للعراق تاريخ حافل في الثورات أو الانقلابات وإن اختلفت المسميات، فهناك من يرى الانقلاب ثورة والعكس صحيح، وانطلاقا من هذه الآراء والمعتقدات أصبح تاريخنا مزيف ومشوه، ونحن بأنفسنا نزيف تاريخنا لأننا اتخذنا من أساتذة الكذب والتزوير أئمة، هؤلاء الأئمة مزقوا الوثائق الأصلية وكتبوا لنا ما يتماشى مع أفعالهم وتصرفاتهم، وتخدم في نفس الوقت أغراضهم وأهدافهم. أنهم مع مصالحهم حتى لو كانت في أحضان إبليس بالنتيجة لم تعد عقولنا قابلة للبحث ومعرفة الحقائق.
بلا شك أن الرؤية العامة لمنهجية ثورة أو انتفاضة الشباب العراقي، مجردة من الميول والاعتقادات الدينية والمذهبية الطائفية، وهذا التجرد أمر ليس بالهين في عصرنا الراهن، ذلك لأن كل الصراعات على الساحة العربية والإقليمية اليوم مشبعة بالدلالات الدينية والمذهبية والطائفية.
هناك من يرى أن الثورة لا تقوم إلا نتيجة صراعات طبقية، لكن ثورة شباب العراق، ثورة الشهيد صفاء السراي، والمغدور علاء مشذوب وغيرهم من الأبطال قد شذت عن الصراعات الطبقية والأيديولوجية، بل أنها خرجت عن نطاق الثورة بمفهومها العام وباتت اليوم حرب تحريرية بكل المقاييس. وإذا كان التاريخ لا قيمة له بدون مصادر، فإن مصادر تاريخ ثورة تشرين تنحصر أساسا فيما خطته وستخطه أقلام الشرفاء. وعليه من الضروري تسليط الأضواء الكافية على مختلف المراحل التي قطعتها ثورة تشرين العظيمة، وهذا هو الأسمى من الجهد المتواضع الذي يبذله المثقفون الشرفاء في مغالبة تشويه وتزييف الثورة. حيث أن أخطر تزييف وتشويه للثورة يجب مناهضته والتنديد به، ذلك التزييف الذي يجعل الشعب العراقي بصورة عامة هو مفجر الثورة. مع العلم أن ثورة تشرين وموجتها المستمرة إلى اليوم كانت وماتزال من صنع الشباب، على سبيل المثال لا الحصر (الشهيد صفاء السراي والشهيد إيهاب الوزني والشهيدة ريهام شاكر) وغيرهم من الشباب العراقي الابطال تعبيرا عن معاناة الأغلبية الساحقة من العراقيين، حيث خرجوا يهتفون بإزالة المظالم وإغلاق ملفات الدم بعد جنازة الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية والتعليمية في العراق. التزييف الآخر هناك أقلاما كثيرة باتجاه واحد تناولت هذه الثورة وعالجتها بطريقة غريبة جدا، حيث بذلت تلك الأقلام المأجورة كل ما في وسعها لخنق الثورة والقضاء عليها بقوة السلاح، فسقط الشهداء وجرح المئات، لكنهم لم يتمكنوا من وأدها.
أعتقد أن الشهداء أمثال السراي ومشذوب وإيهاب الوزني لم ينتموا إلى حزب سياسي أو كتلة سياسية، كانوا يحبون العراق ويريدون وطن، لكنهم من وجهة نظر أصحاب السيادة لصوص، جوكرية، عملاء، فقتلتهم رصاصة من بندقية يحملها عراقي وبأوامر من عراقي يعتقد نفسه حين يقتلهم سينتصر وسينتهي الأمر.
وتأسيسا لما تقدم، فإن ثورة شباب العراق منذ بدايتها في تشرين في عام 2019 وإلى اليوم فرضت نفسها بقوة ولا تزال فصولها لم تكتمل بعد لأنها نقطة فاصلة وفارقة في الوجدان العراقي، فهي الأحداث التي صنعها الأبطال والأفعال التي مارسها الطغاة، فهي ثورة في الرؤيات والمقاصد للجيل الصاعد، ذلك الجيل الذي لا يقبل إلا بالتغيير الجذري، وليس بالحلول الترقيعية الوقتية والمسكنة من قبل الدولة العميقة.