9 أبريل، 2024 8:32 م
Search
Close this search box.

الأحياء الأموات

Facebook
Twitter
LinkedIn

من توارد الخواطر الشعرية الجميلة أن الشاعر ذي الرمة  حين خطر بباله الشطر الشعري البليغ( ما بال عَينيكَ مٍنها الدمعُ يَنسكبُ ) لم يستطع إستحضار عجزه ,وظل في حيرة الترقب لوحي الشعر أو لشيطانه يأتيه بالعجزالمناسب , لكن شيئا من هذا لم يحصل , وإذا بفتاة بارعة الجمال تمر من أمامه تحمل أناء معدنيا لامعا ومزين بزخارف جميلة , فقال فجأة :
كحلاءُ في بَرح صفراءُ في غَنَجٍ ** كأنها فضةُ قد مَسها ذَهبُ
وبدل العجزالواحد أنهمرت قصيدة عصماء من مائة وواحد  وثلاثين بيتا  قال عنها نقاد عصره لو لم يكتب إلا هذه القصيدة  لكفاه فخرا بها .
الذي قادني لهذا الاستشهاد بيت المتنبيءالمشهور:
ومن يَهنُ يسهلٌ الهوانُ عليه ** ما لجُرح بميتٍ إيلامُ
كل العراقيين الحريصين على بلدهم وأهلهم قلوبهم تتمزق وهم يرون العراق مستباح مهان بالمليشيات والدواعش والشامتين .بلد جريح متعب أوصلوه الى الدرك , ولا دمعة في عيونهم , ولا حسرة في قلوبهم , بل يتحاورون ويتناقشون طويلا كيف يمكنهم البقاء أطول ,وتمتلء بطونهم بالتخمة وسط القهقات والهمسات والغمزات  تقاطيعهم وسحنات وجوههم تخفي ما بدواخلهم من تفكير في كيفية الحصول على المزيد من الغنائم والمكاسب , غير مبالين بالطامة الكبرى من جيش يُسحق وأموال تُنهب وعوائل تستباح وأرض لا نود لها الأقلمة تتحول بقدرة قادر الى (أمارة) ,العدو ليس بعيدا عنهم , بل يهدد العاصمة وهم يبحثون بنشوة عن وجود دائم في سلم المسؤولية . هل  هم نائمون أم ميتون, وجرح العراق , بل موت العراق لا يهزهم  بحيث ما يجري على العراق لا يحرك سواكنهم ويجعلهم ينقلبون على أنفسهم من أجل وطن يذبح في كل لحظة أنهم غارقون  في تأملاتهم بالولاية الثالثة أو الولاية الأولى  متى يدركون أن الواجب يتطلب منهم الإرتفاع بل الإرتقاء لمستوى المأساة . لقد صار العراق ضيعة مستباحة بفضلكم  , وسيصير هباء بعزيمتكم التي لا تلين لحرمته .
من كان يتصور أن العراق, هذا الجبل الشامخ , ذو الصوت العال يستحيل بسنين عجاف إلى ضيعة يدخلها المغامرون ويتسكع بها شذاذ الآفاق , يطبقون به تجاربهم , وأجندات أوليائهم . صحيح أن الإحتلال وضعه على حافة الخطر من تقسيم طائفي إلى شرذمة إقليمية ولكن عندما سلم لأيدي عراقية على الأقل بالظاهر عليهم ان يضعوا الشعب في نصب أعينهم , كان لهم بقرة حلوب وسيظل كذلك  لكن أن يتهاونوا بهذا المستوى لدرجة أن العدو  يقرض الأرض ويستبيح الناس هنا وهناك ولا من يصرخ ضمير له :نحن  بأية حال يا بشر!؟.
إذا كان العدو يحلم بشبر من الأرض سابقا فأنه الآن يحلم بكل الأرض,وأذا كان المهيمنون لديهم خطوط رجعة لغير العراق , فأنهم سيحرقون أنفسهم بأيديهم , فللعراق حوبة وقدر وكل الأقوام التي اسأءت إليه شعرت بعد حين بحرمته تضايقهم ساعة النوم ولحظة الأكل . لا يستطيع بشر أن تغمض عينه والعدو على مقربة منه إلا إذا كان كما قال أبو الطيب المتنبيء رحمه الله :
ومن يَهنُ يسهلٌ الهوانُ عليه ** ما لجُرح بميتٍ إيلامُ

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب