22 ديسمبر، 2024 11:54 م

الأديان في أحاديث سرية -21-

الأديان في أحاديث سرية -21-

أدناه الجزء الثالث من مقال ( الأديان في أحاديث سرية) من كتابي الموسوم بـ ( أحترم جداً هذا الدين ) والمنشور في اسواق الكتب بأكثر من تسع لغات واسعة التداول في العالم.

الأول:

لكن رجال الأديان يحاولون دائماً التعتيم على هذه الإختلافات المهمة ولاسيما عند التحدث مع أفراد المجاميع البشرية التي توارثت تلك الأديان أو المذاهب الدينية إجتماعياً، حيث يكتفي رجال الأديان غالباً بالحديث عن الصفات الحسنة العامة في الدين أمام عموم المجاميع المحسوبة عليهم وكأن ذلك هو كل الموضوع!

الثاني:

أرى أنه آن الأوان لكل رجال الأديان والمذاهب الدينية في العالم لإنتهاز الفرصة والتفرغ كلياً للجانب الروحي الأساسي المُفترض في جميع الأديان والمتمثل بأعطاء الأمل لكل بشر الأرض بوجود الله الذي سيُعيد لهم حياتهم الأبدية بعد الموت، إضافة الى قيام رجال الأديان بدعوة كل بشر الأرض لتقبل الآخر والعمل بجهود متكاتفة من أجل المساواة والسلام والعمل لما فيه خير وسعادة الجميع، وهذا ما يقوم به فعلاً العدد القليل المتبقي من رجال الأديان والمذاهب الدينية في المجتعات المتحضرة.

الأول:

نعم، الأنسان بدأ يدرك تماماً أنّ ولادة الأديان والمذاهب والفروع الدينية كان نتيجة حاجة المجتمعات البدائية قبل آلاف السنين لشكل من أشكال تنظيم علاقات المجتمع في وقت كانت تخلو فيه تلك المجتمعات من أي تنظيم إداري أو قانوني أو سياسي، بينما تمكن العقل البشري بمرور الزمن مِن أنْ يضع لنفسه الأحكام والقوانين التي تُناسب أشاعة أقصى حد ممكن مِن العدل بين أفراد المجتمع وما تزال تلك الأحكام والقوانين تتطور وفقاً لمتغيرات الظروف المادية والإقتصادية والتطور العلمي.

الثاني:

كلام صحيح جداً، ولذا فأننا نشاهد أنّ التدهور في الأوضاع الإقتصادية وأوضاع حقوق الإنسان يستمر ويزداد في المجتمعات الشرقية ولاسيما مجتمعات الشرق الأوسط التي ما تزال تحت تأثير الأحكام الدينية والمذهبية المورثة، وتزداد حدّة هذا التدهور في الأوضاع الإقتصادية وأوضاع حقوق الإنسان كلما كانت تلك المجتمعات تتوارث أدياناً ذات أحكام وتفاصيل دينية مُعمّقة في حياة أفرادها، وتميل الأمور الى الإنفراج كلما عملت تلك المجتمعات على تحكيم العقل في صياغة الأحكام التي تنظم العلاقات بين أفرادها بعيداً عن أحكام الموروث الديني الذي ربما كان مناسباً لمجتمعات بدائية قبل آلاف السنين.

الأول:

ما يزال رجال الأديان والمذاهب الدينية في المجتمعات المتخلفة إقتصادياً وحضارياً يخدعون الناس وذلك بالأشارة الى جُمَلٍ دينية تدعو الى الرحمة والرفق بالوالدين وكبار السن والمحتاجين وذلك بهدف إثبات صحة ديانتهم ومذاهبهم الدينية وكأن الإنسان لا يعرف ذلك لولا تلك الجمل الدينية، كما يتناسى رجال الأديان أنّ وجود أو عدم وجود تلك الجمل والأحكام الدينية لا يمنع الإنسان من عدم الإلتزام بأحكامها وأنما وجود قوانين وأنظمة حكومية لرعاية المعوّقين أو كبار السن وتأمين السكن والمعيشة الكريمة لهم هو الشيء الأساسي والذي لابد منه.

الثاني:

نعم، يستند رجال الأديان والمذاهب الدينية على أسس تفيد بأن (خوف) الإنسان من عقاب (الله) هو الذي سيجبر الإنسان على إحترام ورعاية والديه مثلاً، مثلما أنّ ذلك الخوف من عقاب الله هو الذي سيُجبر الإنسان على الصدق أو عدم الإعتداء على حقوق الآخرين!

الأول:

توجيه أو تربية الإنسان للتصرف بشكل إنساني وبصفات وأخلاق حسنة يجب أنْ يكون بوسيلة إقناعه بها وليس بوسيلة إخافته وتهديده، فوسيلة التخويف والتهديد قد تصلح أحياناً لإستخدامها مع بعض الحيوانات (وليس كلها) التي نفتقد للغة التفاهم معها.

جميع الكائنات الحية وفي مقدمتهم الإنسان يبحثون عن مصالحهم الذاتية أولاً، وبأمكاننا الإستفادة من هذه الميزة وإقناع الإنسان بأن مصالحه الذاتية تكمن في أنه يحتاج أنْ يعامله الآخرون بصدق ونزاهة وعطف وتسامح ورحمة وأنْ لا يعتدوا عليه وعلى حقوقه في حرية الفكر والتعبير وحريته في حياته الجنسية الخاصة، وأنْ يساعدوه وقت كِبَره أو مرضه أو فقره أو ضعفه، وهكذا سيدرك الأنسان أنّ كل مصالحه الذاتية هذه لنْ تتحقق ما لمْ يقوم هو بمعاملة الآخرين بمثل ما يريد هو أنْ يعاملوه.

الثاني:

كلامك حكيم جداً، وأضيف القول إنه من الطبيعي تَوَقُع أنْ لا يدرك جميع الناس هذا الطريق الصحيح لتحقيق مصالحهم الذاتية، فقد يقوم البعض من الناس بالتخلي عن الأخلاق الحسنة والتجاوز على حقوق الآخرين ظناً منهم أنهم يفيدون مصلحتهم الذاتية دون أنْ يهتموا بالأضرار التي تلحق بالطرف الأخر ممن قاموا بالتجاوز على حقوقه، وأمثال هؤلاء مِن المعتدين يتم إيقاف تجاوزهم عن طريق موؤسسات القضاء ووفقاً لقوانين يتم وضعها من قبل مختصين بشوؤن العدل.

الذين يتجاوزون على حقوق غيرهم لا يتوقفون عن ممارساتهم بمجرد أنْ يقول لهم رجل الدين بأنّ الله سوف يعاقبهم بعد الموت بسبب تجاوزهم على الآخرين!

الأول:

هذا صحيح، ولهذا نرى أنّ أغلب المجتمعات التي تتميّز بكثرة وجود رجال الدين فيها هي أكثر المجتمعات التي تتميّز بكثرة وجود مَنْ يتجاوزون على حقوق الآخرين فيها، مثلما تكون مثل هذه المجتمعات مِنْ أكثر المجتمعات إنتهاكاً لحقوق الإنسان فيها.

الثاني:

فعلا، الخوف مِن عقاب الله دينياً لا يَمنع مَنْ يريد التجاوز على حقوق الآخرين لاسيما أنّ هناك الكثير من التأويلات التي يستفاد منها الدينيون لكي يقنعوا أنفسهم بأنهم لم ينتقصوا مِن حقوق الآخرين!

الأول:

ما يحصل غالباً لاسيما في بعض المجتمعات الشرقية ذات الموروث الديني المؤثر فيها هو أنّ الإنسان المستقيم أو ذو الأخلاق الحسنة والذي يُعامل الآخرين بمثل ما يتمنى أنْ يعاملوه يعتقد نفسياً أنّ ذلك هو العدْل الذي يُرضي الله، كما أنه يتصور إنه يتصرف بهكذا أخلاق حسنة خوفاً من الله، ولا يدري أنّ الذي جعله يتصرف بتلك الأخلاق الحسنة مع الآخرين هو مجموعة عوامل متداخلة ومتفاعلة مع بعضها البعض إبتداءاً من نوع ومدى قدرة جيناته الوراثية للتفاعل مع الظروف المحيطة به ومروراً بقدراته الذهنية والعقلية وكذا مروراً بالظروف المالية والإقتصادية والثقافية التي يمر بها وإنتهاءاً بأخلاق وسلوك عائلته والأشخاص المحيطين به والمؤثرين فيه.

عموم أفراد المجتمعات الشرقية ذات الموروث الديني يُطلِقون إجتماعياً وصف (إنسان يخاف الله) على مَنْ يرون فيه صفات العدل وحسن الأخلاق، ولعل المستفيد الوحيد مِن إستخدام المجتمع الشرقي لهذا الوصف هم رجال الدين والمذاهب الدينية حيث يستغلونه للترويج بأن مَنْ يتبع دينهم أو مذهبهم الديني هو فقط الذي سيتصرف بالأخلاق الحسنة وأن الإنسان الذي ورث ديانة أخرى أو مذهب ديني آخر سوف لا يكون قادراً على التصرف بأخلاق حسنة ترضي الله، كما أنّ رجال الدين هؤلاء يستفادون من هذا الوصف الإجتماعي للإنسان ذو الأخلاق الحسنة للترويج بأن الإنسان لا يمكنه إدراك وجود خالق (الله) الا بعد قيام ذلك الإنسان بتصديق فكرة (الدين)، ويتناسى رجال الدين دوماً حقيقة أنّ تصرف الإنسان بالأخلاق الحسنة لا تحدّه أبداً مسألة إنتمائه أو عدم إنتمائه لدين ما مثلما لا تحدّه التهديدات الدينية التي يتبناها رجال الدين!

الثاني:

في أغلب المجتمعات الغربية المتحضرة يتم وصف الإنسان الذي يعامل الآخرين بمثل ما يتمنى أن يعاملوه بأنه (إنسان شريف) بدلاً ومن وصفه بـ (إنسان يخاف الله)، فـ (شرف) الإنسان وفق المجتمعات التي تحررتْ من قيود رجال الدين هو في مدى صدقه ونزاهته وعمله وفي مدى تسامحه ومساعدته لكل أنسان كبير أو ضعيف أو مريض أباً كان أمْ إنساناً غريباً أو حتى لو كان حيواناً، ناهيك عن إتصاف (الإنسان الشريف) بصفة عدم التمييز أو الإنتقاص مِن أيّ الإنسان بسبب نوع إنتماءه الديني أو المذهبي أو إيمانه بالله أو عدم إيمانه بالله بأعتبار أنّ الإعتقاد الديني أمر شخصي تماماً ولا يحق لأحد التدخل فيه.

الأول:

في مجتمعات الشرق ذات الموروث الديني غالباً ما يتم ربط صفة (شرف الإنسان) بنشاط أعضائه الجنسية، حيث يحرص رجال الدين في هذه المجتمعات على بسط سلطتهم على النشاط الجنسي للإنسان، فهم لا يسمحون بأيّ شكل مِن أشكال النشاط الجنسي الخاص بالإنسان لو لمْ يتم بعد موافقتهم ومباركتهم.

رجال الدين يعتبرون أنفسهم وكلاء الله في الأرض، وأنّ الله كلّفهم بتحديد النشاط الجنسي للإنسان وفق أحكامهم وتفسيراتهم الدينية أو المذهبية!

الثاني:

أرى أنّ الإنسان الذي يحرص بكل طاقته على أن يعامل الآخرين تماماً بمثل ما يتمنى هو أن يعاملوه سوف ينال رضى (الله) حتى لو كان ذلك الإنسان غير مُنتمٍ الى دين ما، بل حتى لو لم يكن يؤمن بوجود (الله) أصلاً.

الأول:

عين العقل!

لكن أغلب رجال الدين يحرصون على تصوير (الله) بصورة الدكتاتور الذي ينتقم ولا يسامح أي إنسان لا يعترف به قائداً وبغض النظر عن أعمال ذلك الإنسان، تماماً كالدكتاتور الذي لا يتردد في تعذيب وقتل أيّ عالم أو مفكر لا يعترف بسلطته أو لا يطيعه طاعة عمياء، حتى أنّ الكثير مِن مثقفي العالم يعتقدون بأن النظام السياسي الدكتاتوري والنظام السياسي الديني هما وجهان لعملة واحدة.

الثاني:

هكذا كان مستوى تفكير الإنسان قبل ما يقارب الخمسة آلاف عام حينما إبتكر وسيلة الأديان لغرض قيام رجال الدين وبتوكيل مزعوم من (الله) بإدارة المجتعات البشرية البدائية الخالية حينها من شكل من أشكال الإدارة والقانون لتنظيم العلاقات الإقتصادية والإجتماعية في تلك المجتمعات.

إبتكار الإنسان لوسيلة الأديان لأدارة مجتمعات بشرية بدائية قبل ما يقارب الخمسة الاف عاماً بقدر ما يُحسب له كونه أول نظام إداري وقانوني وموؤسساتي في التاريخ البشري الا أنّ السلبيات الناتجة من توالي تعدد ظهور الأديان كمهنة مربحة من ناحية السلطة والمال والمتعة جعل ذلك الإبتكار علامة سوداء في التاريخ البشري لِكُثر المآسي التي خلقتها الأديان في المجتمعات البشرية، تلك المآسي التي ما تزال لغاية يومنا هذا تجتاح أحوال وحقوق أفراد مُعْظم مجتمعات الشرق الأوسط.

الأول:

تماماً، يظن الكثير مِن المثقفين بأنّ الإنسان البدائي لو لمْ يبتكر الأديان لكان بالإمكان ظهور الكثير من البدائل لوصول ذلك الإنسان الى الطريق الذي يُنشأ فيه وسائلاً لأدارة وتنظيم العلاقات الإقتصادية والإجتماعية بدلاً من وسيلة الإدعاء بإمتلاك توكيل من الله لإقامة تلك الإدارة والأحكام!

الحديث السِرّي الخافت أستمرَّ بين الصحفييّن الا أنني أضطررتُ لترك الإستماع اليهما بعد أنْ إستلمت مكالمة هاتفية مِن أحد الأصدقاء يطلب مني الحضور اليه لمساعدته بسبب ظرف طاريء.

في الطريق الى صديقي، كان حديث الزميليّن الصحفييّن يُعيد نفسه في مخيلتي باحثاً عن آرائي ومواقفي، الا أني خيالي كان منحازاً لضرورة وصول العقل البشري الى إبتكار جديد ليكون بديلاً من وسيلة العملة النقدية (المال) التي إبتكرها الإنسان منذ ما يقارب الخمسة الاف عاماً لإدارة الحياة الإقتصادية بين البشر.

رغم فوائد وسيلة (المال) فأنها كانت هي السبب المباشر لظهور الغني والفقير والمالك والعبْد إضافة الى مشاكل الإرث وغيرها مِن السلبيات التي حتمتْ ولادة الأديان التي وُجِدَتْ أساساً لغرض تنظيم العلاقات المالية والأجتماعية بين أفراد المجتمعات التي إبتدأت بأستخدام العملة المالية.

قد تكون فكرة تنظيم المجتمع وإدارته دون وجودٍ للمال تبدو حالياً ضرباً من ضروب الخيال، لكنْ مَنْ يدري فقد تكون غداً واقعاً تتوصل اليه طفْرة وراثية تَحدثُ في قدرات العقل البشري!

مُجرّد التفكير بالحاجة المُلِحة لإبتكارٍ جديدٍ قد يعني أحياناً قُرب الوصول اليه..

يتبع ..