18 ديسمبر، 2024 8:04 م

الأزمة الاقتصادية وشركات القطاع العام الأزمة الاقتصادية وشركات القطاع العام

الأزمة الاقتصادية وشركات القطاع العام الأزمة الاقتصادية وشركات القطاع العام

 بعد هبوط أسعار النفط إلى حوالى 60% انكشفت بصورة واضحة وجلية السياسات الاقتصادية المتبعة التي تميزت بالارتجال والاعتماد شبه الكامل على النفط، وعدم الاهتمام بالقطاعات الانتاجية الأساسية (الزراعة والصناعة) على الرغم من تحذيرات الاقتصاديين وجميع الذين يحرصون على مستقبل بلادهم.
إن السياسات المتبعة خلال العقد الماضي اتسمت بتبديد الثروة، حيث تغول الفساد إلى درجة أن البلاد تبوأت المركز الثالث عالمياً بحسب تقارير الشفافية الدولية، كما أن العملية السياسية القائمة على المحاصصة دمجت بين المال والسلطة فأصبح كل شيء تتقاسمه قوى السلطة المتحاصصة، إذ أن ثروة البلاد عندنا مصدرها ريعي (النفط)، وهذه الثروة توزع على أساس الولاء ودرجة القرب من أحزاب السلطة وليس على أساس الحاجة والكفاءة، وهذا بدوره عمم الفساد واستبعد دور المراقبة الصارمة والمحاسبة، فالأفراد في حال كهذا لا يمكنهم محاسبة وليّ نعمتهم.
في ظلّ هذه السياسات وهبوط أسعار النفط في الأسواق العالمية بشكل ملفت وتعاظم الأزمة الاقتصادية توفر مناح مؤات لدعاة التخلص من شركات القطاع العام، ومع أننا لا يمكن إغفال حقيقة تعثر هذه الشركات، شأنها شأن مجمل النشاطات الأخرى التي تعاني خللاً وتعثراً كبيرين، إلا أن هذا الحل يتجاهل سواء بقصد أم من دونه أن علّة مشكلات القطاع العام تكمن في السياسات الخاطئة والمرتجلة التي أبقت اقتصاد البلد معتمداً على النفط مصدراً وحيداً للثروة وأهدرت الأموال. فعلى سبيل المثال، حصلت الدولة خلال العقد الماضي على (800) مليار دولار من عوائد النفط لم تستغل لتطوير القطاعات الانتاجية وفشلت الخطط الاقتصادية باعتراف وزارة التخطيط.
إنّ بيع شركات القطاع العام وإحالة االعاملين فيها على التقاعد لا يحلّ المشكل الاقتصادي ولا يعالج الخلل في هذه الشركات، فضلاً عنه لا يسهم فعلياً في معالجة عجز الموازنة الحالية.
 يدور النقاش الآن في اللجنة النيابية المولجة بالموضوع حول إحالة العاملين في الشركات التابعة لوزارة الصناعة على التقاعد ومنحهم الراتب التقاعدي الجديد (400) ألف دينار، في وقت تقدّر اللجنة المعدل الوسطي لرواتبهم بـ(500) ألف دينار، وهنا يحقّ لنا أن نتساءل: هل أن هذا الحلّ يعالج هبوط ما نسبته 60% من أسعار النفط؟!.
إن النهج الذي اتبعه نظام المحاصصة بتكديس الموظفين في مؤسسات الدولة ومنها شركات القطاع العام هو السبب الحقيقي في زيادة أعداد العاملين، فعلى سبيل المثال كان عدد العاملين عام 2003 في وزارة الصناعة لا يتجاوز الـ(73) ألفاً، في حين تضخمت أعدادهم بعد هذا التاريخ ليصلوا إلى حوالى (300) ألف، بسبب اتباع سياسات غرضها كسب الناخبين والمحازبين عن طريق التعيين في المؤسسات الحكومية، بحيث تضخم جهاز الدولة وأصبح يمثل حوالي 17% من السكان، بينما لا يمثل في البلدان الأخرى إلا 5% من السكان.
 مما لا شكّ فيه أن نهج الدولة إزاء شركات القطاع العام وإهمالها له هو السبب الرئيسي فيما وصلت إليه هذه الشركات من وضع مؤسف، ولعل كثيرون يتذكرون أن معمل نسيج الكوت ـ مثلاً ـ كان من المعامل الانتاجية الناجحة ويزود القوات المسلحة باحتياجاتها من الملابس، بينما نلاحظ اليوم أن غالبية احتياجات القوات المسلحة يتم تأمينها عن طريق الاستيراد الخارجي، ففتح الأسواق على مصاريعها أضرّ كثيراً بالانتاج الوطني وساهم في إغلاق أعداد كبيرة من المعامل لأن السياسة المتبعة حالياً هي استيراد كل شيء من الخارج بحيث وصل الحال إلى استيراد مياه الشرب من دولة ليس لديها أنهر كالكويت!
من الضروري أن تكون خطواتنا الاقتصادية مدروسة وبخاصة في ظروف الأزمة التي تعيشها البلاد، ولا بدّ لنا من الاستفادة من التجارب العالمية، فعلى سبيل المثال باعت بريطانيا السكك الحديد بغرض خصخصتها وبعد عامين قامت بشرائها من جديد، كذلك فعلت مصر أيضاً حين قامت ببيع عدد من مؤسسات القطاع العام ثم عادت واشترتها من جديد.
إنّ معالجة أوضاع شركات القطاع العام والعاملين فيها يعدّ ضرورة وطنية واقتصادية لأن الشركات متعثرة فعلاً وعمال بعض منها يتظاهرون منذ أشهر ولم يتسلموا رواتبهم، ولا بدّ من معالجة أوضاعها المالية والإدارية، وتأهيلها وإبقاء العاملين الذين تستوجبهم الحاجة الإنتاجية وتتكفل الدولة بشؤون الفائضين منهم بإحالة كبار السن على التقاعد والاستفادة من الآخرين في مجالات وقطاعات أخرى. كذلك نعتقد أن إشراك القطاع الخاص في هذه الشركات بحيث يتم تحويلها إلى شركات مختلطة سيسهم بحلّ المشكلة القائمة من جهة، ومن جهة أخرى سيشجع القطاع الخاص وينميه للإستفادة من قدراته التسويقية والإدارية.