19 ديسمبر، 2024 2:19 ص

إسموهالا (نبي هندي من قبيلة أوماتيا) يرفض ألعمل في ألأرض، يقول “أنت ترتكب إثما عندما تجرح أو تقطع أو تمزق، أو تخدش بألأعمال ألزراعية، ألأرض، أمنا ألمشتركة”. ويضيف “أنت تطلب مني أن اقوم بفلاحة ألأرض. هل تريدني أن آخذ سكينا وأغرسها في أحشاء أمي؟

 وماذا بعد، عندما أواجه ألموت لن تعيدني إلى رحمها. هل تريدني أن أضربها بألمر وأن أنزع عنها ألحجارة؟ وهل تريدني أن أتوجه إليها، فأقطع وأبتر وأجدع، وأكشط أللحم حتى ألعظم؟

لكني بذلك ألفعل، لن أستطيع ألولوج إلى بدنها من أجل أن تكون لي ولادة ثانية إلى حياة جديدة. تطلب مني أن أجتث ألكلأ وألعلف وأن أبيعها لكي أصير من ألأثرياء، على شاكلة ألبيض. هلا تقول لي كيف أجرؤ على قص شعرها ألطويل؟”.

هذه ألكلمات قالها “إسموهالا” في بداية ألقرن العشرين، لكن أصداءها تعود إلى عهد قديم. إنّ ألإنفعال ألذي نشعر به عند سماعها يعود، خصوصا إلى دلالتها، بعفوية وببساطة لا مثيل لهما، على ألصورة ألأولية ألقديمة للأرض- ألأم، والتي نجدها في كل مكان من العالم ألقديم، تحت أشكال وبدائل لا تعد ولا تحصى.

ترى ماذا تقول لنا ألكلمات ألتي أتى على ذكرها النبي الهندي إسموهالا؟

لقد أستنكر ألعمل في الحقول ورفضه، لأنّه أبى أن يجرح جسد أمه. ألحجارة تماثل عظام ألأرض- ألام. كذلك تماثل ألتربة أللحم الذي يكسو جسدها. أمّا ألنبات فهو بمثابة ألشعر وألضفائر.

إنّ تشبيه أعضاء ألجسم بموجودات في ألطبيعة أو بمناطق من ألكون، وألقول بصورة كائن إلهي بحجم إنسان كوني، إنّما نعثر عليها عند شعوب أخرى، وتحت اشكال مختلفة.

يتناول ألأمر، أحيانا عملاقا قديما من ألأوائل يحمل، في ألآن عينه، خصائص ألذكر وألأنثى، أو يتناول، ولو نادرا، فحلا كونيا.

يمكن تقديم تفسير للجمع بين جنس الذكر وألأنثى ولكن صورة ألأرض بوصفها إمرأة وبوصفها أمّا شائع أكثر في ألأساطير، إنّها ألأرض- ألأم ألمعروفة في ديانات ألبلدان الواقعة على سواحل ألبحر ألمتوسط، ألارض ألتي أنجبت ألكائنات كلها.

لم يذكر إسموهالا كيف تمت ولادة البشر من ألأم الارضية. غير أنّ أساطير السكان ألأصليين لأمريكا تشير إلى كيفية حصول تلك الولادة، عند ألبدء في ذلك ألزمان ألقديم. نقول:

عاش أوائل البشر، حقبة من الزمان في أحشاء أمهم: اعني في أعماق ألأرض. هناك في بطن ألأرض كانت لهم حياة نصف بشرية. كانوا، إلى حد ما، أجنة لم تبلغ درجة ألإكتمال ألتام.

بحسب بعض الهنود، كان للأجداد الذين عاشوا تحت الارض، في ماضي الأزمنة، شكل بشري. ويقول بعضهم ألآخر:

كان لهم على ألأغلب، مظهر ألحيوانات.

هنالك أساطير هندية أخرى تتحدث عن زمن قديم كانت فيه ألأرض تلد ألبشر، تماما مثلما تنتج القصب وألاشجار في أيامنا.

وهنالك أعتقاد حظي، فيما مضى، بأنتشار عالمي، يقول أنّ ألبشر هم من مواليد ألأرض، يقال عن ألإنسان في لغات عديدة إنّه ” المولود من الارض “.

هنالك إحساس غامض بأرتباط ألمرء بألأرض ألتي ولد فيها، أرتباطا روحيا، صوفيا. إذن ألأمر لايتناول، فقط، عاطفة دنيوية بعيدة عن القداسة، عاطفة حب للوطن أو لبلد ينتمي إليه ألإنسان.

مما لاشك فيه إنّ هذه الذكرى ألغامضة لما قبل ألوجود الراهن الذي عاشه المرء في احضان الارض، كان لها نتائج هامة للغاية. لقد اوجدت عند الإنسان شعورا بالقرابة الكونية مع الوسط المحيط.

عند الممات تنشأ عند المرء رغبة قوية في إعادة لقاء ألارض- ألأم، وفي أن يدفن فيها: اعني في التراب الذي أتى منه، وقد صرنا، الآن على علم بدلالته ألعميقة. من هنا، يتولد الخوف، عند المرء من دفن رفاته في مكان آخر، ومن هنا يتولد الفرح من إعادة إلتحاقه بتراب وطنه عن طريق الدفن: فرح جرى التعبير عنه، احيانا من خلال الكتابات على المدافن ألرومانية منها:

“هنا ولد وهنا رقد” و ” رغب في العودة إلى حيث كانت ولادته”. هكذا يقتضي ألأنتماء إلى ألارض إنتماء تاما، إتباع دورة كاملة تبدأ مع الولادة وتنتهي مع الوفاة. وعند الممات يكون من الضروري العودة إلى الأم.

تقول ألريج فيدا (ألفصل العاشر-18) : ” أزحف نحو أمك الارض “.

 

ألجدير بألذكر، إضافة للأساطير ألقديمة واساطير وادي ألرافدين فإنّ ألقرآن يذكر بأنّ اصل ألكائنات وألإنسان مخلوق من ألتراب وإلى ألتراب يعود بعد ألموت (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ)….. سورة طه، الآية-55 .

إنّ الحقيقة التي كشف عنها “داروين” وألمتعلقة بالظهور ألخاص بألإنسان قد غيرت إلى ألأبد كيف ننظر إلى نوعنا ألحي في ظل ألتاريخ ألطبيعي. وأنتهت إلى ألأبد صلاحيات ألتفسيرات ألخاصة بألثبات لأرسطوطاليس أو ألتأليه (ألإيمان بوجود إله أو آلهة) لتوما ألأكويني، أو ألازدواجية لديكارت (مبدأ أنّ ألإنسان عبارة عن إزدواج روح وجسد لرينيه ديكارت)، وألأسطورة الخاصة بألخلق، التي يتمسك بها ألمتدينون ألمؤمنون بالخلق وألمتعصبون للتوراة، قد تمّ إحلالها بالحقيقة ألخاصة بألنشوء وألأكثر من ذلك فإنّ علم دراسة ألإنسان يعلمنا أنّ المعتقدات وألممارسات ألدينية نفسها قد تطورت منذ ألفجر الخاص بألأنواع البشرية العاقلة، وحتى ألأخلاق والمعنويات والقيم فإنّه يتم ألنظر إليها حاليا في نطاق ألإطار العلمي ألخاص بالتطور الإنساني.

مصادر البحث:

ألأساطير وألأحلام وألأسرار…… ميرسيا إلياد

نشأة ألإنسان وألأنتقاء الجنسي…… تشارلس داروين- ترجمة وتقدم مجدي محمود ألمليجي

أحدث المقالات

أحدث المقالات