23 ديسمبر، 2024 9:00 م

الأطباء العائدون … بين عذاب الصحة ونار التعليم العالي ! – 2

الأطباء العائدون … بين عذاب الصحة ونار التعليم العالي ! – 2

تداول الكثير من العراقيين رسالة الطبيب العراقي العائد من السويد الى العراق والذي يدعو أقرانه من الاطباء الى عدم تصديق الوعود الكاذبة للحكومة العراقية بدعم و تشجيع الاطباء على العودة الى وطنهم العراق وأن يبقوا حيث هم في بلاد الغربة نتيجة لما عاناه من مصاعب و عقبات مع وزارتي الصحة و التعليم العالي أثناء محاولته العودة الى العراق!.
والجميع يعلم بأن آلألاف من الاطباء العراقيين تركوا البلد أثر أندلاع المذابح الطائفية بعد التفجير الارهابي للمراقد المقدسة في سامراء عام 2006 ,مما تسبب بنقص كبير في عدد ألاطباء العاملين في المستشفيات العراقية وأدى الى تدهور كبير في القطاع ألصحي في العراق ولم تستطع السلطات الحكومية  تلافي هذا النقص بالرغم من الكثير من العمليات الترقيعية وكان أخرها ألاستعانة بالأطباء الهنود لسد هذا النقص!.
وكما يقال فأن مصائب قوم عند قوم فوائد, فقد أستفادت الدول ألاوربية من هجرة هذه الكفاءات ووفرت لها المناخ ألامن للعيش والعمل وحتى سمحت لهم بالمشاركة في البحوث والتقديم للدراسات العليا أسوة بأبناء البلد ألاصليين, وقد أثبت العديد من هؤلاء ألاطباء كفائتهم وأصبحت لهم شهرة عالية في المناطق التي يعملون فيها .وأصبح من الأمور ألاعتيادية و الشائعة هو أن تلتقي بطبيب عراقي في أي مركز صحي أو مستشفى في المملكة ألمتحدة أوأحدى الدول الأسكندنافية.
وبما أن معظم دول ألاتحاد ألاوربي تمنح جنسية البلد لكل من أقام مدة  خمس سنوات أو أكثرداخل البلد ,وبحسبة بسيطة نجد أن الألاف من العراقيين قد نالوا أو سينالون جنسية البلد ألاوربي المقيمين فيه هذا العام أو العام القادم على أبعد تقدير.ومن هولاء طبعاً المئات من الاطباء ولقد حاول الكثير من هؤلاء الأطباء العودة للعراق و لوظائفهم ولكنهم صدموا بما شاهدوه من عوائق توضع في طريق عودتهم من قبل الكثير من وزارات ودوائر الدولة !.
وفي مقدمة هذه الوزارات وزارة التعليم العالي و البحث العلمي,فهذه الوزارة ترفض الاعتراف بالشهادات و الدرجات العلمية التي حازها هؤلاء الاطباء ومارسوا عملهم ضمن دول أوربا أعتماداً على هذه الشهادات والمعترف يها من قبل جميع دول ألاتحاد ألاوربي ودول العالم المتقدمة…. ولكن للأسف غير معترف بها في العراق!!!!!!.
فوزارة التعليم العالي ترفض الاعتراف بشهادة البورد الصادرة من الدول ألاسكندنافية (الدنمارك,السويد ,النرويج,فنلندا) بالرغم من أعتراف جميع دول العالم بالتقدم العلمي وألصحي لهذه الدول والتي جعلها تحتل المراكز ألاولى ضمن قائمة أفضل ألاماكن للعيش على وجه الكرة ألارضية بناءاً على عدد من المعطيات ونوعية الخدمات المقدمة لمواطن هذه الدول ويأتي في مقدمتها الخدمات الصحية المتطورة .
ومن الامورالمعروفة للجميع, أن معظم العرقيين الذين هربوا و دخلوا الى ألاتحاد ألاوربي عن طريق التهريب ومن ثم فأن الكثير منهم يعانون من مشاكل في الاسم أو العمر أو عدم أمتلاكهم لجواز سفر عراقي يثبت دخولهم لتلك البلدان,لذلك وأثناء محاولتهم العودة الى العراق صدموا بالاجراءات الطويلة والصارمة التي وضعتها وزارة التعليم العالي… بعد خراب البصرة… لمعادلة و تسجيل الشهادات العلمية وذلك لمنع تزوير الشهادات العلمية من قبل بعض ذوي النفوس الضعيفة ولكن المصيبة  هي أن أصحاب الشهادات المزورة تبوأوا أعلى المناصب الوظيفية في الدولة العراقية في حين وقفت هذه ألضوابط عائقاً بوجه ألاطباء وألكفاءات الحقيقية.
فالوزارة لا تعترف بجواز السفر ألاجنبي الصادر من أحدى الدول ألاوربية لغرض تسجيل الشهادة وتشترط وجود جواز سفر عراقي و فيزا دخول من ذلك البلد كشرط لتسجيل و معادلة ألشهادة,فمثلاً لو أن طبيب عراقي مقيم في بريطانيا و حاصل على درجة أو شهادة علمية من بريطانيا وحامل لجواز سفر بريطاني ,لا يسمح له بتسجيل شهادته من دون وجود جواز سفر عراقي و فيزا بريطانية تثبت أنه كان مقيماً في بريطانيا!!! غريبة مو!!!.
لماذا لا يعتمد الجواز الاجنبي كدليل على وجوده داخل البلد الاحنبي المعني بدل الفيزا لتسجيل الشهادة ؟ أليس غريباً بأن يسمح للعراقي حسب تعليمات رئيس الوزراء الحامل لجواز السفر ألاجنبي بدخول العراق بدون الحاجة الى فيزا عراقية ولكن لايسمح له بتسجيل شهادته أعتماداً على نفس الجواز!!.
مشكلة أخرى, هي ألامتحان الذي يجب أن يؤديه الطبيب حامل الشهادة لغرض الموافقة على معادلة شهادته و ألاعتراف بها من قبل وزارة التعليم,أحد ألاطباء الذين ألتقيت بهم روى لي كيف أنه طُلب منه اداء امتحان المعادلة لشهادته الحاصل عليها من جامعة تعتبر واحدة من أفضل خمسين جامعة في العالم في حين كان الاستاذ المشرف على الامتحان حاصل على شهادته من جامعة بغداد والتي أحتلت المركز الستمائة ونيف اعتماداً على نفس المقياس !!. سؤالنا هو لماذا لا يعفى الاطباء الحاصلين على شهادات و درجات علمية من جامعات مرموقة و معترف بها عالمياً أوعلى الاقل الحاصلين على شهادات ودرجات علمية من ضمن أفضل مائة جامعة عالمياً من أداء أمتحان المعادلة.
أحد ألاطباء صدمني عندما شرح لي عن معاناته مع وزارة التعليم العالي وعملية معادلة شهادته والتي أنتهت بالفشل وأجبرته على ترك العراق مرة ثانية و العودة الى البلد ألاوروبي الذي أعترف بشهادته,المشكلة حسب ما أخبرني أن ضوابط و زارة التعليم العالي لمعادلة الشهادة لاتعتمد على أسم أو مكانة الجامعة أو نوع البحث ومدى نجاحه بقدر ما تعتمد على طول مدة الدراسة !!, فالتعليم العالي و البحث العلمي لا تعترف بالتطور الكبير في مجال الدراسة والبحث العلمي على مستوى العالم بل مازالت تعتمد طريقة القياس بالاشبار للأعتراف بالشهادة !,فمثلاً لو أن طبيب عراقي أجتهد و حصل على شهادة الدبلوم خلال ثلاثة أو أربعة أشهر من الكلية الملكية الطبية البريطانية ,وطبيب عراقي ثاني أكمل دراسة نفس الدبلوم خلال فترة سنة أو سنتين من أحدى جامعات أووربا الشرقية ,فالوزراة سترفض الاعتراف بشهادة ألاول ويتم ألاعتراف و معادلة شهادة الثاني حسب ضوابط الوزارة!.
وهناك الكثير من هذه المشاكل والعوائق والتي أجبرت معظم هؤلاء الاطباء على تحويل طريق عودتهم الى الدول الخليجية و في مقدمتها الامارات و قطر و البحرين والتي رحبت بهذه الكفاءات والخبرات الجاهزة  ووفرت لها كل ما تحتاجه من عمل و مسكن وأعتراف بشهاداتهم ودرجاتهم العلمية ,فيما كان العراق و المواطن العراقي هو الخاسر ألاكبر.
في الختام ,نناشد السيد وزير ألتعليم العالي و البحث ألعلمي بما عُرف عنه من شجاعة في أتخاذ القرارات الصعبة و الحاسمة لأيجاد حل سريع وحاسم للمشاكل الكثيرة ألتي يعاني منها ألاطباء العائدون وتسهيل عملية عودتهم فالعراق أولى بهم من الدول الخليجية , ونرجوا أن  تكون وزارة التعليم العالي و البحث العلمي عوناً لهم ..لا عبئاً عليهم.

[email protected]