23 ديسمبر، 2024 12:08 ص

الأرواح الشفافة

الأرواح الشفافة

وأنا أسير بين ألأمواج البشرية من مختلف ألأعمار في شارع المتنبي هذا الصباح شاهدتُ من بعيد فتاة في عمر الزهور تحمل في يدها – حصالة لجمع النقود- ويقف الى جانبها شاب وسيم يحمل في يده كارتات مطبوعة كثيرة . كانا يتطلعان الى الزائرين بصمت قدسي بَيْدَ أن عيونهم تتحدث بحكايات وقصص لاتنتهي . وقفتُ الى جانب الفتاة لأستكشف سر هذا الوقوف وهذه الحصالة التي ترقد بين يديها تنطق بأسماء المحتاجين في كل زاوية من زوايا العراق الجريح. قادني الفضول فسألتها عن هذا الموضوع وعن سبب الوقوف في هذا المكان . قالت بصوت شفاف ناعم كأنها تخشى أن توقظ كائنٌ بشري نائم على قارعة التساؤلات. ” …
نحن نمثل فريق إنساني نطلق عليه – فريق يرموكي. تأسس فريق يرموكي عام 2016م لينظم الى بقية الفرق التطوعية الساعية الى تغيير الواقع المعيشي ودعم أكبر قدر ممكن من العوائل المحتاجة. فريق يرموكي غير تابع الى أي جهة سياسية أو حزبية أو دينية وأن جهة التمويل هي ذاتية حيث أساس الفريق شريحه طلابية تقوم بجمع التبرعات من خلال حملة – ألف ألفين- يقوم الفريق بحملات عديدة منها الحملات ألأسبوعية لتوفير السلات الغذائية للفقراء والمحتاجين  والحملات ألأستثنائية في دور ألأيتام والتبرع بالدم وأيضاً بناء وترميم سقوف المنازل. تستطيع أن تتبرع – طوعاً وليس أمراً- بأي مبلغ تجود به يدك الكريمة ” . نظرتُ الى وجهها الجميل وراحت أفكاري في لمح البصر تسافر الى مواضيع لاتعد ولاتحصى يمر بها العراق . بلدٌ يتفجر نفطاً ومالاً وخيرات لاتنتهي من أقصاه الى أقصاه  وبالتالي يقوم هؤلاء الكرماء بجمع فتات ألأموال من أجل توزيعها على الفقراء. أيَّ عمل نبيل هذا الذي يقوم به هؤلاء الشباب. هذا العراق المتفجر خيرات وهذا الشعب المحتاج لكل شيء. عار وألف عار على كل من هو مسؤول أو غني جداً ولايسارع الى مساعدة المحرومين. أحد البرلمانيين العراقيين – وكما عرفنا من وسائل ألأعلام المختلفة يحاول أن يُشيد إستثمارات عملاقة في دول أجنبية بأموال مشبوهه ولانقول مسروقة وينسى الفقراء من أبناء بلده.
 لو كان قد شيد بتلك ألأموال مصانع وشركات عراقية توظف الملايين من العاطلين عن العمل لساهم في رفع القدرة المعيشية لهذا الشعب المحروم المظلوم على مر العصور…وآخر يهرب ملايين الدولارات الى حسابات خارج العراق وكأنه إستحوذ على كل العراق لأنه أصبح موظف بدرجة كبيرة . بلا وعي وضعتُ يدي في جيبي ألأيمن ولم أجد إلا خمسة آلاف دينار كنتُ أريد شراء كتاب – لستُ أكبر- للدكتورة شروق المرسومي ..حينما قدمتُ تلك النقود البسيطة للفتاة قالت بالحرف الواحد ” ممكن أنت تضعها في الحصالة” . وضعت النقود في الحصالة التي كانت على وشك ألأمتلاء وشكرتني الفتاة. 
شعرتُ براحة نفسية لاتعادلها راحة. تمنيت في تلك اللحظة أن أملك مليون دولار لقدمته لها عن طيب خاطر لأساهم في مساعدة إنسان محتاج على أرض العراق. من بعيد إلتقطتُ للفتاة ولزميلها صورة متواضعة وتركتُ شارع المتنبي دون أن أحقق الهدف الذي ذهبت من أجله. كانت تلك الحادثة قد غيرت مسار تفكيري وأنا أحث الخطى بأتجاه الطريق الطويل. كانت حالات البؤس التي يعيشها المحتاجون على أرض العراق قد عصرت روحي عصراً وشعرتُ أن الشعب يعيش بأتعس حالاته منذ تأسيس الدولة العراقية. سلاماً أيها المحتاجون على أرض الوطن النازف جراحاتٍ لاتنتهي.