18 ديسمبر، 2024 11:45 م

الأزهر و محاولة الانزلاق في وحل الطائفية

الأزهر و محاولة الانزلاق في وحل الطائفية

ما يبعث على الأسف أن تكون زَلَّة لسان، وما يبعث على  القلق أن تكون متعمدة ومقصودة، تلك العبارة التي نقلتها أحدى القنوات الفضائية قبل أيام في شريطها ألأخباري نقلا عن مستشار الإمام الأكبر  للأزهر  التي قال فيها ( سنعمل بقوة على تضمين فقرة في الدستور المصري تحافظ على الهوية السنية لمصر وتحد من المد الشيعي ). استوقفتني العبارة كثيرا   فقد وجدتها نشازا على ما ألفناه من مواقف معتدلة و متوازنة في البيانات والتصريحات التي تصدر عن مشيخة الأزهر ، حيث لم يسبق لهذه المؤسسة العتيدة بدورها وتاريخها بالتطرق لموضوعة حماية الإسلام السني بهذه العلنية والمكاشفة الصريحة على مر التاريخ المعاصر على الأقل بزمانه الحاضر الملبد بغيوم الطائفية المقيتة وتحديدا منذ قيام النظام السياسي الشيعي في إيران و لغاية ما جرى في العراق بعد عام 2003   . أنا اعتقد أنها إشارة تعطي انطباعا  للمتتبع والمطلع بأن مصر  الحديثة بردائها الإسلامي الأخواني بصدد الدخول في استقطاب مذهبي تتجمع فيه دول أهل السنة في مواجهة الشيعة. وإذا كنا قد سمعنا قبل سنوات قليلة عن هلال شيعي يضم إيران والعراق وسوريا وحزب الله في لبنان، فإن ما ذكره السيد المستشار  قد يعني تمهيدا لتأسيس تحالف سني مقابل.  وبدورنا فأننا نخشى أن يكون هذا التصريح مدعوما من رجالات الأخوان الذين بيدهم زمام مصر الآن  كمقدمة للانخراط في جبهة طائفية لمواجهة دول الهلال الشيعي، خصوصا وان قائد هذا المحور المضاد هم دول النفط الخليجية ذات التطرف الوهابي المقيت التي تعمل بكل جهد على إغواء مصر  بحلتها السلفية الجديدة للانضمام إلى هذا المحور لأسباب عدة منها صفتها الأزهرية التي تشكل ثقلا إسلاميا كبيرا في العالمين العربي والإسلامي الأمر الذي يعطي زخما عقائديا وعاطفيا كبيرا لهذا المشروع ، ثانيا العامل الاقتصادي الذي يلعب دورا مهما في استقطاب مصر لهذا المحور فالخزائن الخليجية على أهبة الاستعداد كعادتها  لأن تفتح أبوابها لإجهاض أي مشروع يتعارض ومصالحها ، فما بالك والحال يتعلق بمصر و إخراجها من أزمتها الاقتصادية المزمنة فضلا عن كونها طاقة بشرية هائلة تؤهلها لدخول أية ساحة مواجهة تزامنا مع المد الأخواني والهيمنة الإسلامية في مصر . أن ما يثير الاستغراب لموقف المستشار  الأزهري هو العودة إلى تاريخ  علاقة الأزهر بالمذهب الشيعي ألاثني عشري و لعقود خلت من الزمن ، إذ لم تكن هناك خصومة معه من أي نوع ، نعم ظل الاختلاف قائما، لكنه لم يتطور إلى عراك أو خصام. فالمذهب ظل يدرس في الأزهر ضمن منهج الفقه المقارن ، وشيخه الإمام الأكبر محمود شلتوت اعتبره من المذاهب التي يجوز التعبد بها شرعا، فضلا عن ظهور دعوات مستمرة للتقريب بين المذاهب من قبل علماء الطرفين . فإذا كان ذلك هو المنهج الأزهر ي الذي ظل شامخا باعتداله و وسطيته  و منفتحا على كل المذاهب، فإن حديث المستشار الأزهري عن حماية الهوية السنية خوفا من المد الشيعي يعد انحرافا عن الموقف التقليدي للأزهر وتفريطا في تاريخه الثري في ذلك المضمار. الأمر الذي يعني أن ما قاله المستشار  بذلك الخصوص يعد خطوة إلى الوراء وليس خطوة إلى الأمام.  إن القراءة البريئة والسطحية لما يجري الآن من تداعيات و أحداث متسارعة كالزيارة الأولى التي قام بها الرئيس الأخوانجي الجديد للسعودية و ربطها بتصريحات السيد المستشار الأزهري  تعد خطأ كبيرا ، فإقحام المسألة المذهبية في خارطة الشرق الأوسط الجديد وربيعه العربي تحديدا أمر  لا مفر منه للأسف 
و رائحة عدم البراءة في الزج بالطائفية فواحة ، وهذا ما يخيف ويرعب ، لأنه سيفتح  كل الأبواب  لاستدراج الجميع  إلى جهنم ، اللهم أدفع عنا ذلك وأجعل السلام والطمأنينة طريق مستقبلنا ومستقبل أجيالنا .