تابعت منذ أيام مستغربا ، الهجمة الشرسة التي شنها حكام الخليج ، اللاهثون والمتكالبون على التطبيع مع الصهاينة ، بسبب الموضوع الذي أثاره الأستاذ (جورج قرداحي) ، والذي لا يمكن أن يقف أي إنسان أمامه بالحياد ، لأنه صراع صارخ بين الموت والحياة والحق والباطل ، ولو إختار الرجل محاباة المجرمين ، لتأكلت شعبيته الواسعة بين الجماهير العربية ، لكنه بقي محافظا على رصيده الكبير بين تلك الجماهير التي لا علاقة لها بحكامها لأنها الأغلبية الساحقة ، لكنها الصامتة على مضض كعادة كافة البلدان العربية ، وقد ضاق البرلمان اللبناني بعملاق كالأستاذ (جورج قرداحي) ، الذي لا يشرفه أن يكون تحت قبته مَن يصفق لكل ما تمليه عليه دول الخليج ، لكن أن يصل الأمر إلى إبعاد سفراء لبنان من هذه الدول ، فهو أمر عجيب .
ذنب هذا الرجل إنه طالما كان يميل للحق ويجاهر به ، وهذه للأسف ليست صفات الغالبية من الإعلاميين العرب ، الذين يمضون في طريقهم وهم يتجولون بين الأفاعي ، محاصرون بالأطُر والقيود التي وضعها (أولياء النعم) ، لمداراة (أكل عيشهم) ، كي لا يشذوا عنها .
أحد زملائنا في (كتابات) لا أتذكر أسمه للأسف الشديد ، حاور السيد قرداحي محذرا إياه من دخول عالم السياسة ، لكن الرجل ليس ككل السياسيين خصوصا العرب منهم ، قد دخل عالم السياسة نظيفا وخرج منها نظيفا .
كل الذي قاله السيد قرداحي ، من أن الحرب على اليمن (حرب عبثية) ، وهل من مختل يعتقد عكس ذلك إلا أمراء الحرب على هذا البلد المنكوب ؟ ، أمراء حرب بدوافع مشبوهة ، أوقعت اليمن في كارثة المجاعة التي يعانيها ثلاثة أرباع شعبه .
إنها حرب إبادة شنها هؤلاء (العربان) ضد طائفة كبيرة في اليمن ، وجدوا أنفسهم وحيدون وقد خذلهم “أبناء العم” ، وهم يشهدون عصر إنقراض “القومية” ، أزاء آلة عسكرية جهنمية ، إشتراها حكام الخليج لأرضاء وتملق الولايات المتحدة بتريليون دولار ! ، واحد بالمائة من هذا المبلغ كفيل بإبعاد الجوع عن هذا البلد المظلوم ، فلم تجد هذه الطائفة بُدّا من الإرتماء في أحضان إيران ، البلد الذي بقي شرطيا للخليج بمباركة أمريكية ، والدليل سياسة الإسترضاء والنفس الطويل التي طالما مارستها الإدارة الأمريكية مع إيران رغم عشرات التجاوزات من هذا النظام ، لكنها غزت العراق ودمرته بسبب أكاذيب ! ، وبنفس الوقت ، جعلت من إيران بعبعا لتخويف عربان الخليج ، ثم إجبارهم على شراء السلاح وتبقى الدائرة مغلقة ، فتجارة السلاح العالمية لا يمكن أن تبور ، ثم (ساقتهم) للتطبيع مع الكيان الصهيوني رغم علاقاتهم التاريخية مع هذا الكيان ، الذي بدوره قبل بالمبادرة بمنتهى البرود والإستخفاف نظرا لمحدودية نتائج إتفاقيات (السلام) المحتملة مع دول الخليج ، فهذه الدول لا تشكل أي خطرٍ على أمن هذا الكيان ، على الأقل جغرافيا .
عرفنا السيد (جورج قرداحي) الإنسان ، على أنه ذو كاريزما ، ناطقٌ بلغة عربية سليمة ، وبلهجة جزلة لبقة ، محترم متزن وموسوعي ، محبوبٌ عند كافة المشاهدين إبتداءً من برنامج (من سيربح المليون) ، لكننا لم ندرِ أن خلف هذا الوجه مبادئ غير قابلة للمساومة على الحق مهما تكالبت عليه الضغوط .
لكننا لا ندري سر سطوة الإمارات بالذات ، على إقحام نفسها كمؤججة للصراعات والحروب ، (بالتأكيد إنها تؤمر فتُنَفّذ) ! ، كالتدخل في ليبيا واليمن وحتى الصومال وكل بؤر الصراع العربية ، في الوقت الذي مازالت جزرها الثلاث تحت الاحتلال الإيراني ! ، منها إرتكابها لمذبحة الكلية العسكرية الليبية في 4 كانون الثاني عام 2020 ، فقتلت 26 طالبا أثناء التعداد المسائي بواسطة صاروخ من طائرة مسيرة مملوكة للإمارات ، كانت (مصر) منطلقا لها ! ، فأحالتهم إلى أكوام من اللحم البشري المشوي ، أعمارهم ما بين 17 إلى 20 سنة ! ، لم يعلن أحد مسؤوليته ، وقد (خرست) كل وسائل الإعلامية العملاقة عن التحقيق بالحادث ، لكن البي بي سي ، قامت مشكورة بتحقيقها الخاص ، فأماطت اللثام عن كل شيء بالتفصيل ، والحادثة موجودة على اليوتيوب ، عدا القصف اليومي لما يسمى (تحالف العار العربي) على اليمن ! ، لقد وقعوا مرة أخرى بفخ اليمن ، دون إستفادتهم من دروس التاريخ من أن اليمن مستنقع لا يمكن الخلاص منه ، فالشخص اليمني وُلد مقاتلا ، على عكس معيشة الثراء و(البحبوحة) والترف الذي يتصف به الفرد الخليجي ، وها قد مرّت أعوام على العدوان على اليمن ، دون أن يحرز ذلك “التحالف” حتى رائحة نصر ، بل كل عام وهم للهزيمة أقرب ، رغم القسوة المتناهية وآخر صيحات أدوات القتل الطائرة والدابة والزاحفة ! ، تلك التي تستضيف (الأمارات) معارضها السنوية وبكل فخر .
أخيرا أتوجه للأستاذ (جورج قرداحي) فأقول ، أن طريقَ الحقِّ موحشٌ دوما وفي كل العصور ، لكنك أهلٌ لسلوكه ، فالقرآن لم يصف الذين يناصبونك العداء على أنهم (أشدُّ كُفرا ونِفاقا) عبثا حاشاه ، فتحية لِلُبنان ، أرض (الأخطل الصغير) ، و(جبران العظيم) ، و(فيروز) ، لبنان الأدب والفن والرومانسية والجمال .