18 ديسمبر، 2024 6:14 م

الأديان في الجنس والزواج -15

الأديان في الجنس والزواج -15

كانت الإنثى هي المتضرر الأكبر من القيود التي فرضتها كل الأديان والمذاهب الدينية على النشاط العاطفي أو الجنسي الطوعي للإنسان، فتجريم أي نشاط عاطفي أو جنسي طوعي خارج حدود موافقة رجل الدين ساهم في حرمان نسبة كبيرة من الأناث من تلبية ما يحتاجه جسمهنّ وعواطفهن من نشاط جنسي ضروري، علماً أن العديد من نساء أغلب مجتمعات الشرق الأوسط قد لا يحصلنّ بسهولة على فرصة زواج مُناسبة بسبب أحد أو عدد من العوامل التالية:

أولاً:

حرمان بعضهنّ عائلياً وإجتماعياً من حقوقهنّ الإنسانية في حرية إختيار الشريك المناسب.

ثانياً:

قيام أهالي بعضهنّ بفرض مَطالب وشروط تعجيزية على الشريك لتزويجهنّ.

ثالثاً:

فقر بعضهنّ الذي لا يُشجع الرجال على الزواج بهنّ.

رابعاً:

قد تكون بعضهنّ لسْنّ بالجمال الذي يوفر لهنّ حظوظاً مناسبة للزواج.

خامساً:

ظروف الحروب وما تؤديه الى قلة أعداد الرجال نسبة الى أعداد النساء.

سادساً:

سوء الأحوال الإقتصادية وقلة فرص العمل بشكل لا يساعد الشباب على الإقدام على الزواج أو التكاثر.

سابعاً:

الإضطرابات السياسية والإجتماعية وما تؤديه الى هجرة الشباب من الذكور لبلدانهم.

ثامناً:

أسباب أخرى مهمة وعديدة خاصة وذاتية عند الأنثى.

مُنوّهين الى أن التركيب العضوي للأنثى غالباً ما يجعلها غير قادرة على الإنجاب أو النشاط الجنسي الفعال عند بلوغها منتصف العقد الرابع من العمر بينما يحتفظ الرجل في نفس هذا السِن بِقدرةِ نشاط جنسي معقولة تؤهله للزواج والإنجاب، ناهيك عن أن فُرصة زواج الإمرأة المُطلّقة هي أقل كثيراً من فُرص الرجل المُطلّق.

أثناء زيارتي هذا العام لأحد البلدان الغربية، حدثني أحد المثقفين الشرقيين من المغتربين عن موضوعيّ (الدين) و (الجنس) في ثقافات المجتمعات البشرية قائلاً:

الرجل في جميع المجتمعات الشرقية الخاضعة للأحكام الدينية والمذهبية كان وما يزال ومهما تظاهر أمام مجتمعه بخضوعه وقبوله لتلك لأحكام الدينية المقيّدة لنشاطه الجنسي فإنه غالباً ما يتمكن من ممارسة بعض من نشاطه الجنسي والعاطفي خارج حدود الأحكام الدينية والمذهبية طالما أن عموم تلك المجتمعات الخاضعة للإتجاهات الدينية تَصطفّ بأحكامها مع إمتيازات (الذكور) عن الإناث، فمثلاً لا توجد أدلة عضوية بارزة لإدانة (الذكَر) الذي يمارس النشاط الجنسي خارج الأحكام الدينية بينما تقوم المجتمعات الدينية بمراقبة غشاء البكارة لدى (الأنثى) بهدف تجريمها وربما قتلها في حال تمزقَ ذلك الجزء من الجهاز التناسلي الأنثوي نتيجة ممارسة الأنثى لنشاطٍ جنسي خارج موافقة رجُل الدين.

ما هو مُؤسف جداً، بل ما يزيد في الطين بلّة هو أن أغلب مجتمعات الشرق الأوسط ذات الإرث والثقافة الدينية ما تزال تربط (شرَف) الأنثى بمدى إلتزامها بقيود رجُل الدين في حياتها الجنسية، في حين أن ثقافة وقوانين المجتمعات المتحضرة لا تُعارض مُطلقاً حرية الفرد في حياته الجنسية الخاصة، حيث يكون الفرد الغربي أنثى كان أم ذكراً حراً في الإلتزام أو عدم الإلتزام بأيّ أحكامٍ دينية أو مذهبية، كما أن عموم أفراد المجتمعات المتحضرة ترى أنّ مدى (شرف) الإنسان ذكراً كان أم أنثى لا علاقة له مطلقاً بموضوع نشاطه العاطفي والجنسي طالما أنه لا يفْرض ذلك على الآخرين، وأنما يرتبط (شرف) الإنسان بمدى صدّقه ومدى حرصه في عمله ومدى تضحيته من أجل حرية وكرامة الآخرين، ولذا فأن تسجيل أو توثيق حالة الزواج في المجتمعات المتحضرة يكون برغبة طوعية بين طرفي الزواج وذلك حينما يرغبان أنْ يَخضعا للضريبة بإعتبارهما طرف حسابيّ واحد أمام القوانين المالية والضريبية في الدولة التي ينتميان اليها.

إنفتاح مجتمعات العالم في العصر الحالي على بعضها بسهولة عبر وسائل الإتصالات الحالية المتطوّرة أدّى الى أن الكثيرين من ذكور وأناث المجتمعات المنغلقة على الموروث الديني بدؤا بتفهم حقوق الإنسان في ممارسة نشاطه الجنسي الخاص، وهذا ما أدّى ويؤدي الى تواصل ظاهرة إنتحار العديد من النساء الشرقيات اللاتي يُعانينّ من الكبْت والحرمان العاطفي والجنسي واللائي يهربنّ بحياتهنّ يأساً من الظلم الذُكوري في عوائلهنّ ومن القيود والأحكام القاسية المفروضة عليهنّ دينياً وإجتماعياً ناهيك عن النساء اللاتي يتمّ قتلهنّ بسبب ممارستهنّ لنشاطٍ جنسي دون موافقة رجل الدين، مُنوّهين الى أن الجرائم المماثلة في قتل النساء تحصل لحد هذا اليوم بين صفوف بعض العوائل الشرقية اللاجئة في المجتمعات الغربية حيث تبقى آثار الموروث الديني والإجتماعي متأصلة بين ذكور تلك العوائل الشرقية.

رجال الأديان في بعض مجتمعات الشرق الأوسط المتخلفة حضارياً تعمل دائماً على الترويج الى أن منْح الإنسان حقوقه في ممارسة حياته الجنسية دون قيود رجال الدين كما في المجتمعات الغربية المتحضرة سيعني تفكيك الأسرة وستكثر الأطفال التي لا تعرف أباءها وستكثر ممارسات (الزنى) وممارسات الشذوذ الجنسي، وهنا يرى المثقفون الشرقيون أنّ رجال الدين ربما لا يستوعبون أنّ (ورقة) الموافقة التي يزوّدونها للراغبين بالزواج لا تستطيع أنْ تمنع الخيانة الجنسية، مثلما أنّ وجود أو عدم وجود ورقة رجل الدين لا يمنع الراغبين بإدامة حياتهم العائلية، كما يتناسى رجال الدين هؤلاء أنّ كل السيئات التي يُحذورن مِن حتمية حدوثها داخل المجتمع لو لمْ يتم فرض القيود الدينية هي حاصلة فعلاً بصورة سريّة في مجتمعاتهم وبإعداد ونِسَب تفوق عشرات المرات عن تلك السيئات التي تحدث في المجتمعات الغربية وذلك وفقاً لبحوث ودراسات وأحصائيات متخصصة ومحايدة.

المثقف المغترب واصل حديثه معي بالقول:

نعم يتناسى رجال الأديان أن ما يسمّونه (الزنى) يحصل غالباً في المجتمعات التي يَسود فيها الموروث الديني، حيث تكثر في أغلب هذه المجتمعات النساء الفقيرات اللائي لا يجدنّ في النظام الديني سقفاً يأويهنّ ولا خبزاً يأكلنّه ولا دواءاً يُعالجهنّ، وفوق كل هذا فأنهنّ يُحرَمنّ مِن أيّ عاطفة أو نشاط جنسي، والأتعس من كل هذا هو أنهنّ حينما يتّجهنّ لبيع الجنس من أجل الحصول على المَسكن والغذاء والدواء فأنهنّ تصبحنّ مُحتقرات ومًجرِمات ويتم قتلهنّ، بينما نجد أنّ مَنْ تزني في المجتمع المتحضر فلأنها غالباً ما تريد لنفسها المزيد من المال وربما المزيد من المتعة، ورغم ذلك فلا أحد يحُق له أنْ يُجرّمها أو يَحتقرها طالما أنها تعمل بِعرقها كما يعمل أيّ إنسان في أيّ عمل آخر أو مهنة أخرى طالما أنها لا تسرق ولا تحتال ولا تجبر أحداً على شراء بضاعتها.

في مثال آخر، يتناسى أغلب رجال الدين الشرقيين أن كثرة عدد الأفراد البالغين في الأسرة الشرقية الفقيرة التي تسكن في بيت صغير لا يعني حتماً أو دائماً تماسُك الأسرة وإنما قد يعني ذلك غالباً إستمرار تضخم معاناة مثل هذه الأسرة الفقيرة بسبب عدم توفر ظروف إنسانية للمعيشة ناهيك عن كوْن مثل هذه الأسرة أرضاً غصبة لإحتمالات (زنى المحارم) في ظل الكبت والقيود الدينية والإجتماعية المفروضة على النشاط الجنسي الطبيعي للإنسان، لكن رجال الأديان ورغم كل هذه الوقائع يصرّون على إستمرار التدخُل في الحياة الجنسية الخاصة لأفراد أغلب المجتمعات الشرقية متذرعين بأحكام وأصول دينية عملت بها مجتمعات عاشت قبل آلاف السنين.

المثقفون الشرقيون يرون أنّ إصرار رجال الأديان على فرض القيود والأحكام الإجبارية على الحياة الجنسية الخاصة لأفراد مجتمعاتهم يُمثل محاولة لإستمرار بقاء منافعهم وسلّطة موؤسساتهم الدينية وليس حرصاً على تنفيذ أحكام الأديان، فإستغناء أفراد المجتمع عن إستحصال موافقة رجال الأديان في أمور حياتهم الجنسية والعائلية الخاصة قد يؤدي بعدها الى إستغناء اولئك الأفراد عن رجال الدين والمؤسسات الدينية وما قد يعنيه ذلك من إلحاق أضرار خطيرة بمنافع ومصالح الأغلبية العظمى من رجال الأديان، منُوّهين في صعيد آخر الى أنّ هناك نسبة كبيرة من رجال الأديان مِمّن تَفرِضُ عليهم قياداتهم الدينية أو المذهبية أوضاعاً أو شروطاً لا منطقية تكون سبباً مهماً في إعاقة عملهم بشكل كبير، حيث تقوم بعض القيادات الدينية في مجتمعات شرق الأرض وغربها مثلاً بِمنع الذي يُزاول مهنة دينية لديها سواءاً أكان رجلاً أو إمرأة من ممارسة الجنس طوال العمر، حيث تؤدي مثل هذه الأوضاع أو الشروط القاسية بِمُمتهِن مِهنة الدين الى حالة من المعاناة الإنسانية الصعبة جداً والتي غالباً ما تقوده لا إرادياً الى سوء التصرف مع رعيّته.

في مجتمعات الأنظمة العلمانية الغربية لا يحق لأحد التدخل في الحياة الجنسية الخاصة للإنسان البالغ، ويكون الإنسان حراً فيما لو أختار الحصول أو عدم الحصول على وثيقة زواجه من موؤسسة دينية أو رجل دين، لأن هذه الوثيقة الدينية في كل الأحوال لا تعني شيئاً لموؤسسات الدولة، بينما توفر الدولة وثيقة زواج رسمية لطرفيّ الزواج في حال رغبتهما الطوعية للحصول على تلك الوثيقة الرسمية التي تُوثق زوجهما لأغراض تخص التحاسب المالي والضريبي، وهكذا فأن توثيق الزواج في الدولة العلمانية لا يتعدى من وجهة نظر الدولة أكثر من كونه توثيقاً ورقياً يؤكد شراكة مالية بين طرفين، دون أن يعني ذلك أبداً حرمان طرفي الزواج من حقوقهما ورغبتهما في أن يكون أرتباطهما في الزواج إرتباطاً روحانياً مقدساً فذلك أمر يخصهما ولا يخص أي جهة في العالم.

موؤسسات وأفراد المجتعات الغربية ذات النظام العلماني لا يرون موقع (شَرَف) الإنسان بين أعضائه الجنسية مطلقاً وأنما يرون أنّ شرف الإنسان هو في مدى صدقه وإخلاصه في عمله وفي مدى حُسن تعامله مع الآخرين.

إصرار رجال الأديان على أن موافقتهم الدينية على إرتباط طرفين بعلاقة عاطفية وجنسية هي التي تجعل منها علاقة روحانية مقدسة عند الله هو إدعاء يهدف للتغطية على الرغبة الخفيّة لرجال الأديان في التسلّط على كل أمور أفراد مجتمعاتهم وحتى وأن كانت تلك الأمور تتعلق بالنشاط اليومي للأعضاء التناسلية العائدة لكل فرد!

يتبع ..

أعلاه هو الجزء الثاني من مقال ( الأديان في الجنس والزواج ) في كتابي المعنون بـ ( أحترمُ جداً هذا الدين ) والمنشور عام 2021 بأكثر من تسع لغات واسعة التداول في العالم