في بلادنا التي لن تتعطل بمحطاتها عجلة الاخبار اليومية، تتسارع الاحداث بظهور طبقة “مميزة” ترفع شعار الاعتراض وتشن الحملات على مواقع التواصل الاجتماعي وتسخر بعض جنودها في وسائل الإعلام لمنع تمرير الصفقات “المشبوهة” كما تفضل توصيفها، وتتمسك بعناوين الدفاع عن الحريات ومغادرة الأفكار “البالية”، التي تعود بالمجتمع للجاهلية وعصور العبودية، بمهمة تجيز لهم استخدام جميع أنواع الأسلحة من ضمنها التحريف وتشويه الحقائق.
تلك الشعارات ترددت كثيرا خلال الأيام الماضية، وأصبحت هتافات يطرقها على مسامعنا عبادا معترضين على تعديل قانون الأحوال الشخصية بعد إعلانه في مجلس النواب، مستغلين مساحات وفرتها بعض القنوات التلفزيونية و “فوضى” النشر بالفيسبوك، فاصبحوا يطلقون مسميات تحمل الإساءة الكبيرة للمجتمع بدلاً من تفسير النقاط الأساسية في تعديل القانون وتوضيحها للفقراء من “عباد الله” فمرة نسمع بانه سيسمح بزواج القاصرات، واصوات اخرى تروج لشيوع زواج المتعة بصورة قانونية، وجهات تتباكى على ضياع حقوق المرأة، ويحذرون بأصوات عالية من “شيوع الفاحشة” في حال تطبيق القانون، والسبب، اعتماده على المذاهب الاسلامية وفروعها، لانها شرائع لا تتناسب مع وضعنا الحالي كما يدعون، متجاهلين بان الإسلام الحقيقي الذي كرم المرأة لا يمكنه إهانتها.
وحتى لا تخرج الأمور عن الأسباب الحقيقية وراء اغلب الرايات المعترضة، فان العديد منهم يبحث عن الشهرة، او “الطشة” التي تعتبر المصطلح الاكثر تداولا في حياتنا اليومية، فاذا بحثت جيدا، ستصل لنتيجة مضمونها بان النسبة الاكبر منهم لم يطلعوا على نسخة القانون المعدلة، واعتمدوا على طريقة “حشر مع الناس عيد” والامثلة كثيرة، ومنها رجل دين يعاني من متلازمة “الصوت المرتفع” ظهر علينا بلقاء عبر احدى المحطات الفضائية شاهرا سيفه وينادي بالضد مِن تعديل القانون، لكن المفاجأة حينما رد عليه الضيف الاخر وهو رجل دين مؤيد للتعديل، بان القانون يتضمن بفقراته جميع المذاهب، اصيب “صاحب الصوت المرتفع” بالصدمة، ولسان حاله يتساءل اين تلك الفقرات؟، ليأتي الرد بعرض الضيف الاخر نسخة من القانون المعدل اخرجها من جيبها ووضعها بيد المعترض، ليتضح بعدها بان سماحة الشيخ لم يطلع على التعديلات ولا فقراتها، ليجبر بعدها على تغيير موقفه.
لكن القصة لم تنته عند هذه الحادثة، فاحدى الزميلات العاملة في ميدان الاعلام، رفعت راية الاعتراض من اول يوم لعرض تعديل قانون الاحوال الشخصية، وازدحمت صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات الاعتراض، والهجمات المضادة على تعديل قانون، وحينما تدخلت بسؤالها عن اسباب الاعتراض وهل اطلعت على القانون الجديد، ردت بكلمة النفي… وكررتها بالقول.. “لم اطلع النسخة المعدلة ولكن شاهدت الكثير من المشاهير معترضين عليها، وهو دليل يكفي للالتحاق بهم”، إجابتها اجبرتني على “الضحك” بشكل مفرط مع قهقهة عالية، رافقتها خيبة امل كبيرة، عن كيفية إدارة الرأي العام وتوجيهه بطريقة “مخجلة”، وحتى لا نشمل الجميع بتهمة “الإنقياد” هناك أطراف معترضة على القانون بالامكان مناقشتها بعقلانية ومعرفة نقاط “الخلل” التي يجب معالجتها في حال وجودها.
المشكلة ياعزيزي القارئ، أن المعترضين على تعديل القانون يبررون موقفهم بالدفاع عن الحريات، وعدم تقييد الأفراد بقوانين تمنعهم عن ممارسة حقوقهم التي كفلها الدستور، لكنهم بالوقت نفسه ينكرون على الأخرين طريقة ممارستهم حريتهم باختيار الانتماء، فمثلا في تعديل القانون الجديد يسمح للمذهب الجعفري باختيار عقد الزواج وفق مذهبه وكذلك للمذهب السني حرية الاختيار وبموافقة القضاء، بينما لا توجد فقرة في تعديل الأحوال الشخصية تجبر بقية الطوائف او الأديان على الزواج بحسب الفقه الجعفري او السني، وبإمكانه البقاء على القانون الحالي، كما يحق لاصحاب الافكار المدنية الذين لا يؤمنون بضرورة الزواج “الشرعي” عقد قرانهم في المحاكم وبنفس قانون الاحوال الشخصية قبل التعديل، في وقت تشكل فقرة زواج القاصرات، اكبر “فخ” نصبه غالبية المعترضين لتشويه نسخة القانون المعدل، لانه ببساطة لا يتيح زواج القاصرات ولا يسمح بإشاعته، بينما يتعمد بعضهم الخلط بين سن التكليف الشرعي “ارتداء الحجاب وتعلم الفرائض” وسن الزواج.
الخلاصة:. ان النقمة الشعبية على السلطة والقوى السياسية تدفع العديد من الجماهير للاعتراض على اي قانون تطرحه تلك السلطات بفروعها التشريعية والتنفيذية حتى لو كانت قوانين تخدم الصالح العام، وتلك “نقطة ضعف” استغلتها بعض الأطراف لتحقيق اهدافها، وعلى الحكومة او السلطات الاستفادة منها في رسم نهاية لمخاوف المواطنين من قراراتها وكسبهم بمشاريع ترفع نسبة الاطمئنان،… اخيراً… ندعو الجميع للاطلاع على نسخة تعديل قانون الأحوال الشخصية للتمييز بين المضللين من اصحاب “الطشة” والمعترضين بنية البحث عن الحقيقة..