ألواديّ ألأوّل .. من محطات ألعشق لوصول مدينة الخلود و السلام و الأمن هو:
(ألطلب)؛
مقدمة: تزداد ضغوط ألحياة يوماً بعد آخر لِتَسَلّط الظالمين ألّذين ضاقوا علينا بحكومات لا تتقن سوى فنّ آلتّسلط وخلق النزاع للنّهب وقتل الوجدان, فإحتاجَ النّاس لمُتنفّسٍ بعد ساعات العمل الطويلة و المرهقة عبر أسفار تشرح صدورهم وترفع الأوزار عنهم بإبتعادهم عن الواقع ما أمكن ولو لبرهة لأدامة الحياة من جديد رغم مراراتها بحسب ما قُرِّرَ وحُدِّدَ لهم و كأنهم مكائن أوتوماتيكية تعمل بإستمرار بعدَ ما إنقطعوا عن السماء و إثّاقلوا إلى الأرض ورضوا بآلحياة الدّنيا وتركوا أسفار السّماء, فإزدادت آلأمور تعقيداً ورهبة, بحيث لم يعد حولكَ في هذا الزّمن كما كلّ الأزمان .. مَنْ قدْ ترتاح إليه و تستأنس به؛ فيُصاحبك آلدّوار و اليأس وفقد الأمل بآلأهل وآلأصدقاء الذين لا مصداق لهم لخلو الرحمة من قلوبهم حتى مع أنفسهم, حيث يُعانون ألأمراض و العوز و الهموم بحيث لو صادقتَ أحدهم و لو لسويعة لزادك همّاً بل هموماً فوق الهموم وآلاماً فوق الآلام بدل الفرح و السعادة .. لذلك كثيراً مّا يُفكّر البعض وفي أقل فرصة بآلسّفر الجّسديّ والسياحة في الأرض لإنقطاع الحلول الأخرى .. علّهُ يُغيير الأجواء و الأحوال و ترفع بعض الأثقال عن النفس والهموم عن الرّوح بآلبعد عن ألأجواء المسببة لذلك, ورغم إختلاف دوافع ألسّفر؛ إلّا أن أكثرها تكون للتمتع بإجازة زمنية لأيام أو أسابيع هنا أو هناك لترويح النفس, و مهما تكن الأسباب فالهدف المشترك هو التّخلص من ألشعور بآلتّعب و الكآبة و الهموم و إستبدالها بآلراحة و السعادة و الأنشراح والأنفتاح والتعرف على أجواء وأمكنة و وجوه و مناظر وأزمان جديدة!
و الحقيقة إن الأجواء الجديدة ولمُجرّد مفارقتها فإنّك سرعان ما تعود لها لتعيش الألم و الأزعاج من جديد معها لطبيعتها التكوينية الماديّة خصوصاً حين يكون التعامل مع آلحجر والشّجر و البّشر المحدود ألّذي طافَ على السّطح و باتَ يعيش على الهامش و يثور لأبسط القضايا والوقائع .. وهو أساساً مُحمّلٌ بأنواع الضغوط النفسيّة والفكريّة والرّوحيّة لتراكم العقائد والموروثات التأريخيّة والطقوس المختلطة والتربية الفاسدة بآلأضافة إلى القوانين المختلفة والشرائع المتناقضة من الأنظمة الحاكمة التي تريد جعل المواطن عبداً إسيراً خاضعاً يستجدى أمام أعتابهم و يُنفّذ ما يملونه عليه, لذلك فإنّ الأسفار الماديّة الأرضية من قبيل ما أشرنا؛ لم تعد مُجدية, ولو وجدت فتأثيرها طفيف و قصير سرعان ما يزول ليشقى صاحبه بدل السعادة بعد عودته لواقعه في المربع الأول, فماذا على الأنسان أن يعمل للنجاة من الضيم خصوصاً وهو مُكبّل ضمن نظام لم يعد يحصل الناس بظلّهِ على درهمٍ من حلالٍ أو صديقٍ يُرتاح إليه كقدر رُسِمَ وأحاط بآلبشرية بأمر قاهر قدير ومن الصعب التغلب عليه إلا بآلسّفر الرّوحيّ و المعنويّ لعوالم أزكى و أسمى لا سبيل للمادة إليها ولا مكان للقاهر فيها .. لأنّهُ لا يتعامل بآلزمكاني بل بآلكونيّ!
إن السَّفر ألذي نعنيه في (الفلسفة الكونيّة) يختلف طبيعته وزمنه ومحطاته عن الأسفار الأرضيّة والجسميّة المحدودة التي قد لا تتجاوز في أوج ذروتها ومداها بعض .. أو كلّ قارّات العالم مع بعض الفضاء المحيط بآلأرض .. هذا في حال التمكين طبعاً!
أمّا سفرنا آلذي نعنيه يتعدّى الحدود آلآنفة, إنه السّفر الحقيقي للكمال إلى المالانهاية بِبُعديّه؛ ألبوتنشيل إنفنتي والأكشول إنفنتي؛ , وإلى آخر المدى في البعدين.Potential Infinity and the Actual Infinity
, و اللتان لا تتحدّدان أبداً مقداراً و مسافةً؛ لأنّه آلسَفر وراء المعنى؛ ألسّفر وراء الحقيقة؛ سَفر الرّوح؛ سفر الوجدان الذي هو الأصل في عوالم الوجود اللامتناهية بقوّة الفكر و(الكّوانتوم) برأي(آلبرت آينشتاين) وبسرعات هائلة تصل أضعاف أضعاف السّرعات الأرضية المعروفة! لكن لا بوسيلة هذا الجسد أو الفكر ألمُجرّد الناتج من العقل الظاهر ألمُمغنط ألمضغوط ألمُقيّد بأنواع الجاذبيّات الأرضيّة عن طريق الحواس المحدودة .. إنهُ السّفر الأكبر بالعقل الأكبر الباطن إلى المالانهاية و كما أشرنا له في بحوث (عالم العقل في الفلسفة الكونيّة) للدخول في فضاآت أرحب وأسمى لا تستطيع قوى المادة ومحرّكاتها الأليكترونية التأثير عليها سلبيّاً قيد أنملة!
فكيف يكون هذا السفر؟ ومتى؟ ولماذا يستلزم مقدمات هامّة؟ و هل تخلوا من الأخطار؟
كلّ إنسان له تجارب مريرة وأسفار داخليّة كما أسفاره ألخارجيّة, يصحبهما سرٌّ عظيم! لكن أكثر الناس – إنْ لم أقل كلّهم – ليس فقط لا يُجرّبونه أو يعيشونه .. بل لا يكشفون حقيقته عادة لجهلهم المطلق بذلك بسبب إنشغالهم بتوافه الحياة الماديّة لذا يهملونه حتى آخر العمر وربما ينكرون وجوده أصلا, لذلك أكثر الناس يُولدون ثمّ يموتون و لا حَظّ لهم فيها رغم الأيمان الظاهري و أداء ألصّلاة والصّوم والحجّ وحضور آلمجالس من دون فائدة أو أثر حتى يحين ساعتهم ليكونوا نسياً منسيا!
بعكس العرفاء الذين لكلٍّ منهم وصفة خاصّة يُحدّد فيها قوانين الطريق والمسير نحو الفلاح و آلصّلاح لنيل السّعادة الأبديّة بآلخلود في هذا الوجود, فآلمُلا صدرا حدّدها بأربعة أسفار .. وآلعطار بسبعة و الشيخ الأنصاري بـ52 محطة, تيمّنناً بصلاة إحدى أو إثنا و خمسين, أمّا الشّيخ الأكبر فقدّرها بـ34 محطة وغيرهم بأقل أو أكثر بحسب معرفته لتحقيق الغاية, وأيّاً كانت درجات الوصف ومراحله؛ فأنّ الغاية واحدة هي تحقق (الوصال) والفناء بآلحقّ لِلحقّ, و كما برهنها بآلدّم ألشّهيد ألأمام علي والحسن و ألحسين(ع) و (التّمار) و (الحلاّج) و(الصّدر) و(بديع) و(موسى) و(محمد) و(سعدي) و(منذر) و(علاء) و(كريم) و ثبَتها (أبو سعيد أبو الخير) بشهادته وسيرته مع إبن سينا و غيره من الفلاسفة, أمّا الأمام الرّاحل فقد خالفهم في بقائهم ضمن حدود المسائل الشرعيّة ألشخصيّة للوصول و الفناء وأوجب بدلها الأنتقال لساحة العرفان مَنْ إستطاع لذلك سبيلاً للوقوف على الحقيقة و الخلود في هذا الوجود كي لا يكون نسياً منسيّاً كما الناس حتى المتظاهرين بآلدِّين والتدين الشكلي , و هكذا هو نظر بقية الفلاسفة وعرفاء الأديان وعلمائهم.
العقبة الكأداء الوحيدة التي تُمثّل “حائط الصّين” أمام عبور البشر للوصول إلى الحقّ .. كانت منذ آدم و للآن هي (النفس) و كما أشار لها الباري في سورة الحشر, وسورة الشم: بقوله؛ (و نفس و ما سواها؛ فألهمها فجورها و تقوها, قد أفلح من زكاها…) لأنّها تتكون من أتحاد الجسد الماديّ بآلرّوح الألهيّةّ المودّعة فينا و التي إن لم تُقوّم فإنّها تميل وتعمل بقوّة الغرائز وآلشهوة التي تبعدهم عن مسار العلم والمعرفة الحقيقية والفلسفة الكونيّة وطرق الكشف و الشهود والأسفار في عوالم الحقيقة والأمجاد في عالم (ألنّاسوت) كما (الّلاهوت), وبآلعكس إن إستلهمت التقوى فأنّها تتسامى نحو السموات العلى.
قبل بيان حقيقة و مفهوم (الطلب) كمحطة أولى للبدء بآلسّياحة والسّفر, نحتاج لمقدمات و مؤهلات لدرك أبعاده و حقيقته ومعرفة آثاره و مخاطره الكثيرة أيضا لدرئها وتجاوزها, و هذه الحصانة تحتاج لمؤهلات خاصة لتحقّيقها؛ حيث يجب على المُسافر ترتيب المقدمات الضروريّة المطلوبة كآلتعرف قدر المستطاع على أجوبة (المسائل المركزيّة السّتة) التي بحثناها في أكثر من مقال و مقام, و التي تتساوى في أهميتها مع (الطلب) كأول مدينة من (مدن العشق السّبعة), و معرفة جواب (الأسئلة الستة) مستحيلة بدون معرفة (العلل الأربعة للوجود, وهيّ الصوريّة و الماديّة و الفاعليّة والغائيّة) لتحديد أسس (فلسفة الوجود و مكانة الموجود و مُسبّب الوجود و غايته), أو بتعبير فلسفي؛ [واجب الوجود و مُمكن الوجود, و مُمتنع الوجود] و التي بمجموعها تشكل العقيدة الحية في وجدان الأنسان بدل المسائل الفقهية المتحجرة التي سبّبت تكريس ال محنة, إنّها مقدمات واجبه لتهيئة أرضية تحقق (الشوق) في الضمير للشروع العملي بآلأسفار ألسّبعة التي تبدأ بـ (الطلب), فما هو أصل قصة (الطلب) و وادِيهِ؟
و لماذا المعرفة الكونيّة تُحتّم على كلّ طالبٍ قطع تلك الأشواط؟
وهل آلخلود أخيراً في عالم لا نعرف بدايته ولا نهايته بدقة هي غاية الغايات!؟
للوقوف بعدها على الأقل ولو على شواطئ المعرفة الكونيّة التي تُحقق خلودنا لو فرضناها كهدف غائيّ بعد معرفة النفس كشرط لمعرفة الله التي لم يعرفها للآن سوى مُحمدٌ و عليّ و…!؟
أصل هذه القصّة ألمعياريّة تُلخّص معارف مجموعة العرفاء الذين برزوا في تأريخ الفلسفة و الأديان الذين إختلفوا فقط بعدد المراحل و كيفيتها للوصول إلى هدف واحد ثابث ومشترك لم يختلفوا عليه(1), و القصّة تُمثل مجموعة من العاشقين شَبَّهوهم بسربٍ من الطيور عددها لا يتجاوز أربعين أو خمسين طيراً نوت الهجرة بعد تحقق الطلب في وجودهم بقيادة الهدهد بإتجاه مدينة ألعشق المنظورة المحظورة إلا لأهلها بعد قطع الفلوات و الصّحاري و البحار و التغلب على الأخطار و ألمكائد الكثيرة(متاع الدّنيا) ومخاطر الدّهاليز والأزقة المتفرقة للوصول إلى الوادي الأوّل المُحاط بتلال وجبال ومنعطفات خطيرة تحيط بكل الأطراف مع مغريات ماديّة طبيعية يحتاجها الأنسان كآلماء و الكلأ و الفاكهة وآلثمار آلتي تُعتبر مصائد للمسافرين العُشاق المغفلين الذين قلّ ما يصمدون أمامها للتخلص منها بحكمة لقلة معرفتهم بقوانين الجمال الحقيقية لعبور هذا الوادي (الأول) للبدء بآلسفر نحو المدينة التالية و هي (العشق).
في أوّل خطبة للهُدهد كدليل و قائد لسرب طيور العاشقين قبيل آلتوجه نحو آلمحطة الأولى, قال لهم:
[أيّتُها الطيور المُتلهفة لكشف و رؤية جمال الوجود؛ و أنتم تستعدّون للألتحاق بمدينة العشق؛ إعلموا أنّ عبورنا لسبع محطات مليئة بآلأخطار و الصّعوبات وآلإبتلاآت تحتاج للصّبر و الأستقامة و الصّمود و التحدي لتجاوزها بسلام دون تأخير و إبتلاء لكثرة المغريات, فحال وصولنا لـ(آلوادي الأوّل) سنواجه أوّل إمتحان صعب, و الخيار خياركم .. فأمّا الصمود أمام كل المغريات التي تُصادفنا من العشوق المجازيّة كالكلأ و آلمتاع و الزيجات والطيّبات و العلاقات المختلفة و آلرغائب القلبيّة للإندماج مع الأجسام والألوان اللطيفة التي لا تنتهي بسبب قوّة الشّهوة و الغريزة و سلطان الرئاسة و التكاثر التي تتغذى من الحواس والعقل الظاهر؛ أو الأستسلام و الوقوع في شراكها و الذوبان في ملذّاتها وبآلمقابل خسارتك لفرصة آلوصول إلى المبتغى و النعيم الخالد, و الخيار لكم, فلو عبرتم بسلام .. فأنتم آلطُّلاب الفائزون .. المُتطهرون من الرياء والنفاق والجاه والمال للمسير إلى المحطة الثانية وهي مدينة (العشق)]!
لكن وصول وادي (العشق) بعد تجاوز وادي (الطلب) .. ليس سهلاً وكما قد يتصوّر البعض لأنّ القضيّة تحتاج لتضحيات و لجهاد و صبر دائمين, حيث تصاحبها الحرقة والألم وألأذى والجّوع والغربة والاجحاف بسبب قتل الذّات وكبح جماح النفس و تقيدها بقيود المُحبين العاشقين الصّادقين لأتمام الأسفار للنهاية, وهذا ما لا يُطيقه الناس ولا حتى الفقهاء ولا ينجح في إمتحانه أكثر المسافرين فكثيراً ما يلهوون بآلتزاوج و التكاثر و المتاع وبما لذّ وطاب من النعم والأرزاق الألهيّة فيتركون الأسفار في أوّل واد .. لينشغلوا بشهوات الأرض!
كلّ إنسان سليم الفطرة يُريد آلسّفر لشواطئ المحبّة و الأمان لنقاء فطرتهم الألهية, لكن قلة قليلة من هؤلاء الذين إمتحن الله قلوبهم للأيمان .. مَنْ يصمدون و ينجحون, فآلطلب مهم جدّاً للطالب, أ تَذَكَر أثناء إحدى دورات (المنتدى الفكري) الذي أقمته في مدن و بلاد كثيرة و منها (تورنتو/كندا) خلال العقد الأول من الألفية الثالثة الجارية و لأكثر من عامين, جائتني عراقية (طالبة) آللحاق بآلمنتدى, سألتها؛ ماذا تعملين؟ قالتْ؛ لي مشاريع وأعمال كثيرة بدءاً بمشاغل آلبيت و العمل و حتى كتابة المقالات و آلأصدارات الصّحفية ووو..إلخ. قلتُ: أنتِ مع هذا الوضع ألمُتشابك لا تقدرين على السّير و آلسّفر معنا, قالت؛ كيف و لماذا؟
قلتُ لها: لإنشغالك الدائم و أحمالك الثقيلة و تنوّع إهتماماتك و قلّة زادك, لذا عليك التّفرغ قليلاً بتقليل أحمالك و مسؤولياتك و تخفيفها أولاً ليستقرّ وضعك كي تتمكّني من آلتركز و الثبات للبدء بآلسفر معنا, فأنتِ بهذا الحال الذي وصفتيه, و ما أراه منك لا يُمكنكِ السفر و التقدم شبراً في وديان العشق, ناهيك عن السّفر لقطع تلك المسافات البعيدة المتعبة و الخطيرة لتحقيق الوصال مع المعشوق الأبدي فإمّا هنا أو هناكّ؟
يضاف لذلك الطامة الكبرى و المصيبة العظمى التي أسّرت البشرية اليوم مع بدء الألفية الثالثة بسبب إنهماك الناس وقت الفراغ على شبكة الأنترنيت و كَوكَل و ياهو و مواقعها التي تأسر لُباب البشر المسكين, بحيث لا ينفك عنها حتى النفس الأخير لتأخذ مأخذها من الجميع بتجريدهم عن القيم الأنسانيّة ليكونوا لا من الذين آمنوا و لا من الذين كفروا و لتبقى فقط هياكل و أجساد متحركة منهمكة على لقمة دسمة أو راتب من هنا و هناك لأحياء الجسد مقابل كرامتهم, فأرجو يا أيتها الأخت العزيزة؛ أن ترحمي نفسك و تُطهري روحك وتنقذي عقلك و قلبك بآلأخص من كل هذهِ المصائد و ألشِّباك التي أسِرتك والبشرية فمَنعَتْكِ من معرفة الفرق بين الحقّ و الباطل, و لو تماديت بذلك لا سامح الله فقد يصعب عليكِ حتى تجنب الطغيان على الحقّ وأهل الفكر والعياذ بآلله و كما شهدت ذلك, هذا أولاّ, و ثانياً؛ لو تأتين اليوم وتلحقي بنا ِ وأنت بهذا الحال .. فلا أنا و لا حتى وحي من الله تعالى نفسه ينفعك بشيئ لوصول الحقّ.. لذلك إلزمي ما قلتهُ لك و لا تشغلي وقتنا بآلقيل و القال و السّفال والهذيان و العصيان ليكون أمرنا إلى زوال ككل الحكومات وآلأحزاب والمنظمات و الجماعات التي تتآمر فيما بينها للتظاهر وعُلوّ النّفس .. لا لله تعالى!
فما دام قلبك مشغولٌ ومُشتّت ومُتقلبٌ من حال إلى حال مع الهرج والهذيان والمسخ والنفاق للقمة الحرام ألّتي ما تركتْ بطناً أو بقعةً في المعمورة إلا ولوّثتّها؛ فإنّك ستزيدين ضغطاً إضافيّاً فوق الضغوط المتراكمة عليك لسعيك بآلظهور مُعتدلاً أمام الناس لأرضاء نفسكِ والناس لا إرضاء الحقّ؛ و بآلتّالي مع هذا الحال تموت الرّوح و الوجدان لِيَتَألّق النفس لوحدها .. وإنّ نور الله تعالى لا و لن تمسّ قلباً مع تلك الغشاوات الخطيرة التي تمنع صاحبها من طلب المعرفة الحقيقية, وهكذا يتحققّ (ألطلب) بآلوجدان و القلب لا بآلظاهر والّلسان و آلجّسد لعبور المحطة الأولى بسلام و أمان بإتجاه الهدف .. لأحياء الرّوح وإيقاظ الوجدان في ألمُسافر السّاعي للقاء المعشوق مهما إشتدّت الصّعاب وطال السفر, و بشرط التخلص من (33 صفة) مُشينة و خطيرة حذّرنا القرآن الكريم منها لتأقلمها مع النفس البشريّة وإستبدالها بـ(33) صفة أخلاقية فاضلة يعرفها مفسر القرآن لتهذيبها, كإستبدال (الجّهل) بـ (المعرفة) و (الظلم) بـ(آلعدل) و(الطمع) بـ(القناعة) للأرتقاء من (آلحالة البشريّة) إلى (آلحالة ألأنسانيّة) ليستقيم الطالب مع أهل التقوى كمقدمات لنيل الصفة (الآدميّة) و كما ورد صراحة أو كنايةً في سور و آيات القرآن الكريم, لتأمين آلوصال بـ(العشق) الحقيقيّ بعد ترك المجازي, و هو بيت القصيد في الأسفار الكونيّة و معيار قياس مكانة العاشق وإعتباره و درجته الكونيّة ..
و(لكلٍّ درجات ممّا عملوا و ما ربّك بغافلٍ عمّا تعملون)/الأنعام132.
لأنّ؛ [(العشق في العرفان) يُقابل (العقل في الفلسفة)], لهذا يستحيل التوصل إلى تعريف كامل للمُسافر العاشق, لعجز القلم و اللسان على بيان حالاته و حقيقتهِ, و كيفيته خصوصاً وهو في أوّل وادٍ .. يتطلّب التضحية بآلعشوق المجازية وأوّلها ألرّئاسة التي تكتنف كلّ الشّهوات من الدّرهم و الدّولار وإنتهاءاً بآلظلم و بتبعاته الحيوانيّة!؟
وإنّا لله و إنّا إليه راجعون.
الفيلسوف الكونيّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأسفار الكونيّة, هي تلك الأسفار التي عبّر عنها الفلاسفة بطرق و مناهج شتى كلٌّ حسب معتقده إما علّميا أو فلسفيا أو دينيّاً و في مختلف الأديان خصوصا الأديان الثلاثة الرئيسية, بدءاً بآلملا صدرا و السهرودري و الشيخ الأكبر و السبزواري و الأنصاري و النيشابوري و إنتهاءاً بآلخميني و الصدر, و هكذا أقرانهم في الأديان الأخرى.
و ختامها في آلفلسفة الكونية التي إعتمدت على العلم و الفلسفة و الدين معاً زائداً البعد الكونيّ, فآلملا صدرا: حدّدها بآلأسفار الأربعة, و الشيخ الأكبر و معاصره أبو سعيد أبو الخير وتلميذهم إبن سينا قد إختصروها بآلأسفار السبعة, أما الشيخ الأنصارى فقد فصّلها بإحدى و خمسين محطة للعبور و آلوصول إلى مدينة العشق الأبدية, فيرجى مراجعة سلسلة مباحثنا الكونية بعنوان: [أسفار في أسرار الوجود], على شبكة الأنترنيت, و يتكون من خمس مُجلدات, بجانب عشرات البحوث الأخرى حول مقاهيم الدولة و الحكم .