18 ديسمبر، 2024 11:27 م

الأستاذ أمجد توفيق..ومعالم الافتراق بين السياسي والمثقف

الأستاذ أمجد توفيق..ومعالم الافتراق بين السياسي والمثقف

لو تأملنا ما رسمه الأديب والكاتب والصحفي والمثقف الكبير الاستاذ أمجد توفيق من علاقة متشككة بين المثقف والسياسي ، لوجدنا ان هناك جدرانا من العزلة والافتراق بين المفهومين ( المثقف والسياسي ) تكاد خيوط العلاقة تفترق على أكثر من صعيد.

لكن اللقاء الوحيد بينهما ربما هو  عندما يتخلى المثقف عن مهمته تحت ضغط العوز المادي والمعيشي ليبقى يهرول وراء السياسي او يقترب منه او يلمع صورته ، لكي يحصل على مبتغاه ، في ان يكون له مايريد من جوانب الرزق لسد بعض رمق عائلته التي أضناها الدهر.

ويتساءل الاستاذ امجد توفيق ضمن موضوع كتبه عن  أوجه العلاقة بين المثقف والسياسي قبل عامين ليقول : من المسؤول ، أهو المثقف الذي تنكر لدوره ، أم السياسيون الذين أجمعوا على استلاب دوره ، وتحويله إلى بوق مدفوع الأجر ؟

ويرى الاستاذ امجد توفيق “إن الثقافة للسياسي قوة ، والسياسة للمثقف ضعف “. ذلك أن السياسي من وجهة نظره رجل ذو برنامج ، ويطمح لهدف محدد ، وأفعاله ونشاطاته ينبغي أن تنتظم على وفق قلادة البرنامج الذي اختاره “.

وهنا يوضح الكاتب والاديب والصحفي القدير امجد توفيق طبيعة المهمة الملقاة على عاتق المثقف ودوره الحضاري والانساني ليقول “المثقف معني بالحياة ، باحث عن المعنى ، مهموم بالجمال ، لا يعنيه التطابق قدر عنايته بالاختلاف ، وهذا هو بالضبط ما يحقق التطور ، لذلك لا يمكن أن يضبط ساعته على تحديدات السياسي وبرنامجه ، ومتى ما وافق على ذلك ، فإنه يتخلى في اللحظة ذاتها عن صفته ودوره .

ويصور شكل العلاقة بين المثقف والسياسي كالاتي : بينهما صراع ينتهي دائما إلى خسارة المثقف وانتصار السياسي ، فلماذا يحدث ذلك ؟وهنا يعود الاستاذ امجد توفيق ليرسم من جديد معالم هذه العلاقة المضطربة فيقول :

“إنه مكبس الحياة الذي يضغط على المثقف ، فالمثقف إنسان ، وله احتياجات ، ولم تكن الثقافة أو الأدب أو الفن ، أو التأليف ، أو الكتابة والنشر ، أو إلقاء المحاضرات كافية لتلبية احتياجاته الإنسانية ، هذا يحدث ليس في العراق وحده ، إنما في دول العالم الثالث جميعا ، فباستثناء قلة قليلة لا تشكل نسبة ما ، لم اسمع أن الأديب أو المثقف قادر على العيش بكرامة نتيجة جهده في حقل الابداع أو التأليف “.

والحل لهذه الاشكالية بالنسبة للسياسي من وجهة نظر الاستاذ امجد توفيق هو في البحث عن حل ، والحل هو البحث عن عمل ، في التجارة أو الصناعة في مؤسسات الدولة أو خارجها ، لابد من العمل كوزير أو سائق سيارة أجرة ، أما التمسك بالصفة فإنها غير كافية دون نيل بركة السياسي ، ومتى ما نال المثقف بركة السياسي فإن مجالات العمل والحياة تفتح على مصراعيها . نعم يرضي المثقف احتياجاته ، ويخسر دوره ، لأنه دور مدفوع الأجر “.

وهنا يعود الاستاذ امجد توفيق مجددا ليعبر عن مرارة الألم في داخل المثقف وكل صاحب شأن كبير فيقول “ما من عظيم ، أو نبي ، أو مصلح ، أو صاحب نظرية ، او مبدع كبير ، إلا وكان الألم رفيق دربه ..فالابداع لا يبنى على السهولة والتطابق ، وللتغييرات الحقيقية ثمن يدفعه المضحون من أجلها .

ولو اجرينا مسحا للاعمال الثقافية والأدبية التي ابدع فيها هذا الرجل لوجدنا ان اغلبها لم يظهر من خلال مطبوع او نافذة ثقافية ، فمعالم الابداع يتلقفها من شاءت الاقدار ان يكون قريبا منه لسنوات حتى لتجد نفسك امام بحور من الابداع لايتوقف تدفق انهارها وينابيعها التي تصب فيها او روافدها التي تنطلق من خلجات النفس الانسانية ، لتشكل معالم هذه الشخصية المتوقدة دوما والتي يتوهج عطرها الثقافي والمعرفي والفلسفي ليضع الاخر امام ينابيع التدفق العقلي والمعرفي، حتى لتظن به الظنون ان تطلعت في حديثه الظاهري او لم تدرس مكنونات ثقافته وطبيعة شخصيته المتكاملة الشاملة المنفتحة التي تتسع لكل مواهب الابداع، ومهما حاولت اللحاق بما يرسمه من معالم فلسفية تجد انك تهرول وراء رجل إسطوري حاد الطبع لايسلك الطرق السهلة الى المعرفة واكتشاف الذات لمن يريد الاقتراب منه، لكنه لابد وان يترك مع الآخر مسافة ليس بمقدور هذا الاخر الاقتراب منها، اذ يبقى ان هناك الكثر مما لايمكن اكتشافه من مكنونات هذا الرجل المتعدد المواهب الابداعية والمعرفية.

ومع هذا يبقى من الصعوبة بمكان أن تبحر في خفايا مكنونات هذا الرجل أو تتعمق في أفقه المعرفي والفلسفي، لكنك ان أردت الاقتراب منه، لاشهر وسنوات، فقد يكون بمقدورك ان تضع لمحات تكشف مكنونات الرجل، لنجد نفسك انك امام اسطورة ملحمية،ترفع رأس كل حالم بمجد معرفي أو ثقافي، أو فلسفي، لكنك تبقى كمن ينحت في حجر الصوان ان أردت ان تغوص في بحور معرفته وثنايا بحور علمه الواسعة، وهو ما قد حاولنا الاقتراب منه بعض الشيء.

ومن اعماله الادبية  في مجالات الرواية والادب التي يمكن ان نذكرها في هذا المجال : ( برج المطر ، الطيور الحرة ، الظلال الطويلة ) ..تقلد الرجل منذ بداية الثمانينات مواقع ثقافية وصحفية كثيرة، وأبدع في قيادتها، بل أوصل الكثير منها الى معالم القمم.