23 ديسمبر، 2024 12:52 ص

الأزمة المالية.. وحلول المرجعية الشاهدة

الأزمة المالية.. وحلول المرجعية الشاهدة

يتعرض العراق الى أزمة مالية حادة ونقص مريب في النقد، والسبب الظاهري هو انخفاض أسعار النفط، ولكن الأسباب الاخرى اكثر مأساوية وهي سوء التخطيط وعدم الاستثمار الصحيح للاموال المتحققة من ايرادات النفط في زمن ارتفاع الأسعار، وقد تبددت تلك الأموال بمشاريع اغلبها غير أساسية او كمالية على حساب المشاريع الاستثمارية التي تحقق بعد تنفيذها ايرادات دائمية وفق الاستثمار المستدام الذي يحقق أرباحا مالية وتشغيل الايدي العاملة، ومثال على ذلك استصلاح ودعم المشاريع الزراعية والثروة الحيوانية، واستغلال الاراضي الشاسعة التي تصلح للكثير من المحاصيل الزراعية، وإنشاء المصانع الملحقة بالصناعة الغذائية، وتوفير المنتوج الغذائي بدل الاعتماد على الاستيراد من الخارج وبالعملة الصعبة.

وليس خافيا بان أسعار النفط تخضع للابتزاز السياسي وتسلط شركات النفط الاحتكارية التي سيطرت واستحوذت على النفط العراقي بواسطة جولة التراخيص التي فيها الهدر الكبير للنفط العراقي وبطريقة يندى لها الجبين عند التعرض لتفاصيلها.

واتخذت الحكومة العراقية العديد من القرارات المتخبطة والغير مدروسة منها الاقتراض من صندوق النقد والبنك الدولي الذي يفرض شروطا مجحفة لا يتحملها الشعب العراقي كإلغاء البطاقة التموينية ورفع الدعم عن المنتجات النفطية وغيرها من أدوات التقشف التي يتضرر منها المواطن البسيط، ومنها قرار تقليل رواتب الموظفين الذي جوبه باعتراضات شديدة من تلك الشرائح، مما اثر على الوضع السياسي ووضعت إصلاحات العبادي في مهب الريح لولا قيامه بزيارة المرجعيات الدينية في النجف الأشرف لتجديد الدعم لحكومته او الإيحاء للشركاء بمثل هذه الأمور.

عموما وخلال جولته حصل الدكتور العبادي على مجموعة حلول من المرجعية الشاهدة وعلى طبق من ذهب اذا أحسن التصرف وتطبيقها بنية صادقة ومخلصة للخروج من هذا المأزق، ومن هذه الحلول ما طرحه المرجع اليعقوبي من قضايا سياسية وأمنية واقتصادية اثناء اللقاء به، وفيما يخص الجانب الاقتصادي وما طرح من إصلاحات اقتصادية، نستطيع إجمالها بالتالي:

١. الحث ( على دعم الحكومة لمنافذ الإيرادات المالية من غير النفط خصوصا في مجال الزراعة )، ويتحقق هذا الامر من خلال دعم المشاريع الزراعية والثروة الحيوانية  والصناعية اي جعل المشاريع الاستثمارية مشاريع منتجة وفيها أرباح وليس مشاريع جامدة لاتخدم سوى جيوب المفسدين، ولا ننسى ذكر المبادرة الزراعية التي اطلقتها الحكومة السابقة ولكنها بحاجة الى متابعة وتطوير لتحصد نتائج طيبة، لانه من غير المعقول ترك هذه الاراضي الشاسعة بورا وعدم استغلالها وتحويلها الى أراضي منتجة ومثمرة.

٢. الدعوة الى سد باب الفساد في مشروع تسليف البنك المركزي للمواطنين بمبلغ خمسة ترليونات، بينما الدولة بحاجة الى السيولة النقدية لتعزيز احتياط البنك المركزي كما يذكر المرجع اليعقوبي ذلك، وان هذه المبالغ تذهب هدرا من خلال المشاريع الوهمية وتبديدها، ودفع الرشاوى للحصول عليها وبالتالي يكون العمل عبثي وهدر للمال العام، وهذا الأسلوب وقائي اي تحذير الحكومة من خطر التبذير والفساد قبل حصوله، بينما نلحظ ان الاعلام عادة يسلط الضوء على شبهات الفساد بعد حصولها والغرض هو التسقيط وليس الإصلاح.

٣. تشجيع الحكومة ( على زيادة الفائدة الممنوحة للإيداعات لتحفيز المواطنين على التوفير في المصارف وبذلك توفر الحكومة سيولة نقدية وتنفع مواطنيها غير القادرين على استثمار اموالهم )، ان هذا الإجراء من اهم الوسائل والاليات لتنمية الموارد المالية وتنشيط التجارة والاستثمار والتدبير لابناء المجتمع وذلك بتحقيق فوائد عدة منها:

– الحفاظ على أموال المواطنين من السرقات والتلف وتشجيعهم على العمل التجاري وليس الاعتماد على الوظائف الحكومية فقط.

– توفير سيولة نقدية للدولة للاستفادة منها في شتى المجالات.

– دعم المشاريع الاستثمارية وتشغيل الأموال فيها والحصول على أرباح دائمية تنفع المواطن والدولة على حد سواء.

– تنشيط العمل بالمصارف الاسلامية وتوسيعها لتاخذ دورها في المواجهة الحضارية وتنشيط الاقتصاد وفق النظام الاسلامي.

– دعم القطاع الخاص وتوفير المنتوج الوطني الذي يوفر العملة الصعبة للبلد وتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع.

– كما ان زيادة الأموال المودعة من الفوائض النقدية لدى الناس التي لا تنتج شيئا بمفردها لقلّتها كمليون او مليوني دينار تؤدي الى الزيادة في انشاء المصارف وإنشاء الشركات المساهمة والمختلطة، والتي تؤدي بدورها الى تنشيط الحركة الاقتصادية في البلد، وتوفير فرص عمل اكبر للمساهمة في تقليل البطالة، ومعالجة الفساد المالي والاداري.( وكما أشار سماحة المرجع اليعقوبي لذلك في خطبة عيد الأضحى المبارك للعام ٢٠٠٨ والمعنونة ” تنشيط القطاع الخاص والمواجهة الحضارية ” ) ( خطاب المرحلة الجزء السادس ).  

اضافة الى ذلك فان المطلع على هذا النظام في الدول الاخرى يجد ان المواطن وبعد ايداع امواله في المصارف لا يتعامل بالنقد بشكل مباشر وانما بواسطة الكارت الالكتروني في التسوق، اي ان النقد يتحول كرصيد من المشتري الى البائع الكترونيا من دون استخدام النقد بشكل مباشر والحفاظ عليه في المصارف ولكن الذي يتغير هو رصيد العميل الكترونيا فقط بحيث لا تتم عمليات سحب وإيداع من المصرف، وبالنتيجة تبقى الأموال تدار في المشاريع الاستثمارية وتوفير الأرباح للمودعين.

ان هذا الإجراء يؤدي وفق التخطيط السليم والمدروس الى تعظيم الإيرادات المالية من غير النفط- كما أشار لذلك المرجع اليعقوبي- لتصبح الدولة غنية وتسعد ابناءها، وتستغني بذلك عن الاقتراض من البنوك الأجنبية ذات الشروط المجحفة التي تفرض ارادتها على توجهات البلد العامة.

وبالنتيجة فان تدخل العلماء العاملين في مثل هذه الأمور والاستفادة من الاّراء السديدة التي تطرح لمعالجة الأزمات او التخطيط للبناء والتنمية وترجمة افكارهم الى واقع عملي، يجنب الدولة الكثير من الأخطاء الكارثية، والنهوض بالدولة الى مستوى متقدم ومزدهر وتحقيق العدالة الاجتماعية والرفاه لابناء الشعب.
والحمد لله اولا وأخيرا.