قال أبو القاسم يوسف بن القاسم” ما عسى أن أقول في قوم محاسنهم مساوىء السفل، ومساؤهم فضائح الأمم”. (كتاب الأوراق)
تسائل البعض عن الدور الايراني في الإنتخابات القادمة ومدى تأثيرة على سير الإنتخابات؟ صحيح إننا أشرنا الى التأثير الإيراني في المقالات السابقة، لكن دون التوسع في هذه النقطة على الرغم من أهميتها، لأنه كلما انحرفت بوصلة الإنتخابات عن التأثير الإيراني، كلما كان ذلك في صالح العراق وشعبه، وطالح لأقزام ايران في العراق الممثلين في الحشد الشعبي، الذي يزعم العبادي كذبا ورياءا بأنهم يخضعون الى سيطرته وأوامره، والذي يمكن نفسره بأنه أما ضعف من رئيس الوزراء، او مخافة من التعرض للحشد لأن تابع للنظام الإيراني، وليس له، لذا لم يجرأ العبادي ليرد على أي زعيم من الحشد ممن تهجم عليه أو على حكومته أو خالف أوامره، او صرح بأنه لا يخضع لأوامره، بل لأوامر زعيم العراق الأوحد الجنرال سليماني، وسفيره في العراق، الذي إجتمع مؤخرا مع زعماء الحشد للتنسيق معهم حول الإنتخابات القادمة دون علم رئيس الوزراء حيدر العبادي بذلك!
يستذكر الجميع انه في إنتخابات عان 2010 عندما فازت قائمة الزعيم الشيعي أياد علاوي واكتسحت أكثرية مقاعد البرلمان، أطلق النظام الإيراني الفيتو على توليه الرئاسة، وفي مسرحية قضائية هزيلة تم تسليم نوري المالكي رئاسة الحكومة، والطريف قبل إيام يتساءل مدحت المحمود رئيس القضاء العراقي: من قال ان القضاء العراقي غير نزيه؟ مسرحيات قضائية لا حصر لها، نهايتها كالأفلام المصرية حصول بطل الفيلم (رئيس الوزراء) على مبتغاه. وهذا يعني انه إيران وليس الولايات المتحدة ولا دول الخليج ولا أية قوة أخرى ذات نفوذ في العراق تضاهي النظام الايراني، وهذا بالطبع لا يعني ان أياد علاوي هو أفضل من المالكي، جميعهم عملاء وجواسيس ولا يعملون لصالح العراق، وقد جرب الشعب العراقي حكومة أياد علاوي بعد مجلس الحكم وكانت النتيجة مأساة، بل وضعت الأساس المتهالك لمن جاء بعدها من حكومات فاسدة.
النظام الإيراني يظن ان العراق ولاية له، وهي تمثل له خط الدفاع الأول، وهذا ما صرح به المسؤولون في النظام بكل وقاحة لوسائل الإعلام، وأكدوا ان الحشد الشعبي سيكون درعهم الأول في صد أي إعتداء على نظامهم القميء، ومن المؤسف ان قادة الحشد الشعبي يؤكدون صحة هذه التصريحات التي تُجير الدم العراقي لصالح النظام الايراني، في حالة نادرة في تأريخ الأمم! لو كان في العراق برلمان وطني، وحكومة شريفة، وقضاء مستقل، لأحيلوا معظم قادة الحشد الى القضاء وحُكموا بجريمة الخيانة العظمى. الأغرب من هذا انه مع قرب الإنتخابات، يتفاخر همام حمودي وزعيم ميليشيا بدر هادي العامري بأنهم قاتلوا مع الجيش الايراني ضد الجيش العراقي خلال الحرب العراقية الإيرانية! لا نعرف هل هذه دعاية إنتخابية مبكرة ام ماذا؟ وكيف يتقبل الشعب العراقي هذه الإعترافات المهينة؟
كلمة لكل من قدم شهداء في تلك الحرب او تعوق بسببها او ساهم فيها، نقول: هل من المنطق ان تنتخب من قتل أهلك وحاربك بضراوة واعتدى على شرفك (جريمة قرية البيضة في جنوب العراق حيث اغتصبت المعلمات من قبل الحرس الثوري وميليشيا بدر)؟ وان كنت تناسيت شهدائك وشرفك، تحت ما يسمى (عفا الله عما سلف) فهل أنت من شعب يستحق الحياة كبقية الشعوب؟ اعطنا نموذج واحد في التأريخ القديم والمعاصر عن أمة جعلت خائنا لجأ الى العدو وحاربها زعيما لها؟ ومع هذا يقول البعض لماذا لا ترحمنا السماء؟ لا ترحمنا السماء، لأننا بكل صراحة لا نستحق الرحمة.
لنعود قليلا الى الماضي ونتوقف عند محطة مهمة لا يعرفها معظم العراقيين لأن مجلس النواب لم يكشف تفاصيلها، ولأن الإعلام الحكومي المسيس غض النظر عنها، مع انه يفترض ان يحقق بها، البرلمان والقضاء العراقي، وتكشف للشعب العراقي تفاصيلها على أقل تقدير، كي لا تتكرر في الإنتخابات القادمة. فقد صرح نائب عراقي في 18/4/2017 ” أن إحدى الأسئلة التي وجهتها النائب المستجوب ماجدة التميمي، إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات هي إشراك إيرانيين وأفغان في الانتخابات التشريعية الماضية، وكان السؤال موجهًا إلى رئيس الإدارة الانتخابية في المفوضية، عن ائتلاف دولة القانون (حزب الدعوة العميل) مقداد الشريفي ـ الذي رفض حضور جلسة الاستجواب ـ بشأن إشراك إيرانيي وأفغانيي الجنسية في الانتخابات التشريعية الماضية، على أنهم عراقيون بمستمسكات مزورة. مشيرًا إلى أن أغلب نواب التحالف الشيعي قد انسحبوا من جلسة الاستجواب”. علما ان غالبية النواب بما فيهم النواب الشيعة الذين انسحبوا من الجلسة لدواعي طائفية معروفة، اشاروا بأن الإستجواب كان في غاية المهنية والحرفية والموضوعية.
هذا هو الوضع الذي لم يتغير، وبدلا من إحالة رئيس وأعضاء مفوضية الإنتخابات الى القضاء، تم تكريمهم وإنتخابهم مرة أخرى! ومع رفض الشعب العراقي لهذه المفوضية الفاسدة، وتظاهر ما يقارب المليون لعدة أشهر بغرض إستبدال رئاستها واعضائها، لكن كالعادة، البرلمان العراقي لا يحترم إرادة الشعب العراقي!
هل تتوقف ايران عن التدخل في الإنتخابات القادمة؟
العاقل واللبيب والذي يعرف ما يجري في الساحة العراقية سيقول على الفور كلا! سنستعرض بعض الإعترافات في هذا الصدد.
الإعتراف الامريكي
ان البعيد عن المشهد العراقي يعرف حقيقة التجل الايراني في الإنتخابات القادمة. فقد أكد زلماي خليل زاد، السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة والعراق في مقال له نشر في صحيفة (وول ستريت جورنال) تحت عنوان ” حدّوا من نفوذ إيران في العراق” بتأريخ 7/4/2018 ” إن إيران تعمل بجد للتأثير على نتيجة الإنتخابات، حيث تسعى إلى تعزيز نفوذ ميليشياتها داخل الحكومة العراقية، كما هو الحال مع حزب الله اللبناني. كما تريد إيران الحفاظ على الانقسامات الطائفية والعرقية والسياسية، لمنع عودة العراق من جديد كقوة مستقلة ومستقرة. وإقترح خليل زاد أربع نقاط للرئيس الامريكي للتعامل مع التدخل الايراني في الانتخابات القادمة:
1. دعم الأحزاب والأطراف العراقية التي تعارض التدخل الإيراني والتي لها هدف مشترك مع الولايات المتحدة في منع النفوذ الإيراني في العراق.
2. تعلم الدروس من قيام إدارة أوباما بسحب القوات الأميركية من العراق والعمل على استمرار الوجود العسكري في العراق.
3. إستمرار الدعم الأمريكي، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات العراقية، وأن تُشكل على الفور حكومة عراقية جديدة، وعدم السماح لإيران بالتأثير على تشكيل هذه الحكومة.
4. دعم الأحزاب والحلفاء والشركاء الموالين لأميركا في العراق بشكل قوي.
من جهة أخرى إتهم وزير الدفاع الأميركي ( جيمس ماتيس) في 30/3/2018 النظام الإيراني في تصريحات للصحفيين، خلال عودته من جولة لعمان وأفغانستان، والبحرين بقوله” لدينا أدلة مثيرة للقلق على أن إيران تحاول التأثير على الانتخابات العراقية باستخدام المال، وهذه الأموال تستخدم للتأثير على المرشحين والأصوات، وهي ليست مبالغ قليلة من المال على ما نعتقد. وهذا في رأينا غير مفيد للغاية”. ودعى النظام الإيراني إلى السماح “للعراقيين بأن يحددوا مستقبلهم”.
الإعتراف الإيراني
صرح علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي للشؤون الدولية، خلال زيارته إلى بغداد في17/3/2018 وإجتماعه بزمرة من الأمعات من رجال الدين والسياسة، بما فيهم رجال دين من أهل السنة من جحوش الجنرال سليماني” لن تسمح لليبراليين والشيوعيين بالحكم في العراق”. ولم يدس اي من الحضور نعالا سياديا في فم ولايتي. سكت الجميع كالفأر أمام قط، وهو يظنه أسدا، والسكوت علامة الرضا او الخوف الكبير، وكلاهما لا يشرف رجال الدين وكل من يدعي ان للعراق سيادة وكرامة. كالعادة بلعا البرلمان والحكومة العراقية الإهانة، لأن طعم إهانات ايران كالعسل في أفواههم، ولكن الويل لمن يتجاسر من بقية الدول على التدخل في الشأن العراقي، سيكون طعم هذا التدخل كالعلقم في أفواه النواب وحكومة الفساد.
وفعلا أكد وكيل خطيب جمعة طهران آية الله احمد خاتمي في 6/4/2010، ما ذكره وزير الدفاع الأمريكي بشأن التدخل الايراني في الإنتخابات العراقية، فقد إعترف بمنح إيران احزاب التحالف الشيعي( 100) مليون دولار لدعمها في الانتخابات القادمة. وقال خاتمي في خطبة صلاة الجمعة ” لن تسمح ايران بصعود دعاة الدولة المدنية والعلمانية وعودة البعث باسماء اخرى الى الحكم في العراق. فالعراق بالنسبة لايران خط احمر، والخارطة السياسية فيه لاتتغيير حتى زعماء السنّة المشاركين في العملية السياسية هم ايضا تحت امرتنا”.
لاحظ! لقد تجاوزت الفضيحة مبلغ (100) مليون دولار، بفضيحة أكبر منها، وهي ان زعماء أهل السنة ابتداءا من سليم الجبوري وبقية رهط الجبور في البرلمان والحكومة الى آل صالح المطلك وآل النجيفي وانتهاء بآل الهميم وشيوخ العشائر المتسلطة على رقاب الناس يحملون علامة (ساخت ايران) أي صنع في ايران!
الإعتراف العراقي
مما لا يقبل الشك ان عدم تعليق البرلمان العراقي وحكومة حيدر العبادي على تصريحات ولايتي وخاتمي بشأن الدعم المالي والتدخل في الإنتخابات القادمة، إنما يعني إعترافهم بحقيقة هذا التدخل الواضح للعيان، سواء وردت هذه الإعترافات من قبل نظام ولاية الفقية أم لم ترد. العراقي البسيط والأمي يعرف حقيقة التوغل والتغول الإيراني في كل مفاصل الحكومة العراقية، سيما المؤسسات الأمنية والحيوية. لكن النائب في التحالف (عامر الفايز) صرح في 17/3/2018 ” إن كل الدول لها مصالح في العراق، وتحاول التدخل في شأن الانتخابات، وفعلا بعض الدول تستطيع التدخل، وأن كل الدول تستبق الأحداث وتتهم الآخر بالتدخل بالانتخابات وهي جميعها تتدخل بما فيها اميركا وإيران ودول أخرى، وإن هذه التدخلات الدولية تؤثر بشكل كبيرعلى نتائج الانتخابات”.
قد ثبت التدخل الإيراني في الإنتخابات القادمة، لكن هل يمكن للفايز وغيره ان يكشف لنا عن طبيعة تدخل بيقية الدول بإعترافات مشابهة لما أعلنه ولايتي وخاتمي، او بوثائق رسمية؟ لكي يكون العراقي على بيته من هذه التدخلات ويعرف عدوه، فمن السهل سوق الإتهامات، ولكن ليس من السهل إثباتها، لقد خلط الفايز (الفايز برضا الفقيه) الأوراق لكي يخفي ورقة الجوكر الإيراني، وهي لعبة مكشوفة الغرض منها تضليل الرأي العام.
مع كل هذه الإعترافات، لكن زعماء الحشد الطائفي ينكرون التدخل الإيراني في الإنتخابات، إقرأ ما صرح به القائد في الحشد (معين الكاظمي) بتأريخ 2/4/2018 ردا على ما أشار اليه أثيل النجيفي بشأن التدخل الإيراني في العراق، فقد قال الكاظمي” أن ايران دولة السلام في المنطقة وأي تهجم عليها من قبل أي سياسي سيكون هدفا لنا ومصيره القتل. نرفض المساس بايران من قبل اي جهة سياسية، فنحن مشروعها في العراق”.
هل فعلا ان ايران هي حمامة السلام في المنطقة؟ اليس هذا الكلام يناقض تصريحات المسؤولين في ولاية الفقيه أنفسهم؟
كيف يكون الحشد الشعبي عراقيا، وهو ينفذ المشروع الإيراني في العراق؟
أين الوطنية. هل من يمس النظام الإيراني يكون مصيره القتل؟ حسنا! لماذا لا تطبق نفس القاعدة على من يمس العراق؟ أين البرلمان والحكومة والقضاء من هذا التصريح الإرهابي؟
السوال الذي يحير: لماذا لا يوجد في إيران مراجع فارسية دينية وسياسية تدافع عن العراق، كما يفعل نظرائهم في العراق؟ فكر وإربح المليون حسنة!