23 ديسمبر، 2024 12:08 ص

الأسلام الوضعي والكوني

الأسلام الوضعي والكوني

لا نريد بيان مفهوم وحقيقة آلدّين ومعنى آلأسلام وآلعلاقة بينهما, فقد بيّناهُ في مقال كونيّ(1) ضمن سلسلة بعنوان[محنة الفكر الأنساني], رغم إنّ فلسفتنا الكونية, تحتاج مَنْ يُفسّرها ويُبيّن أبعادها بنزاهة و أمانة طبقاً للمفاهيم الأساسيّة في الفلسفة الكونية, لأن فيها ظاهر و باطن؛ وعامّ وخاصّ؛ ومُطلق مُقيّد؛ ومجاز وحقيقي؛ وناسوتي وملكوتي, وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون(2), لذلك يرجى من الباحث الكريم والأكاديمي وآلمفكّر وآلفيلسوف, أنْ يتأنّى و يُحلل الأبعاد الكونيّة في مضامينها ليحصل على النتيجة الكاملة, وبغير هذا المقياس الكونيّ, فأنّ الأحكام المنبثقة ستكون مجزّأة و وضعية لا تفيد بشيئ, ولا توصل للهدف المنشود الذي فصّلناه تفصيلاً, خصوصا لو علمنا بأنّ الأحكام الكونيّة شاملة وجامعة وحكيمة وهادفة وترتبط بعضها ببعض, وليست مقالات مُكرّرة أو كتب تراكميّة و حشويّة من هنا و هناك ليُشتّت فكر القارئ, و تُزعجه حدّ كراهة القراءة ليُضَيّع آلعُمر في الجّهل والقيل والقال والخلط (3), بدل فتح الآفاق أمام الأنسان ليُسافر في عالم الوجود السّحيق اللامتناهي داخلياً و خارجيّاً(4), وهذا ليس بجديد, فقد إبتلي الأنسان بهذا المرض الخطير منذ القدم, بسبب (ألعقبة الكأداء) التي فسّرَت الدّين, أيّ(اليهودية – المسيحية – الأسلام) بحسب المنافع الشخصيّة و الحزبيّة و الثيوقراطيّة التي سبّبت إنحراف وإستحمار البشرية وإخضاعها عن طريق الحكومات الوضعية للمنظمة الأقتصادية العالمية التي تتحكم بمنابع القدرة في العالم, بعد ما أفقدتها النظرة الكونيّة لآفاق الوجود(5) ليتعامل مع الأسلام الوضعيّ المُتعدد التفاسير و الأتجاهات حتى يومنا هذا, والنتيجة كما تشهدون؛ سيطرة الظالمين على كل شيئ, أمّا الأسلام الكونيّ؛ فأنّه يرى بأنّ الوجود مُسخّرٌ للأنسان ككرامة لهُ من الخالق, و ليس العكس و كما هو واقع الحال اليوم و العبودية لله وحده يحقق الهدف من الخلق!
الأسلام الكونيّ و بإختصار شديد؛ يرتكز على حفظ قدسيّة الكرامة الأنسانيّة التي هي حقّ الله تعالى كأساس لوجوده الحقيقيّ, وبدونها يصبح ( الأنسان الكونيّ العظيم) مُجرّد شبح أو قطعة حجر أو أقل قيمةً من ذلك أمام الحاكمين ألأغنياء!
و (الكرامة الأنسانيّة) لا تتحقق إلا بآلعدالة والمساواة في الجانب المعيشي والأقتصادي حصراً بإطار مكارم الأخلاق, و لا يتحقق هذا إلا من خلال توزيع الثروة بآلتساوى بين الناس ليتحقق التكافل الأجتماعي الذي يتبعه الأمن والسعادةّ ولهذا حذّرنا الباري بقوله في القرآن:
[مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ
مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ](6) وكما فعل عليّ (ع)(7), فرغم كونه كان رئيساً لأحد عشرة دولة ضمن الأمبراطورية الأسلاميّة, لكنه كان آخر من يأخذ حصته من بيت المال بآلتساوى مع آلجميع(8)!
خلاصة الكلام؛ الأقتصاد و توزيع الثروة وحدهُ يُحقق الأسلام الكونيّ من خلال العدالة الأجتماعيّة, وبغير ذلك حتى لو كان عندنا ألف قرآن و قرآن و مليون أمام و مرجع؛ فأنّ ذلك لا يعدو سوى مُجرّد تراكم يُضاف للتراكم التأريخيّ ألذي دمّر البشر والشجر والحجر رغم نزول أكثر من 120 ألف نبي ومرسل و وصي و إمام تبعهم ملايين الشهداء, بل أصبح العالم اليوم وكما تشهدون التفاصيل؛ غابة يتخاصم على رئاستها المستكبرون بلا وجدان وأخلاق و ضمير, و هذا هو زبدة نظرية الفيلسوف الكونيّ ألذي لا شبيه له.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2017/06/13/438836.html (1) لمعرفة حقيقة و فلسفة الدين:
(2) سورة إبراهيم/257.
(3) بنظرة خاطفة على المواقع و المجلات و الصحف؛ هل ترى غير؛ سافر فلان وقام فلان و إجتمع فلان و قتل فلان و هاجم فلان و صرّح فلان, والهدف كله بإستثناء النادر منها يكمن و ينتهي في كيفية إعمال المكر وإبتكار الحيلة لسرقة الناس, فهل هذا ينفع بشيئ؟
(4) في الفلسفة الكونيّة .. سفران: الأوّل؛ السّفر الخارجي(المادي) وآلثانيّ؛ آلسّفر الداخلي(ألرّوحي).
(5) في صدر الرسالة الأسلامية, أيام خلافة رائد العدالة الكونيّة الذي ما زال مظلوما و من قبل شيعته قبل مناوئيه, وصل خبر عن الهند مفاده أن ملكهم … أمر ذات يوم أحد العلماء بوجوب تأليف كتاب بآلحيوانات (البيوضة) و (الولودة) مع بيان الفرق, و بدأ مع فريق من اهله بتبويب الحيوانات و الطيور و الحشرات التي تلد أو تبيض, و قد إستحسن الناس هذا الشوط الأكاديمي في هذه الدراسة, لكن الأمام عليّ(ع) أختصر ذلك الكتاب الذي كان يسعى العلماء لتأليفه بكلمة واحدة, هي: [كلّ صموخ بيوض و كل أذون ولود], هذه القصّة تعبر عن قصّتنا في قياس الفلسفة الكونيّة لمسألة الوجود مع قياسات باقي الفلسفات ناهيك عن المقالات و الكتب و المؤلفات التي كُتبت للآن أو التي ستكتب, فكلامنا هو آلقرآن في التنظير و نهج عليّ في الحكم وآلتدبير وكلامهم – بإستثناء القليل جدّاً منهم – هو نهج الغاطسين في وحل ذواتهم و خُبث إنّيتهم وتحجّر أحزابهم ومحدودية آفاقهم, لهذا لا يُثمر ولا يُغيير بشيئ! و متى أثمر كلام كان مُحرّكه النّفس!؟
(6) ألحشر/7.
(7) بعد رسول الله(ص) طبّق الأمام عليّ(ع) ألأسلام الكونيّ الذي أراده الله تعالى, بحيث كان حقوقه وهو رئيس لأحدى عشرة دولة مساوياً مع راتب الوزير والضابط وآلآمر والفقير و المسيحي و اليهودي, و هذا هو الشيئ الوحيد الذي أغاض معاوية و عمر بن العاص و الزبير و كبار الصحابة الذي تعوّدوا على حصّة الأسد من بيت المال أيام حكم الخلفاء, لهذا تآمر عليه القاسطون والمارقون و الناكثين كل بحسب موقعه, وما زال العراق وغيره – بإستثناء دولة واحدة تقريباً – لا يريدون الأسلام الكونيّ, بل يُشيعون الأسلام الوضعي لأنه أنسب لنفوسهم وجيوبهم وعوائلهم و تُناسب فسادهم و رواتبهم, بينما الكونيّ يريد تقسيم الأموال على الجميع.
(8) من أقوال الإمام الكونيّ علي بن أبي طالب بخصوصا العدالة كأساس للأسلام:
[هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى؟ أو أكون كما قال القائل – وحسبك داء أن تبيت ببطنة وحولك أكباد تحن إلى القد أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش. فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها ، تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها. أو أترك سدى أو أهمل عابثا، أو أجر حبل الضلالة، أو أعتسف طريق المتاهة]. نهج البلاغة,خطب الأمام عليّ(ع), ج3, ص71.
[ما رأيت نعمة موفورة إلا وبجانبه حقّ مضيع]. نهبج البلاغة – الحكم. حكمة رقم 320.
[لو كان الفقر رجلاً لقتلته], بآلمناسبة(ألفقر) “حالة” وليس “إنسان” فكيف يقتله, إنه(ع) يريد قتل الذي يوجدهُ, وهو الأنسان الغني, لذلك لا بد من محاربة ومحاكمة الغنيّ الذي هو السبب في إيجاد الفقر والفقراء. وقال(ع) أيضاً:[إنّ اللهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ، فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلاَّ بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِي، وَاللهُ تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذلِكَ], نهج البلاغة, الحكم؛ الحكمة 325.