18 ديسمبر، 2024 9:14 م

الأخوة الأعداء : التوظيف السياسي للأزمات الوطنية

الأخوة الأعداء : التوظيف السياسي للأزمات الوطنية

لقد اعتاد السياسيين العرب – لتحاشي النقد وتجنب المساءلة – إلقاء تبعة تخبطهم بالمشاكل وغرقهم بالأزمات على عاتق الآخرين (الاستعمار والصهيونية) كمرحلة أولى ، ومن ثم اتجه الاتهام صوب (القوى الدولية والإقليمية) كمرحلة ثانية . بحيث لا يتسنى للمواطن المغلوب على أمره الحصول على إجابات شافية وحلول مقنعة ، وسط دوامات العنف التي تجتاح حياته وزوابع التخلف التي تهدد مصيره . ولعل السياسيين العراقيين بكل مشاربهم وتوجهاتهم يعكسون المثال ويجسدون النموذج لهذه الحالة من الفشل المتكرر وانعدام المسؤولية الوطنية . فمنذ الأيام الأولى لاحتلال العراق من قبل البرابرة الأمريكان ، والمسوخ البشرية تجتاح جسد الدولة العراقية وتفتك بكيان العراق محيلة إياه إلى مرجل يغلي بالأزمات ويتفجر بالصراعات ، الأمر الذي بات متعذرا”على أغلب العراقيين البؤساء العيش وسط هذا الجحيم المستعر . ليس فقط بسبب تداعيات التكالب الدولي والإقليمي فوق هذه البقعة من العالم ،على خلفية تقاطع المصالح وتضارب الاستراتيجيات بين دوله وحكوماته فحسب ، وإنما نتيجة المواقف المشينة والتوجهات المنحرفة لأولئك القتلة واللصوص ، الذين تولوا أمر قيادة هذا البلد دون جدارة أو استحقاق ، وتصدروا مسؤولية الحفاظ على أمن شعبه وسلامته ، وأتمنوا على رعاية مصالحه والسهر على شؤونه . فعلى خلاف ما تواضعت عليه واحتكمت إليه جميع الشعوب والأمم في أرجاء المعمورة كافة ، التي حباها قدرها الجغرافي والتاريخي بأن تكون موطنا”لشتى الأقوام والأديان والطوائف تتقاسم خيراته وتتفاهم على قيادته بالسراء والضراء ، بعد أن توافقت على وجود (ثوابت) في حياتها السياسية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية ، لا يمكن بأي حال من الأحوال وضعها موضع المفاضلة ناهيك عن المساومة ، حيال أي مصلحة شخصية أو فئوية أو حزبية كائنة ما كانت الدوافع والمبررات التي يمكن التعلل بها والتعكز عليها . من منطلق اعتبارها تلك (الثوابت) بمثابة (محرمات) و(مقدسات) تتعلق بكيانهم الحضاري ووجودهم التاريخي ودورهم الإنساني ، لا يجوز المساس بعلوية مكانتها والعبث بقيمتها الاعتبارية ، وإلاّ تعرض الجميع للضياع والتشتت وأصبحوا طرائد مشردة يسعى لقنصها كل صائد ! .
 نقول على خلاف المألوف عند الأمم الأخرى ، نجد إن العراقيين المولعين (بالوحدة) والمتشدقين (بالوطنية) ما أن تطل أزمة وطنية ما برأسها ، حتى يسارع كل فريق للاعتكاف في كهفه والانزواء في جحره ، ليس للبحث عن الحلول والتنقيب عن المخارج التي تقي البلاد والعباد من شر ما هو آت – كما يفترض أن يحصل – وإنما للعثور على كل من شأنه إحراج خصومهم في السياسة والضغط على شركائهم في السلطة ، ليس فقط للنيل منهم والتنكيل بهم والاستئساد عليهم ، على خلفية تراكم الخلافات القومية وتعاظم الصراعات الطائفية فحسب ، بل وكذلك بغية تحقيق المكاسب الفئوية لهذه الجهة على حساب تلك ، أو لزيادة نفوذه هذا الطرف على حساب ذاك ، حتى وان تطلب الأمر الزج بالوطن والمواطنين في أتون المحارق اليومية والمهالك المستمرة ، طالما أن ذلك يؤتي أكله ويفضي إلى النجاح !!. ومصداقا”لهذه الحالة المفجعة وتأكيدا”لها ، فان (الأخوة / الأعداء) من العرب والأكراد ، و(الأخوة / الأعداء) من السنة والشيعة ، ما كان لهم أن يحلموا بمثل هذه الفرصة الذهبية التي منحتها إياهم تنظيمات الدولة الإسلامية ، لكي يظهروا عوراتهم المخزية على حقيقتها ويفضحوا نواياهم المرعبة على طبيعتها ، التي لم تكن – على أية حال – خافية عن أعين المتابعين للشأن العراقي منذ الأيام لجريمة السقوط ولحد هذه اللحظة . إذ بمجرد ما عصفت ريح (داعش) فوق أرض العراق ، حتى تناثر بيدر (الأخوة / الأعداء) وتذرر عقدهم (الكاذب) إلى مختلف الاتجاهات ؛ فهذا يريد حصته من الغنيمة في كركوك ! ، وذاك يطالب بحصته من الأسلاب في ديالى ! ، وآخر يرفع عقيرته لنيل حصته من الرمادي !
وطرف رابع يتوعد بالويل والثبور إن لم يفوز بحصته في تكريت ! . أما مصير العراق (كوطن) فأمره متروك إلى كل من هب ودب يصول ويجول فيه كيفما يشاء ومتى ما يشاء ، وأما مصير العراقيين (كشعب) فأمرهم منوط إلى الأقدار تفعل بهم كيفما تتقلب الأهواء وتتبدل الأنواء ! . ومما يزيد الطين بلّة إن السياسيين العراقيين الماسكين زمام أمرنا والموجهين مسار مصيرنا ، ينتظرون بفارغ الصبر وقوع المصائب حصول النوائب – إن لم يفتعلوها بأنفسهم – لكي يتطلع كل فريق منهم صوب قوى الخارج (أمريكا وإيران والسعودية) – كل بحسب مرجعيته وولائه – طلبا”للمشورة والمعونة ، لا لكي يتوسلوا السبل لتضميد جراحهم وترميم تصدعاتهم ويطلبون العون للنهوض من كبوتهم ، ولكن من أجل يتنافسوا على عقد الصفقات المريبة وتقديم التنازلات المشينة ، التي من شأنها أن تضمن لهم بلوغ مآربهم ؛ سواء منها العنصرية أو الطائفية . ألا بئسا”لكم من قادة وساسة ، إذ لن تجلبوا لنا سوى العار والتعاسة ، ألأنكم من سلالات زمن النخاسة ، أم لأنكم من بيئة توطنت فيها النجاسة ؟! . أفيقوا لعنكم الله وارحموا هذا الشعب الذي أذقتموه الذل والهوان !! .