من أخطر اللُعب التي تم تمريرها على العرب أن تم ربط أوطانهم بأشخاص , فيتحوّل الوطن إلى فرد , حتى ليكون تدمير الوطن كناية عن تدمير الفرد.
فالعراق رُبط مصيره بشخص , وكذلك ليبيا وسوريا واليمن وبلدان أخرى.
ويتم الربط العدواني ما بين الشخص والوطن , حتى ليتحقق الإنقضاض الوحشي الفاحش على الوطن , كما حصل في البلدان المعرةفة التي دخلت مراجل التقطير الإتلافي لوجودها.
إذ يتم إسقاط الأشخاص والإمعان بقتل الوطن , لأنه يمثل الشخص الذي أبيد وإلتحف التراب , أما إذا بقي على قيد الحياة فالمصيبة أعظم وأدهى.
فلكي تدمر أي بلد عليك أن تربطه بشخص , وتكيل لذلك الشخص أقبح التوصيفات والمُسميات وتخرجه من كونه بشر , وتحويله إلى شيطان يستحق أشد أنواع الفتك به , وما يمت بصلة له وهو الوطن الذي إندمج فيه وصار هو لا غير.
وتنطلي اللعبة على العرب ويفقدون حاسة التمييز بين الوطن الذي يضمهم أجمعين , وبين الشخص الذي يحكمهم أجمعين , فيدخل المجتمع في مراجل المآسي والويلات وجحيم التداعيات المريرة القاسية.
ولا تزال اللعبة شرسة وماضية في ربوع البلدان العربية والإسلامية التي تتواصل محاولات ربطها بأشخاص لكي تتراكم أسباب الإنقضاض عليها وتدميرها.
ونرى ذلك واضحا في الدول العربية التي نجت بأعجوبة من مسلسل التفتيت والتدمير , والتي تساهم العديد من الأقلام ووسائل الإعلام المعادية لها بربط الوطن بشخص وإضفاء المساوئ عليه , ومن ثم العمل على تراكم المبررات الكفيلة بتدمير الوطن بذريعة الشخص.
وفي البلدان التي سقط فيها الشخص الذي أقرن بالوطن تحققت إقرانات جديدة ذات مسميات عديدة تربط الوطن بحزب , فئة أو جماعة , ويتم الإجهاز عليها وعلى الوطن , فتتحول الجماعة إلى عدوّة , ويكون الحديث عن تدمير أفرادها ومدنها وقراها , وكأنها ليست من الوطن ولا من المواطنين أو أبناء ذلك البلد.
بل يصبح القول بأن كذا عدد من الفئة الفلانية تم قتله , وكذا عمارة وبناية ومجمع للفئة قد تم محقه وتدميره , وهكذا دواليك بعد أن يتحوّل الوطن إلى ضمير مستتر تقديره مجهول .
وفي هذا السلوك نزعة إتلافية إقصائية للقضاء على الوجود الوطني المادي والنفسي والفكري , وتحوبل الناس إلى أرقام قابلة للمحو والتدمير والحرق دون ردة فعل من أية جهة أو منظمة دولية , بل أن الذين يموتون لا يحسبون من البشر وإنما من أعداء الإنسانية.
وتم الإستثمار بهذا الربط ما بين الأوطان والأشخاص بعد نجاحه الكبير , وبدأ مشروع تصنيف العرب إلى مسميات وربطها بدول تعينها وتمولها , فهذا المسمى يتبع لهذه الدولة وذاك لتلك , والهدف من وراء ذلك هو دفع العرب إلى الإنقضاض على أنفسهم , ومحق وجودهم البشري الحضاري والعقائدي.
وبهذا تجدّ الأقلام المموّلة تجتهد في تعزيز الربط وشحنه بمفردات الشرور والكراهية والبغضاء.
وهذا يعني أن المنطقة مقبلة على تفاعلات ذات تداعيات تدميرية شاملة , لن ينجو منها أي بلد , وسيتحتم أو يتوجب الإحتلال الدائم لإيقاف الحماقات السلوكية التي تتسبب بجرائم ضد الإنسانية.
وإن إحتلال الدول العربية بأسرها , ربما سيكون حقيقة معاشة في هذا القرن الذي ينتحر فيه العرب , ويمعنون بقتل أنفسهم بأنفسهم.
وكأن الحقائق في بلاد العرب أوطاني قد تفوقت على الخيال , وإن الهذيان يلوّن الأيام!!