أن جدلية أحلام العالمية لدى منظور و متصورات الأديب و الكاتب العربي أضحت شكل آخر لجدلية الهدم و البناء أو بعبارة أكثر دقة الأقصاء من خلف الأبواب المقفلة ، و يكون هذا الأقصاء عادة جاريا من داخل مواطن الأيغال فيما وراء حدود ذلك العالم الآخر من العالمية و الذي يبدو أحيانا بالنسبة للكثير من الكتاب العرب حالة تأسيس بين المنتهي و اللامنتهي ، حيث تبقى ظاهرية المعاني حياة لا حد لها و غوص عميق في المجهول و في غير المحدود و غير المنتهي من الصعود داخل موجة أوهام العالمية و النجومية في الأبداع و الأدب و الأضواء الأعلامية الواهمة : في الواقع أن حقيقة الكاتب و الأديب العربي بين أطراف المفاهيم العالمية و في حالات جغرافية الأرتسام القيمي لربما تبدو عبارة عن مخايلات شاذة من لدن وضع محوري نسبي يشعر به طرف متدني نحو بلوغ مستوى موضع جديد و نادر من البحث و المساءلة . و هذه الثنائية المتناثرة بين ( المحلية / العالمية ) لربما هي وليدة تعارضات بين مساءلات أحتمالية مؤرقة ، و لا أحسب من جهة بأن أحلام الصعود الى العالمية لربما هي الأزمة التوترية ما بين شواذ حوارية ( الشرق / الغرب ) و اللذين أصبحت علاقاتهما أكثر مستحيلا و تشابكا و ألتباسا ، لذلك لم يكن من قبيل المصادفة أن يكون عنوان أحد مؤتمراتنا العربية الشفافية هو (الأدب العربي و العالمية ) و هذه المؤتمرات هي بحد ذاتها ما هي ألا أحلام واهمة لغرض
فرض هذه الثنائيات الملتبسة . و على هذا نقول و على هذا النحو : ما وجه المقارنة بين الأدب العربي بالطرف الثاني و هو العالمية ؟ هل أن المبدأ الدافعي لهذه الأوهام في المقارنة و الثنائية هي وضع منظور تجاوري ما بين الطرفين ؟ أم أن رسم مثل هكذا تقارب ما هو ألا محاولة لوضع شأن و خصوصية لأدبنا العربي إزاء مركزية الآخر العالمية ؟ و أتصور أن سؤالنا عن العلاقة بين الأدب العربي و العالمية في هذا الأطار و من هذا المنظور ، ما هو ألا سؤال تقليدي و ضال يحاول الأنضمام عنوة الى نظائر من الأسئلة المتوترة و التي تعرضها و تفرضها علاقة عالم متخلف بعالم متقدم أو عالم يسعى الى التخلص من تبعيته لعالم يفرض هيمنته التي تعني التبعية و الأتباع كما تعني تهديد الهوية بأحتمالات أندياحها في غيرها الذي يقضي على خصوصيتها و تمايزها ، و ذلك هو نوع من الأسئلة التي تضعنا موضع التراجع من صدارة مكونات خطابنا الثقافي العربي ، أن رغبة الأنا الوطنية و القومية في مجاوزة وضعها الذي هي عليه ، و قلقها المرتبط بهويتها المتوترة ، يسبب الأخطار و التحديات المحيطة بنا و بها ، الأمر الذي راح يجسده وعيها الثقافي على شكل أسئلة تنطق لهفتها على أنتقال بآدابها من علاقة غير متكافئة الى علاقة متكافئة بآداب العالم المتقدم ، علاقة يستوي أطرافها في القيمة و المكانة و الذيوع و الأنتشار ، و لذلك فأن دلالات أديبنا العربي لصفة العالمية و مصاحبة سياقاتها و مضامينها و أشكالها قد كرست للأدب العربي و في زاوية ضيقة من الأهتمام العالمي ، وجها أنحداريا و أسقاطيا من الأشكالات و الأسئلة و التقريع بثقافتنا و بأنفسنا ، و بالدرجة ذاتها من التوتر راح أديبنا و ناقدنا العربي يصنع هوية العلاقة بين أدبنا العربي و العالمية و بقدر شاحب و
وضيع من الأحلام و الأوهام نحو الوصول بثقافته الى العالمية ، في حين نجد الأديب الأوربي لا تعني له العالمية ما تعنيه لدينا نحن الأدباء و النقاد العرب فمثلا عندما نتحدث عن الأدب العربي و العالمية لربما يشعر الأخر بأن هناك ثمة متغيرات على ملامح وجه الأديب الأوربي و لا من جهة أثارة و بروز ثمة دلالات من الشجن على وجه ذلك الأديب الأجنبي ، على حين غرة نجد الأديب العربي سرعان ما تساوره الدموع و الأحزان و لحد التحقير من كونه عربي و هو يعيش أيضا شعور ساحق من الأفتراق عن مواطن العالمية : هل هذه الأحزان و التحقير لدى الأديب العربي هي ناتجة من شعور تأريخي بسخافة المخلوق العربي ؟ أم أن جائزة نوبل التي حازها نجيب محفوظ في الأداب ما هي ألا صنيع متعاطف من لدن العالمية للعالم العربي الأدبي ؟ فأنا لا أدري ما سبب شعورنا بهوان الهوية الأدبية العربية وشعورنا التحقيري لأنظمتنا السياسية و الى حكامنا اللصوص ، أهذا كله بسبب من كونهم لصوص فقط و عملاء و توابع الى قطب المركز الغربي الأمريكي ؟ لا أدري و لكن أدرك فقط أنني لم أشاهد أو أسمع ناقدا أنكليزيا أو سياسيا أمريكيا أو رجلا يعمل مهندسا فرنسيا راح يشتكي من أدبه أو من قانونية بلده أو من سوء معمار ناطحة السحاب مثلا . في الواقع لا أريد بهذا المقال توجيه نقدا سلبيا الى بنية أنظمة الثقافة العربية ، و لكن فقط أردت أن أقول و أعبر عن وجهة نظري عن أحلام الكاتب العربي وهو يلهث ككلب خلف أصداء العالمية ، على أساس من كون العالمية كما لو أنها صك الغفران الألهي لنيل خلود الأبداع و النجاحات الأدبية في الدنيا و الآخرة ، ناسيا هذا الأديب العربي المسكين بأن هموم ثقافة المركز هي أكبر و أكثر أشكالية من حدود مساءلة الفارق ذاته بين حدود أداب
العالم الثالث إزاء شجون عقدة سلطة العولمة الثقافية في العالمية : و من هنا كأدباء عرب لعلنا سوف نختار نعمة الأنصات و الأصغاء فقط على ما يتلاطف به المجتمع الغربي على ثقافتنا العربية التابعة ، ثقافة القبول و التكيف و الخضوع و التبول على وجوهنا و نصوصنا ، أو هي بمعنى آخر ثقافة أستهلاك تسيطر عليها قيم التبادل السلعي و قيم مقياس وجود الأبداع الحقيقي عندما تتوفر له فرصة العالمية : هذه لربما أستلابية جديدة للنوع و الجنس العربي و المنطقة العربية بديلا عن الأجهزة الجرثومية و الأيديولوجية و أقمار الأعلام الأباحي و حبوب ( الفياكرا ) هذا كله يعني أن أحلام العالمية وسيلة سياسية جديدة لدخول أكثر حسما في جسد المواطن العربي حيث أضحت الرأسمالية الثقافية في الغرب نمطا يحتذى به و من الأسباب الخالدة في نجاح مقاييس النص الأدبي العربي ، أن يكون بعيدا عن طاقية الجواهري و عصا توفيق الحكيم و جيوب السياب المثقوبة و وجه الفراهيدي الدميم و أشعار أحمد شوقي العسكرتارية : في الأخير أعتذر للقارىء الكريم على أنني لم أقصد أن أذهب الى هذا الحد من التطاول على رموز و قامات الأدب العربي الرفيعة و لا أيضا الى هذا الحد من مبحث مقالنا هذا ، و لكن ألا يعتقد القارىء من جهة بأن محور أمنيات و أحلام و مشروعات ثقافتنا العربية قد صارت موضع انطلاقات من تراثنا و رجاله الأموات ، أليس الأديب العربي في كل ما يكتبه من نصوص هو على طاولة رهانات موروثية خاسرة بحقيقة وهم الوصول الى عولمة العالمية الثقافية و بعيدا عن أحلام تحقيق رؤى و ثقافة و نصوص أبتكارية كفيلة بصنعها المرحلة الجديدة من حياة الأديب العربي ، أم أننا نبقى هكذا متشبثين بما قاله المتنبي و أحمد شوقي و الجواهري ، أبهذا و هؤلاء
نطمح في الوصول الى العالمية و في هوية ثقافية فارغة من التجديد و الحداثة الأبداعية الحقيقة . هكذا هي تجليات النظرة الأدبية العربية و الأديب العربي الى المركزية العالمية بالغة الحدة و الكابوسية في موقفها من اداب و أدباء العالمية و جوائزها المركزية في الهيمنة على أصواتنا و وجودنا الثقافي المفقود و المنسي .