ما من شك في أن أحزابنا المشاركة في السلطة والبرلمان جلها بنيت على أساس طائفي أو قومي .والقسم الآخر كان عبارة عن ردة فعل أو إحياء لخط علماني قديم.. ولانقصد بهذه المقدمة بأي حال من الأحوال الإساءة إلى هذه المسميات والانتماءات، فليس بدعا في الدول التي تمارس الديمقراطية نظاما للحكم ،أن تنشأ فيها أحزاب أو مجموعات سياسية تنتمي لطائفة أو مذهب أو دين أو قومية أو حتى فئة معينة من الناس تمثل منهجا أو عقيدة أو توجها محددا..وتجارب الدول والتاريخ تغنينا عن ذكر الأمثلة المتنوعة والتي يمكن الكشف عنها بنقرة واحدة في محركات البحث في الانترنت..نعم نحن نختلف بالرأي عن هذه التوجهات ونؤمن في تجربتنا العراقية حصرا وفي هذا التوقيت أنه حان الوقت للأحزاب الوطنية العابرة للطائفية والقومية وأي أثنية أخرى مقدسة او غير مقدسة نقول أنه حان الوقت لها أن تتشكل من جيل سياسي عنده هذا الفهم ويؤمن به .أو أن تمارس هذه الأحزاب المتغلغلة في السلطة والدولة والمجتمع نوعا من تصحيح المسارات وتعطي الأهمية لبزوغ جيل معتدل من بينها يدعو الى بناء دولة مدنية عادلة كريمة بغض النظر عن انتمائهم المذهبي والطائفي والقومي وتكون مرجعيتهم في كل ذلك البرنامج الذي يعد لبناء الدولة ضمن هذه المواصفات ..إن التحول والانتقال الى فكرة بناء الدولة المدنية ،وإن وجد له بعض المناصرين المجاهرين وقسم آخر من المناصرين الصامتين ،فإن هناك قسما آخر يعارض هذه النشأة والتحول خاصة إذا أشاعت هذه الأحزاب المتنفذة بين الجمهور فكرة مفادها ان الدولة المدنية هدفها إقصاء الدين وفصله عن السياسة ، وهو أمر كرسه الخط السياسي العلماني الذي تبنى المدنية شعارا من دون وجه حق ،فلصقت المدنية بالشيوعية مما أفقدها قوتها في الشعوب التي يكون الدين جزءا لايتجزأ من شخصيتها وتركيبها ولولا أن المجال لايسعنا هنا لبينا كيف أن الذين يؤمنون بالأديان يمكنهم جدا تأسيس خط مدني أقوى من الخط المدني الذي يؤسسه العلمانيون أو الذين لايؤمنون بالأديان والمذاهب .ولعل مقالة أخرى منفصلة سنفصل الحديث فيها عن ذلك..نعود الى حديثنا الذي سيبقى حبرا على ورق او حروف على صفحة في المواقع ،إذا لم نستطع أن نقدم المقترحات الممكنة والقابلة للتطبيق على الواقع . فكثير منا يحلم بأفكار ورؤى لايمكن تطبيقها بل ستبقى أحلاما أو أوهاما ننادي بها وهي غير ممكنة التطبيق .وكثير من أمنيات الناس ومطالبات بعض المجموعات، والنقاش السياسي الذي يدور في الدواوين والندوات بل وقوانين وقرارات السلطة المتسرعة ،أقول كثير منها غير قابلة التنفيذ والتطبيق لبعدها عن الواقع أو لأنها منبتة الصلة بما حولها من وقائع . لذلك لانريد للأفكار في هذا المقال أن تكون كذلك..واقع الحال اليوم هو أن السيد العبادي رمى مشروع الإصلاح والتغيير في ملعب الكتل السياسية المشاركة في الحكومة وسواء أحسنا الظن أو أسأناه أو قبلنا بهذا الإجراء أو رفضناه فإننا أمام مفترق طريق آخر تحدده قرارات واجراءات وردود أفعال هذا الكتل والأحزاب وهي أمامها ثلاث خيارات رئيسةالأول..أن تستجيب لسياساتها السابقة المبنية على المحاصصة والمحسوبية والطائفية وتقدم مرشحيها على أساس ذلك.الثاني..أن لاتستجيب لهذه الطلبات فلاتقدم أي اسم ولاتتخذ أي جراء سوى رمي الكرة من جديد في ملعب رئيس الوزراء.الثالث..أن تصحح مساراتها وتستجيب لمطالبات شعبية طاغية في التخلي عن سياساتها السابقة وبخاصة المحاصصة ..
أما عن الخيار الأول والثاني فهو بلاريب سيدخل البلاد في نفق مظلم آخر لأنه عكس ماتطالب به القوى السياسية كلها ومن خلفها جماهيرها جهارا وان كانت هذه الكتل لاتؤمن بذلك حقا لأسباب يعرفها القاصي والداني فالجميع يلعن المحاصصة ولكن 90 بالمئة منهم يمارسها بتبريرات وتخريجات متنوعة.في الخيار الثالث وهو أصعب الخيارات يلوح الأمل في تبلور فلسفة جديدة لبناء الدولة المدنية الوطنية، ولكن هذا الخيار الصعب يحتاج الى قرارات وسلوكيات ظاهرة للعيان تجعل منه خيارا حقيقيا وليس تمويهيا أو تخديريا ونقصد بذلك أن هذه الأحزاب ستدعي انها رشحت شخصيات مستقلة من التكنوقراط وأدت ماعليها ..ولكننا نكتشف سريعا أن هذه الشخصيات أعطت الولاء لأحزابها التي رشحتها .وكانت من لونه وتركيبته ..وهو أمر لايخفى على أحد مهما حاولت هذه الأحزاب التعتيم والتكتم ..وبالتالي فإن ذلك يعني أن هذه الأحزاب لم تتخل عن سياساتها المحاصصية والطائفية بل أضافت إليها سوءا آخر ؛ هو الاستخفاف بالمطالبات الاصلاحية والاستهزاء بعقلية الجمهور في ممارسة فيها من النفاق والمنافسة الصلفة والحمقاء الشيء الكثير..إذن ماهي السلكويات الممكنة التي ستضيف قناعة حقيقية اذا توجهت هذه الاحزاب للخيار الثالث..هنا أضع هذه المقترحات والتي يمكن أن تكون ملامح لخارطة وطنية ..خاصة اذا وجدت من يدعمها بين الكتاب والاعلاميين والمفكرين التنويريين ،و السياسيين الذين يحملون الوطن وهمومه فوق كل شيء ..أما إذا لاقت استحسانا من بعض قادة الخط الأول وخاصة المتحررين منهم من عقدة الانتماء الطائفي والقومي والأثني فهو المراد .. ولا أخفيكم أنني فاتحت بعض الفاعلين في الشأن السياسي بقسم من هذه المقترحات والرؤى والتي أراها قابلة التحقيق وخاصة في هذا الظرف التاريخي الذي يمر به العراق..وأليكم سادتي بعض المقترحات والتي يمكن الإضافة إليها فاليد الواحد لاتصفق بقوة..المقترح الأول..أن تجتمع هذه الكتل سريعا فيما بينها سواء تحت سقف البرلمان أو من خلال قادتها وممثليها وأن يتدارسوا بعمق وثيقة الاصلاح وآلية التغيير الوزاري فيضعوا ملاحظاتهم التقويمية في ورقة واحدة ثم يقوموا باختيار سلة الوزارة سوية بعيدا عن التحزبية والطائفية واعتمادا على الكفاءة والقيادية والمعايير التي تم الاتفاق عليها..المقترح الثاني..أن تشكل هذه الكتل بمجموعها لجنة من المستقلين والخبراء والمدنيين والعسكريين الأكفاء والمعروفين بالوطنية والنزاهة ثم تقدم مرشحيها كلهم لهم ليتم اختيار الشخصيات المرشحة وأيضا من دون النظر الى انتماءاتها ..وبعد ذلك تقدم ملاحظاتها المهنية حول البرنامج الإصلاحي لرئيس الوزراء.ثالثا..أن تجتمع كل كتلة على حدة وتعلن على الملأ وبشفافية الوزارات المطلوب تغييرها وتدعو أهل الاختصاص والمهنية والخبرة الترشح بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية والمذهبية وغير ذلك وأن يكون الاختيار وفق هذه المعايير فلا ضير أن يترشح الشيعي أو المسيحي أو الكردي من قائمة سنية ولاضير من أن يترشح السني أو المسيحي أو الإيزيدي أو غير ذلك من قائمة شيعية وهكذا دواليك في كل الكتل ذات اللون الطائفي والديني والقومي ولعل هذه الترشيحات ستعيد بعضا من الثقة المفقودة في نزاهة الاحزاب والحكومة وستزداد أكثر في حال رأى الجمهور نتائج تطور ملموس على الأرض..أن هذه المقترحات الثلاثة ليست مستحيلة وهي قابلة التنفيذ شرط ان تتخلى الأحزاب عن نفسها الطائفي والمحاصصي بل ستكون فرصة تاريخية لهم لاستعادة الثقة من جهة ولبناء العراق من جهة أخرى ..أما من يتكلمون عن خطوط حمراء في تغيير المناصب من حزب ما فهو إما مصاب بعمى الألوان أو أنه لايفهم معنى الخط الأحمر فالدول الديمقراطية ليس فيها خطوط حمراء في تسليم السلطة أو الاستقالة أو الانسحاب والماضي القريب جدا فيه أكبر دليل..