22 ديسمبر، 2024 2:53 م

الأسلام المبكر حقبة بلا تاريخ

الأسلام المبكر حقبة بلا تاريخ

1 . الأسلام المبكر ، حقبة تاريخية مجهولة المعالم ، ليس من دلائل أوثائق أوشواهد عليها ، حقبة لا نعرف عنها شئ ، سوى ما كتب عنها من مرويات وأحاديث وسرديات ، وذلك بعد قرنين من الزمن ! ، هذه هي ضبابية الحقبة الزمنية للأسلام المبكر ، وهذه الضبابية هي التي أطرت أجمالا بكل من محمد والأسلام والقرآن وبأصحاب صاحب القرآن ! ، ضبابية / مثلا ، أمتدت الى الدولة الراشدة ، التي لم يسك أي من خلفائها الأربعة أي مسكوكة نقدية يدل تاريخية تلك الحقبة ، المسطرة في الكتب والغائبة أركويولوجيا . فغياب العملات / المسكوكات والمخطوطات والأثار الأركيولوجية يجعل من التاريخ مجرد مرويات ، وليس علم – له قواعد ونظريات وبراهين وفرضيات .. بينما نجد في الجانب الأخر ، أثار أركيولوجية لبلاد سومر / جنوب بلاد الرافدين ، التي تمتد للفترة من 4500 – 1900 قبل المسيح ! ، وأرى أن هذه الحقائق ، وغيرها ، تثير الكثير من الجدل لحقبة الأسلام المبكر ! .
2 . فلو بدأنا بمحمد ، فسنصدم من أول الأمر بسيرته ، قيل أن أبن أسحق المتوفي 151 هجرية هو أول من كتب سيرة محمد ” المبتدأ والمبحث والمغازي ” ، وهو يبعد زمنيا ب 140عاما عن حقبة محمد – المتوفي سنة 11 هجرية ، وأبن أسحق أصلا سيرته شبه مفقودة ! ، فتولى الأمر أبن هشام المتوفي سنة 218 هجرية ، والذي لم يستلم سوى جزءا منها ، وممكن أنه لم يستلم حتى هذه الوريقات ، فألف هذه السيرة من مخيلته الفكرية !! ، و أبن هشام ذاته ، يبعد زمنيا عن حقبة محمد بأكثر من 210 سنة ! . و موقع / قصة الأسلام ، سرد معلومة جديرة بالأهتمام عن سيرة أبن أسحق ، فأشار ( وإذا أردت أن ألمع إلى ومضات موجزة من منهجه في هذا الكتاب ، أقول : رغم أن الكتاب كاملاً لم يظهر حتى نستطيع الجزم بمنهجه ، ولم يظهر منه إلا قطعة رغم بقائه متداولًا حتى الأعصر المتأخرة ، إلا أنه من خلال النصوص التي أخذت عنه ، ومن خلال تهذيب ابن هشام يمكننا أن نبني عنه تصورًا منهجيًا ربما يكون قريبًا من الحقيقة ) !! . والتساؤل هنا كيف يفقد كتاب بن أسحق وهو كان بطلب من الخليفة العباسي ، والمفروض أن يحفظ في مكان أمين في خزائن الخليفة ! ( ثم في سنة 142 هجرية قصد أبن أسحق الخليفة أبو جعفر المنصور في الحيرة ، فكتب لولده المهدي كتاب المغازي والسير .. / نقل من موقع عريق ) . الأنكى من كل ذلك أن جد أبن أسحق يعتقد أنه كان مسيحيا ( كان جد أبن أسحق ” يسار” من سبي في عين التمر حين أفتتحها المسلمون في خلافة أبو بكر الصديق ، سنة 12هـجرية ، وقد وجده خالد بن الوليد في كنيسة عين التمر من بين الغلمان الذين كانوا رهنا في يد كسرى فأخذه خالد إلى المدينة .. / نقل من موقع المعرفة ) ، فهل كان أبن أسحق حين كتابته للسيرة المفقودة على دين جده ، أم أنه أسلم ! .
3 . خلاف وأختلاف بين القرآن المكي ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ / سورة النحل : 90 – 91 ﴾ وبين القرآن المدني ( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين / سورة البقرة 191 ) ، فكيف لكتاب مقدس أن يحصل به كل هذه التغييرات الجوهرية في بناء النصوص وفي نهجها وأسلوبها وفي مراميها وغاياتها . لم هذه القفزة من بناء نصي يحث على العدل والأحسان الى بناء نصي يحث على القتل ! لم كان هذا التغيير ، وما الذي حدث حتى يستدعي الأمر كل هذا التغيير ، هل كان البناء النصي للقرآن مرحلي وفق الظروف والأحداث .
4 . الأسلام المبكر تعرض في العقود الأخيرة للكثير من الفحص والتدقيق ، وبعض البحوث قد نفت من أن الأسلام قد خرج من مكة والمدينة ، وقالوا غير ذلك .. ففي موقع / الدار الليبرالية – جورج برشيني ، أنقل التالي ، وهو كتاب عن ” تاريخ الإسلام المبكر ” للباحث د. محمد آل عيسى .. يبين الباحث ( أنه هناك اتفاقا يكاد يكون عاما بين مجموعة من المؤرخين بأن الإسلام ظهر في بلاد الشام ولم يظهر في مكة ، وأن هجرة الإسلام وحركته كانت من الشام إلى الحجاز وليس العكس . ولكن كيف ظهر الإسلام وهل ظهر محمد في الشام ؟ بحسب مؤلف هذا الكتاب فإن محمد لم يظهر لا في الشام ولا في الحجاز . وهو ليس شخصا حقيقيا ، هذا هو محور الكتاب .. ) . شخصيا أرى أن قضية ظهور الأسلام في الشام ممكن أن تناقش علميا ! ، ولكن الجزم بعدم وجود شخصية ” محمد ” أعتقد أن هذا الموضوع يحتاج الى أدلة ودراسة وبحث ، فأنت لا يمكن أن تلغي بعض الشخصيات قولا دون أدلة ووقائع .
5 . ولكن شخصية محمد كنبي لا زالت موضع شك وغموض ! ، حالها حال الأسلام المبكر ، فمحمد نعم أنه موجود ، ولكن وجوده كنبي هو حالة جدلية ، أما وجوده بغير ذلك التوصيف فمقبول ! ، ففي كتاب ” الشخصية المحمدية / حل اللغز المقدس ” – المكون من 757 صفحة ، للشاعر العراقي معروف الرصافي 1875 – 1945 م / علوي النسب – خريج المدارس الدينية ، فأنه قد ( جرد محمدا من النبوة ، وأردف قائلا : لم يكن محمدا مبعوثا من الله ، بل كان ” قائدا عبقريا ” ، عمل على توحيد العرب بقيادة قريش ، ويقول أن أسلوب محمد ونهجه كان أسلوب قائد أراد أن يكون ملكا ، ولم تكن دعوته وأسلوبه طريقة أيمانية لنبي .. ) . من هنا نرى أن هذا الشاعر العملاق – وفق دراسته وبحوثه للشخصية المحمدية ، بين أن ما توصل أليه من حقائق جديرة بالأهتمام . علما من أن الكتاب نشر بعد وفاته بعقود / في عام 2002 م في المانيا . وأرى أن هكذا أستنتاج يضيف الى موضوعة الأسلام المبكر ، حالة من التيه المعقد للأسلام كمعتقد ولصاحب الأسلام كنبي ! .
خاتمة : حقيقة أن حقبة الأسلام المبكر قد أكتنفها الكثير من الثقوب السوداء BLAK HOLE ، وأن هذا الوضع سيظل ماثلا للعيان في نهج الباحثين ، وأرى أنه من الضروري معالجته ، دون أعتبار من أن المس بهذه الحقبة يعتبر من المقدسات ، وذلك لأن البحث العلمي لا يخضع لأي حدود أو موانع ، تحجم أو تحجب من بلوغه الحقيقة ! . أن الأسلام المبكر ، حقبة تاريخية تائهة الأركان والمعالم ، ولا بد من ألقاء الضوء على مفاصلها مباشرة .. وأختم مقالي في موضوعة البحث عن ” الحقيقة ” بقول أسحق نيوتن 1642 – 1727 م : ” الحقيقة العظيمة تستحق أن نجوب العالم بحثا عنها ” .