23 ديسمبر، 2024 5:50 ص

الأخطاء في الموازنة الاتحادية لعام 2015 ومقترحات معالجتها (2. سياســة التـمويل ) 2-6

الأخطاء في الموازنة الاتحادية لعام 2015 ومقترحات معالجتها (2. سياســة التـمويل ) 2-6

يعتقد الشعب العراقي ان تمويل الانفاق العام للحكومة يتم من خلال ايرادات بيع النفط , وقد انعكس هذا الاعتقاد على المسؤولين في الدولة العراقية واصبح هاجسهم الاساسي ايجاد علاقة ارتباط كاملة بين الايرادات النفطية والاقتصاد الحكومي , صحيح ان للنفط دور مهم في تمويل الحكومة العراقية ولكن ليس من الصحيح ان يرهن اقتصاد البلد بالكامل لهذا الدور , فالكثير من الدول ليس لديها نفط أو أية ثروات طبيعية ومع ذلك فإن اقتصادها مزدهر وشعبها يعيش في رفاه كبير , بل حتى ان بعض الدول النفطية اخذت تقوم بتحرير اقتصادها الوطني من التبعية للايرادات النفطية , وقبل عشرات السنين اطلق العراق شعار استخدام ايرادات النفط في التنمية , ولكن هذا الشعار بقى فارغاً من مضمونه لحد الآن , فإيرادات النفط السنوية تذهب هباء في كل عام من دون ان يستفيد منها الاقتصاد العراقي فائدة حقيقية واصبح ما يدخل من عملات صعبة للبلد يتسرب منه بمختلف الاشكال , ولو تصرفت الحكومات السابقة بعقلانية مع الايرادات النفطية لكان العراق يمتلك الآن مئات المليارات من الدولارات في البنك المركزي , ولكن استمرارها على الخطأ القاتل بتمويل انفاقها من الايرادات النفطية اضاع هذه الفرصة على العراق , ومن المؤسف جداً ان تتبنى الموازنة لعام 2015 هذا الخطأ بإصرار .

إن التخلص من هذا الخطأ يتطلب اعادة هيكل تمويل الموازنة العامة حسب نوعية الانفاق الحكومي وفقاً للاتجاه , وان الانفاق الحكومي ينقسم الى نوعين خارجي وداخلي , فالانفاق الخارجي يمثل المبالغ المطلوبة لتغطية الالتزامات الخارجية مثل تعويضات حرب الكويت والالتزامات الدولية ومشتريات الاحتياجات المستوردة الاساسية غير المتوفرة محلياً مثل الاسلحة والادوية , والتقديرات الاقتصادية تشير الى ان حجم هذا الانفاق هو بحدود ( 30 ) ترليون دينار وهو يتطلب الانفاق بالعملة الاجنبية (الدولار ) والمصدر الاساسي للدولار هو ايرادات النفط , أما الانفاق الداخلي فهو يتضمن المبالغ المطلوبة لتغطية الالتزامات الحكومية المحلية مثل الرواتب والتعويضات ومشتريات الاحتياجات المحلية .

إذن فالعراق يحتاج الى ( 25 ) مليار دولار لتغطية الانفاق الخارجي وايرادات النفط المتوقعة لعام 2015 مهما كانت فانها تزيد عن ضعف هذا الرقم فمثلاً تصدير 3 ملايين برميل بسعر (50) دولار للبرميل سيوفر (55) مليار دولار تكفي لتسديد جميع الانفاق الخارجي ويفيض منها ( 30) مليار دولار يجب ان يضاف لرصيد العملات الاجنبية في البنك المركزي العراقي , أما تمويل الانفاق المحلي فهو يتم بالعملة المحلية , والمفروض ان تتضمن فقرات الموازنة الكيفية التي يتم بها ادارة هذا الانفاق واسترداده ضمن دورة اقتصادية نشطة تهدف الى تعزيز الانتاج المحلي وزيادة دخول الشعب العراقي وتشغيل العاطلين وتوفير الخدمات بدلاً من الاجراءات السقيمة مثل التقشف والادخار الاجباري , ان التمويل المحلي لا يعني العودة الى سياسة ( طبع العملة ) الفوضوية التي حصلت في العراق في تسعينيات القرن الماضي اثناء الحصار الاقتصادي فهذه سياسة مرفوضة تماماً , كما انها تعني الاخلال باستقلالية البنك المركزي العراقي التي يجب ان تبقى مصانة للحفاظ على العملات الاجنبية رصيداً للأجيال القادمة وتضمن متانة الاقتصاد العراقي , إن اعادة هيكل تمويل الموازنة تتطلب اعتماد الدورة النقدية الصحيحة وهو أحد أخطاء الموازنة وسنتناوله لاحقاً ثم تليه الحلول .