15 أبريل، 2024 9:31 ص
Search
Close this search box.

الأستاذ أكرم حموش ذاك المدير القاسي

Facebook
Twitter
LinkedIn

أستذكر أيام الدراسة ومرحلة الشباب في كل حين وأنا أعيش زحمة الحياة الحالية. رغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً إلاّ أن بعض الذكريات قد عششت في المخيلة وتأبى الرحيل.
أسماء ومواقف لا أنساها، بل أعيش معها حتى الساعة ومهما بلغت من الكبر. ومن هذه الأسماء هو الأستاذ أكرم حموش مدير إعدادية التأميم للبنين (إعدادية كركوك حالياً).
الأستاذ أكرم حموش كان إسماً يشار إليه بالبنان في وقتنا وأيامنا. الذي عرف عنه هو الشدة في التعامل مع الطلبة والقساوة في إدارة المدرسة. لم يكن مديراً سهلاً والطلاب في شكوى مستمر منه. لم يكن يرحم أحداً وكان يضغط على الطلاب بكثر، حتى أننا كنا نفرح إذا ما كان مجازاً أو لم يحضر الدوام لسبب ما. كان الأستاذ أكرم حموش يفسد علينا طعم اللعب في المدرسة والوقوف مع الأصدقاء والصحبة في الساحة. أدنى خطاء من الطالب كان يخرجه من المدرسة ولن يقبل بعودته إلاّ بمقدم ولي أمره. الحقيقة أن مجرد وقوف سيارته الروسية الصنع من نوع موسكوفيج زرقاء اللون يكفي لأن يفسد علينا نحن طلاب المدرسة البهجة والسرور. كان يتعامل معنا وكأننا عسكر وفي السواتر الأمامية من المعركة.
ما أن بلغنا مرحلة السادس الإعدادي أي المرحلة النهائية حتى إشتد تعامله معنا إلى درجة كبيرة. بدأنا نترحم على أيام الصف الرابع والخامس، حيث كان يصب جل إهتمامه على طلاب الصف السادس المقبلين على الإمتحانات الوزارية ولا يدعهم طرفة عين. إنه مدير قاس جداً فهو لا يتركنا بعد إنتهاء الدوام حتى يكلف المدرسين بإلقاء دروس التقوية وشرح المزيد. كان يطالبنا بالسؤال عن أي شيء لم نفهمه حتى يقوم مدرس المادة بإعادة الشرح. كنا نتذمر من هذا المدير القاسي جداً ونتمنى أن نتخرج قبل حين لنخلص منه ومن هذه الرقابة الشديدة.
بيتنا كان قريباً من المدرسة. وذات مساء وإذا بالسيد المدير أكرم حموش يمر بسيارته من أمام البيت ليشاهدني وأنا اقف أمام الباب مع إثنان من أصدقائي. في اليوم التالي وأنا جالس في الصف وإذا بأحدهم يطرق الباب ويقدم إسمي للمدرس ويقول أن المدير يطلب حضوري في الإدارة فوراً. خرجت من الدرس متجهاً إلى غرفة السيد المدير. طرقت الباب وهو أمرني بالدخول. دون سابق حديث سألني من هؤلاء الذين كنت تقف معهم أمس أمام البيت. قلت له إنهم أصدقائي منذ الصغر. سألني هل هم طلاب مثلك؟ أجبته بأن أحدهم لم يتمكن من إنهاء الدراسة المتوسطة وقد تم سوقه إلى الخدمة العسكرية والأخر وبسبب الرسوب المتتالي تم فصله من المدرسة وهو الأن يدرس في مدرسة مسائية.
سكت لبضع ثواني، وقد أحسست أنه غاضب جداً ويتمالك نفسه بقوة، ولا أخفي بأنني بدأت بالخوف. نهض من مكانه وهو ينظر في عيني وأيما نظرات قال إسمع: أحدهم فاشل دراسياً وقد سيق إلى العسكرية وهو الأن جندي، والأخر فاشل ايضاً ويدرس في مدرسة مسائية وأنت طالب إعدادية ومطلوب منك الدراسة. فيما إذا شاهدتك مرة أخرى مع هؤلاء ساقف بسيارتي وأنزل واضربك 100 جلاق كدامهم وإذا أنت رجال اوكف وياهم منا وبعد. وبعد هذا الكلام وبصوته الجهوري العالي قال لي أذهب إلى صفك فوراً.
إنصرفت فوراً ودخلت الصف وجلست في مكاني وأنا أحمد ربي بأنني قد خرجت من الإدارة سالماً ولكنني كنت أتذمر مع نفسي. ما هذه الحالة يا الهي، هذا المدير يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا حتى خارج المدرسة. أمر لم أكن أطيقه أبداً، فنحن لسنا جنوداً في ساحات الوغى ولنا حق التمتع بالفرصة وباحة المدرسة. هذا المدير إذا شاهد طالباً يتجول في الساحة في غير أوقات الفرصة، عندها إقرأ السلام على الطالب والأستاذ الذي سمح له بالخروج. إلاً مرّة واحد عام 1987 وقد أشفق علينا ورتب لنا سفرة إلى الحبانية، حيث كانت سفرة من العمر.
اليوم وأنا أراجع نفس المدرسة الذي يدرس فيه ولدي، وأنا أشاهد الفوضى العارمة في عموم المدارس والفلاتان العجيب. اليوم وأنا أشاهد المقاهي والكازينوهات والكافتيريات مليئة بالطلبة. وأنا أشاهد كل طالب يحمل في يده سيكارة الكترونية والتي غدت تقليداً وامرا طبيعيا يمشي عليه الشباب، أستذكر الأستاذ أكرم حموش وقسوته. أستذكره عندما أشاهد الطلبة أمام المدارس وهم يتخلفون عن حضور الدروس. أستذكر الأستاذ اكرم حموش وأنا أشاهد الملابس التي يرتديها الطلاب أثناء الدوام. أستذكره وأنا أشاهد الطلبة وتدني المستويات والإستهتار بالوقت والدرس.
كان الأستاذ أكرم حموش ظالماً جداً لأنه كان مصراً على أن ننجح نحن جميعاً. كان قاسياً لأنه كان يلح علينا أن نتخرج من الاعدادية بأعلى المعدلات. كان لا يطاق لأنه كان يلزمنا ان نحضر دروس التقوية في المدرسة بعد إنتهاء الدوام عسى أن نفهم الدروس أكثر. كان مجحفاً بحقنا لأنه لم يسمح لنا في التجوال بين الأزقة والدرابين وهدر الوقت الثمين. كان قاهراً لنا لأنه منعنا من مصاحبة أصدقاء السوء ولأنه كان يريد منا أن نكون جميعاً أطباء ومهندسين. كان صعباً لأنه كان يعتبر جميع الطلاب بمثابة أبنائه.
شتان بين اليوم والأمس ولا أدري ماذا كان يفعل الأستاذ أكرم حموش فيما إذا كان مديراً في يومنا هذا.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب