤدية للحريق لوجد انه يعود الى الاستخدام غير الصحيح للمواد العازلة والقواطع والخزن غير الآمن للمواد القابلة للتسرب والاشتعال والضعف في توزيع المهام والواجبات وربما انعدام متطلبات الدفاع المدني وعدم وجود ممارسات على الإخلاء إلا عند وقوع الحوادث فحسب ، ورغم إن الموضوع يتحمل تحليلات والوصول إلى استنتاجات عديدة فان النتائج التي ستخرج لاحقا أما أن تشير إلى حصول تماس كهربائي أو إهمال لأحد الموظفين كأن يكون الفراش أو المعينة ، رغم إن الحادثة قد تركت ألما شديدا عند العوائل التي تضررت وستكبر حالة عدم الثقة بالمستشفيات وهي ليست حادثة وإنما نكبة إنسانية حصلت لوجود خطأ ما ، وكنا نتمنى لو إن هذه الحادثة قد هزت ما تبقى من الضمائر لدى الجهات الرسمية والمنظمات المحلية والإقليمية والدولية المعنية ، فلو كانت هذه الحادثة ترتبط بمستقبل أو كرسي لأحد المسؤولين لوجدت مدير الإعلام في وزارته يتوسل وسائل الإعلام لكي يعطي الوزير إيضاحا حول الموضوع ويتوعد المقصرين بأقصى العقوبات ، ولان الشهداء في هذه المرة أطفال خدج لم يبصروا النور الطبيعي بعد فإننا ندعوا لإجراء تحقيق مهني وموضوعي وعاجل لتحديد الأسباب والمقصرين سواء كانوا من الملاكات الهندسية أو الفنية أو غيرهم ، ونتمنى من لجان مجلس النواب باعتبارهم ممثلين عن الشعب أن تتبنى التحقيق بمثل هذه المواضيع واتخاذ قرارات حازمة لردع المهملين والمقصرين .