19 ديسمبر، 2024 1:42 ص

الأرادة الدولية وألارادة الشعبية ، من ينتصر؟

الأرادة الدولية وألارادة الشعبية ، من ينتصر؟

فشل نواب الشعب العراقي المعتصمون في تحقيق طموحات المتضاهرين ،اللذين دأبو على التضاهر منذ الصيف الماضي، في تصحيح مسار العملية السياسية وتجاوز المحاصصة الطائفية والقومية والمذهبية التي تتستر خلف مصطلحات منمقة  كالتوافق والشراكة والتوازن ، ومرد هذا الفشل الى عدة عوامل منها الخلل الكبير في الدستور الذي كرس في عدة فقرات التقسيم العرقي والطائفي للشعب ابتداءاً من الديباجة وأنتهائاً بكثير من المواد المهمة فيه ، وكذالك انعدام القدرات التخطيطية الصائبة لهؤلاء النواب وافتقادهم لقيادة موحدة تضبط ايقاع تحركهم بحكم ضيق المساحة الزمنية حيث تم تشكيل هذه الكتلة العابرة للحدود القومية والطائفية بسرعة كردة فعل على فشل المؤسسات الدستورية ( رئاسة الجمهورية ومجلس النواب والحكومة) في تشكيل حكومة جديدة ،كما أن الاعتراف بأن مطالب النواب المعتصمين تعبر بصدق عن تطلعات الجماهير لايلغي حقيقة ان بعضهم لديه دوافع شخصية لهذا التحرك بعيدة بدرجة أو أخرى عن مصالح الناس، والسبب الاخر في هذا الفشل يعود الى فتور التضاهرات الشعبية والاعتصامات التي كانت من اهم المتغيرات التي ضغطت على أمراء العملية السياسية للقيام بعملية اصلاح ولو شكلية ، حتى ساد شعور عام في الشارع العراقي بأن السيد مقتدى الصدر قد خذلهم بأنهاء الاعتصام قبل تحقيق مطالبهم أولاً وبيانه الاخير الذي تلي على متضاهري ساحة التحرير قبل ساعات ويتضمن اعترافاً صريحاً بعدم شرعية أقالة رئيس البرلمان سليم الجبوري عندما أمهل الرئاسات الثلاثة مدة 72 ساعة لتقديم حكومة التكنوقراط ، ثانياً.لكن العامل الاهم في فشل هذه الحركة التصحيحية هو التدخل الدولي والاقليمي المباشر وغير المباشر الذي مورس على النواب المعتصمين ، فالرئيس الامريكي لوح بقطع المساعدات العسكرية والمالية الدولية في حال أصرار المعتصمين على مواقفهم ، كذالك تحدثت تسريبات عن أن المبعوث الشخصي للرئيس الامريكي روبرت ماكفرلن عد أقالة الجبوري عملاً غير شرعي وهو موقف يتماشى مع السياسة الامريكية التي أسست العملية السياسية على ركائز التفكيك القومي والمذهبي للشعب العراقي وليس من مصلحتها هدم هذه الركائز ، كما أن سفارات دول عربية لعبت دوراً هاماً في أقناع بعض المعتصمين بتغيير اَرائهم لضمان وجود مناصريهم في السلطة وعدم المجازفة بوجود قيادات عراقية مستقلة عن القرار العربي وتحديداَ الخليجي ، كما أن أيران مارست دورها أيضاً في أفشال هذه الحركة حفاظاً على نفوذها الذي يمثله زعماء الكتل السياسية الشيعية ، وقد تفاجئت بهذه الحركة غير المتوقعة خاصة بعد أن بذل الجنرال قاسم سليماني جهوداً حثيثة في زيارة سرية الاسبوع الماضي لبغداد لتوجيه الحراك السياسي بأتجاه يتماشى مع مصالح أيران ، وقد تجلى هذا التأثير اليوم بشكل واضح عندما أنسحب 14 نائباً تابعاً لكتلة بدر من الجلسة المقررة لأنتخاب رئاسة جديدة لمجلس النواب ليختل النصاب وتفشل الجلسة بعد ان سبقهم عدد من النواب السنة اثر ورود اتصالات هاتفيه من زعماء الكتل السنية المجتمعين في منزل سليم الجبوري فيها الكثير من الترغيب والترهيب ، يضاف الى هذا المشهد المعقد استعانة الجبوري بقبيلته التي اصدرت بياناً تهدد فيه من يحاول المس به .هل قمعت هذه الحركة في مهدها وسنعود الى اسطوانة التفاهمات بين زعماء جعلوا من العراق مجرد كعكة يتقاسمون أجزائها ويرمون بالفتات لاعضاء مجلس النواب حتى يضمنوا ولائهم؟ قناعتي الشخصية ومنذ سنوات أن هذه العملية السياسية لن تؤدي الا الى نتيجة واحدة هي تقسيم العراق ونشوب حرب أهلية شاملة بين مكوناته وأحتراب داخلي مماثل بين زعماء الطائفة الواحدة طالما كانت المغانم هي من تحرك المواقف السياسية وليس الشعور بمسؤلية قيادة أمة كانت  عاصمتها في يوم من الايام  مركز اشعاع فكري وعلمي وثقافي وفني لكل العالم.مع ذالك يمكن لأرادة الشعب التي يمثلها هؤلاء النواب أن تغير مسار التاريخ وتبطل اَرائي المتواضعة ، أن هذا الأمل دونه الكثير من المصاعب لكنه ليس مستحيلاً أذاما أستطاع هؤلاء النواب أتخاذ قرارات جريئة وتاريخية صعبة ومؤلمة لكنها السبيل الوحيد للخلاص ويمكن تلخيص هذه الخطوات بالنقاط التالية :1- فك الشراكة مع أقليم كردستان وأعطاء الشعب الكردي حقه الطبيعي في تقرير المصير ، فالاختلافات الثقافية واللغوية والعرقية من جانب وطموحات الشعب الكردي في دولة مستقلة ومبدأ الشراكة التوافقية المحاصصية التي يشاركون على اساسها في العملية السياسية من جانب اَخر تجعل من انسجام الشعب الكردي في دولة عراقية مدنية تعتمد الكفاءة معياراً وحيداً لتبوء المناصب الحكومية أمراً مستحيلاً ،وهو مايعني تمسك العرب ( سنتهم وشيعتهم ) بمبدأ المحاصصة تماشياً مع رغبة الاكراد ولابد أن يترافق فك الشراكة بصورة سلمية وودية وضع خارطة طريق لتسوية نقاط النزاع مع الاكراد واللجوء لمحكمة العدل الدولية في حال لم يتم التفاهم حول المناطق المتنازع عليها وتقسيم الثروة.ورغم انه ليس الحل الامثل لكنه الخيار الاقل سوءاً ، فالحفاظ على العراق العربي بجوار دولة كردية صديقة ، افضل بكثير من وجود ثلاث دويلات متناحرة ، كما أنه يتناغم مع نزعة أخلاقية يجب أن تترجم على ارض الواقع ، وهي أحقية الشعوب في تقرير مصيرها.2- تجميد فقرات الدستور الخلافية  والعمل على انجاز دستور جديد يتلافى الاخطاء أو الخطايا التي وردت في دستور عام 2005 ، خاصة وأن مجلس النواب لديه فترة سنتين لانجاز خطواته ومنها كتابة دستور جديد ، أو اجراء تعديلات مباشرة عليه وطرحها للاستفتاء ، تتضح فيه صورة الدولة المدنية بشكل لاغبار عليه ، ويمكن بعد فترة من الاستقرار استيضاح رأي الشعب بتحويل نظام الحكم الى الملكية الدستورية ، وهو ألنظام الوحيد القادر على حفظ الاستقرار في البلد3- اصدارقانون الاحزاب المجمد منذ سنوات ، مع التأكيد على حضر الاحزاب الدينية والعنصرية4- أحالة كل زعماء الكتل السياسية وكبار المسؤلين للمحاكم المختصة دفعة واحدة وبلا أستثناء، بعد الاستعانة بشركات دولية محايدة للتحقيق في تعاملاتهم المالية ، وتفعيل القوانين التي تمنع التعامل السري مع دول أخرى.5- تغليب مبدأ الايثار من قبل الاغلبية الشيعية بالترفع عن استلام اي منصب حكومي هام ، وترك هذه المناصب خلال الفترة الانتقالية للكفاءات من مكونات الشعب العراقي الاخرى كبادرة حسن نية يتم فيها ترميم الهوية الوطنية التي ذابت خلال سنوات من الصراعات المسلحة والسياسية، والاكتفاء بالدور الرقابي في مجلس النواب .6- تقديم تطمينات واضحة للدول العربية بحسن نوايا العراق تجاههم ، وأنه جزء لايتجزأ من المنظومة العربية مع الاحتفاظ بعلاقات ودية مع دول الجوار الاخرى (تركيا وايران) وفق مبدأ الحياد التام في الصراعات الاقليمية والدولية.7- الاستمرار في تقوية الجيش العراقي وتوفير مستلزمات مواجهتهة لداعش ، والاستعانة بمرجعية النجف لحل التنظيمات المسلحة الرديفة تدريجياً بعد تحرير جميع ألاراضي المحتلة من داعش.أن هذه الافكار قابلة للتطوير من قبل المختصين والعمل بالممكن منها ، لكن المحصلة النهائية هي  بدون تطبيق هذه الخطوات سيكون الاصلاح شكلي وغير عملي ولن يستفيد منه الشعب الا في تأخير الكارثة.هو مجرد حلم لكن الاشياء العظيمة تبدأ دوماً بحلم صغير

    

أحدث المقالات

أحدث المقالات