19 ديسمبر، 2024 2:15 ص

الأزمة السياسية في العراق بعد دخول المنطقة الخضراء

الأزمة السياسية في العراق بعد دخول المنطقة الخضراء

سبق وان تناولنا في مقالنا “الأزمة السياسية في العراق قبل دخول المنطقة الخضراء” مشهد العملية السياسية وما أنتجته الاعتصامات على أبواب المنطقة الخضراء من مفاعيل امتدت إلى أسس العملية السياسية حتى بات الحديث عن طرح سيناريوهات تناول بعضها إعادة بناءها من جديد، ورغم ضبابية المشهد السياسي بشكل عام، واستمرار هذه الضبابية دون أي بوادر أو مقدمات للانجلاء، سنسعى في هذا المقال إلى ان نقرأ الأزمة السياسية بعد دخول المتظاهرين للمنطقة الخضراء، في مسعى للإجابة على سؤال مركزي: ما هي المفاعيل التي أنتجتها حركة “دخول المتظاهرين إلى المنطقة الخضراء” على العملية السياسية وفواعلها؟
ودون شك ليس بالأمر الهين قراءة المشهد في ظل هذه الضبابية والسيولة في مواقف القوى السياسية، لكن سنسعى إلى إبراز اهم هذه النتائج على شكل نقاط وكما يلي:
1) نقص وزن قوة المتظاهرين: كانت من اقوى وسائل الضغط على العملية السياسية وفواعلها، المتوفرة بيد المتظاهرين هو التهديد بدخول المنطقة الخضراء، ولا يتوقع البعض ان القوة تكمن في دخول المنطقة مع قناعتنا بأهمية هذا الحدث، بل في ما بعد الاقتحام، والذي يصفه البعض (بالذهاب إلى المجهول والفوضى)، وهو حالة مرعبه، في ظل ساحة عراقية تمتاز بفراغ إستراتيجي من حيث القوة، اذا ما نظرنا إلى هذه المنطقة من منظار إقليمي أو دولي، وعليه يمكن لأي سيناريو يطرح لقلب العملية السياسية أو تبديل المعادلة السياسية، ان يكتب له النجاح في غفله من البعض او سوء تقدير، وضمن جو أو بيئة داخلية متهيئة لاستقبال أي بديل، بسبب ما يعيشه الشعب من حالة انسداد شبه تام في إصلاح العملية السياسية القائمة بعد مطالبات عديدة لمختلف القنوات الشعبية والمجتمعية والدينية بالإصلاح.
وعليه فان تقييم استخدام هذه الوسيلة وما أفرزته من تفاعلات لا يظهر أي نتائج مرتفعة في زيادة وزن جبهة المتظاهرين، بل على العكس يعتبرها البعض أنها قللت من رصيد القوى
المنتفضة والمطالبة بالإصلاح، وما حالة الميوعة من الطرف الآخر في تحقيق الإصلاح، وتعطيل المؤسسات دون مبرر مشروع، إلا نتاج لهذا الانخفاض، بل أصبحه عذراً سرعان ما تلقفه الطرف الأخر ليكسر حالة القيد الذي كان يعيشه مع بداية كل يوم جمعة.
2) انتقال حركية العملية السياسية من السيولة إلى الميوعة إلى التجميد: يبدو ان إعلان زعيم التيار الصدري (الاعتكاف) لمدة شهرين، لم يكن قرارا شخصيا، فقد امتد مفعول هذا القرار إلى مجمل اللاعبين في العملية السياسية، فالمتابع يلاحظ ان حالة الاعتكاف بدأت تنتقل من لاعب إلى أخر، حتى بات المشهد السياسي أشبه بالمجمد. لقد ظن البعض ان حركة دخول المنطقة الخضراء سوف تدفع لحالة من الحراك غير المسبوق للقوى السياسية، يمكن ان ينتج إلى خارطة طريق تخرج البلد من هذا الأزمة، غير ان العكس كان هو النتيجة.
3) رفع مستوى خشونة الخطاب السياسي: إذا ما تم مراجعة لغة أو أسلوب المخاطبة السياسية بين الفرقاء، بعد دخول مجلس النواب والاعتداء على بعض النواب، نجد ان مستوى الخشونة والتجريح هو في ارتفاع مستمر وما يزال كذلك، ويمكن لهذا المتغير ان يؤدي إلى:
أ- زيادة حدة الانقسام بين القوى السياسية، وإخراج المواقف من الاختلاف السياسي إلى شخصنة المواقف، وهو ما يصعب من حالة الاجتماع أو الاتفاق على خارطة للطريق.
ب- زيادة حالة التشكيك وعدم الثقة بين الجمهور والطبقة السياسية، وهو ما يمكن ان يمتد على مجمل العملية السياسية، ليس لرمزيتها بل لما تمثله من حالة تحول للديمقراطية يمثل الشعب العنصر الأساسي في تطورها وديمومتها، ومع ان هذا الموقف موجود وفي تزايد مستمر وما تناقص عدد الناخبين في انتخابات لدليل على ذلك.
ج- زوال القدسية وضمور الهالة عن قيادات العملية السياسية وان كان البعض يجد في ذلك من الإيجابيات الكثير، غير ان التشكيك في كل القيادات وتسقيطها، يربك الوضع أكثر مما هو مربك، ويصب في انفراط تماسك الوضع على مختلف المستويات، وهو ما يدفع لزيادة تحكم القوى الخارجية أكثر في تفاصيل المشهد السياسي.
د- نسيان أصل المشكلة وإلهاء الشعب عن مطلبه الأساسي وهو الإصلاح والدفع به إلى زيادة التكتل والتمحور في مسعى للدفاع عن هذه الشخصية أو تسقيط تلك.
ه- ان العصبيات التاريخية والموروثة يمكن ان تدفع بالبعض الى الانتقال من حالة الاشتباك اللغوي الى الاشتباك المسلح، اذا ما عجزت قنوات الاتصال عن استيعاب كامل الاختناق والضغط السياسي.
4) زيادة قوة جهاز المناعة الخاص بالعملية السياسية: دون شك ان للعملية السياسية كأي جسم يشتمل على عمليات مختلفة من مدخلات ومخرجات، جهاز مناعة تتمثل وظيفته بأن يمثل منظومة من العمليات التي تقوم بها كل فواعله بغرض حمايته من أي خطر، وهذه المنظومة تقوم بالتعرف على أي مسبب وتعمل على تحييده أو إبادته، ودون شك بعد هذه الصدمة التي وصفها بعض المحللين أنها شهادة وفاة العملية السياسية، اثبت الواقع عكس ذلك، فالعملية السياسية وفواعلها تعيش اليوم حالة من الأريحية اذا ما قورنت عندما كان المعتصمين على أبواب الخضراء، حتى وصفها البعض انها باتت منيعة حتى على المؤسسين.
5) ضعف حالة الضبط بالوضع الأمني: دون شك فالترابط بين الوضع السياسي والوضع الأمني هو من اعلى أنواع الترابط في الدول التي تكون مؤسساتها السيادية في حالة ضعف أو ان عملها لا يعتمد على المأسسة بل تكون الشخصنة جوهره، وبلد مثل العراق يأتي في مقدمة هذه الدول، وعليه ينسحب الإرباك في الوضع السياسي إلى الوضع الأمني وما الأحداث الأخيرة وخصوصا في مدينة الصدر إلا دليل على ذلك.
6) ترسيخ فكرة الطرف المعطل: يتفق الجميع على ان الديمقراطية هي حكم الأغلبية، وهذه الأغلبية يتم تمثيلها في كيانات وفعاليات سياسية، غير ان استمرار عجز هذه الفعاليات عن جمع الأغلبية واستئناف عمل مجلس النواب لدوره، ما هو إلا دليل بل وإقرار بفكر الطرف المعطل، واستمرار بمنهج الأجماع الذي اثبت فشله في كل دول العالم، وبات هذا الوضع ينسحب على الجميع حتى على الفواعل السياسية التي لا يشكل وزنها العددي أي
قيمة للتعطيل من الناحية الدستورية، وبقراءة معاكسة لهذه النقطة، نجد ان احدى طرق الإصلاح تمكن في إلغاء هذه الظاهرة، غير ان نتائج الواقع الجديد يشير إلى عكس ذلك.
7) فك الاختناق مع تراجع الضغط الشعبي: بعد ان وصل حجم الضغط الشعبي إلى درجة اختناق بعض الفواعل السياسية، واندفاعها إلى تغيير حتى لغة خطابها، الذي اعتاد الشعب على سماعه، باتت هذه القوى الأن تعيش حالة أريحية سياسية غير متوقعه، فبعد ان كانت حركتها تحسب بالساعات، تبدلت الى اشهر، حتى ان بعض القوى السياسية الفاعلة صرحت بشكل علني ان لما بعد عيد الفطر المبارك يمكن ان يشكل وقت كافي للحوار لبلورة خارطة طريق يمكن ان تعالج الوضع. ان هذه الحالة من السيولة في الحركية السياسية غير مقبولة في ظل استمرار حالة التردي الأمني والسياسي والاقتصادي للبلد. ومن جهة أخرى، مثل أرباك الوضع الأمني وحالة تفريخ الأزمة (إنتاج أزمات جديدة)، وإعلان زعيم التيار الصدري (الاعتكاف)، بعد ان مثل حالة قيادية لجموع كبيرة من الشعب، وغيرها من العوامل سبب في تراجع حدة الضغط الشعبي، وتناقص في عدد المتظاهرين.
في الختام يمكن ان يكون ما تقدم ما هو ألا (غيض من فيض) لما في نفوسنا ولما تمر به العملية السياسية من هوان بعد أكثر من 12 سنة على تأسيسها، حيث أنها تصارع الموت لتستمر في الحياة ضمن بيئة جديدة غير التي أسست بها، فلا وزن الفواعل وحجمها هو ذاته، ولا واقع المنطقة وحركتها هو ذاته. أنها عملية باتت بأمس الحاجة إلى عملية، وما حالة المناعة التي تعيشها والتي بات البعض يمني بها النفس للاطمئنان، القشة التي ستكسر ظهر البعير، اذا ما تمت المعالجة العاجلة والمرضية، وهنا يجب على القوى السياسية بمختلف تسمياتها، ان تعيد حركية التفاعل، وان تخرج من حالة الشخصنة والنفعية (فصحوة الموت) لا تعني ان الجسم قد ذهب عنه الخطر، فيجب العمل بكل طاقة وقوة وجدية بين مطرقة الشعب المذبوح وسندان الوقت، لإخراج خارطة طريق تتفق عليها الأغلبية، تعيد حالة الأمل في مستقبل أفضل للشعب العراقي. هذا المقال نشر في جريدة العالم بالعدد الذي صدر يوم 15/5/2016

أحدث المقالات

أحدث المقالات