لا زالت تداعيات قانون التقاعد الموّحد العام الذي أقرّه مجلس النوّاب العراقي يوم 3 / شباط / 2014 , تتفاعل على كافة المستويات الرسمية والشعبية , ففي الوقت الذي استنكرت فيه جماهير الشعب تشريع هذا القانون الذي كرّس الامتيازات الخيالية ( للصفوّة ) الحاكمة , جائت الضربة القاصمة من المرجعية العليا في النجف الأشرف , التي اعتبرت تشريع هذا القانون عدم احترام لإرادة الشعب والتفاف صارخ على مطالبه العادلة , والبيان الذي أصدرته المرجعية العليا وتلاه معتمدها الشيخ عبد المهدي الكربلائي في صلاة الجمعة , قد وضع الأحزاب الشيعية التي صوّتت على هذا القانون في موقف لا تحسد عليه , فالبيان قد جاء واضحا وصريحا في إدانته المباشرة لمجلس النوّاب العراقي الذي اقرّ هذا القانون والأحزاب التي صوّتت لصالح المادة التي منحت الامتيازات للطبقة السياسية الحاكمة , ( طبعا هنالك تشويش متعمّد على رقم هذه المادة من قبل هذه الأحزاب التي صوّتت لصالح هذه المادة من أجل خلط الأوراق وطمس الحقيقة ) .
والأحزاب الشيعية التي تشّكل التحالف الوطني العراقي , أصبحت بموجب بيان المرجعية العاليا , خائنة للأمانة والمبادئ وغير جديرة بثقة الشعب وتمثيله , وهذا هو سبب الإرباك والتخّبط الذي وقعت فيه هذه الأحزاب , وفي خطوة خاطئة هي الأخرى , أسرعت هذه الأحزاب لإعلان برائتها من هذا القانون والتنّصل منه وإنكار التصويت عليه , بطريقة زادت من المأزق الذي تعيشه , وزادت من ازدراء الناس لهذه الأحزاب النفعية واللاوطنية , متوّهمة أنّ إعلان البرائة والتنّصل من القانون وإنكار النوّاب المصوّتين له بنعم , سينقذهم من هذه الورطة , معتمدين على شرف وأمانة رئيس مجلس النوّاب بعدم كشف أسمائهم وكتلهم , متناسين أنّ رئيس مجلس النوّاب ليس من حقه ولا من صلاحياته إخفاء الحقائق عن الشعب بموجب الدستور العراقي , فإذا كانت هنالك ضرورة لجعل أي جلسة من جلسات مجلس النوّاب سرّية , فهذه الضرورة يبّت بها مجلس النوّاب نفسه وليس رئيس المجلس , كما جاء في نص المادة 53 أولا من الدستور العراقي ( تكون جلسات مجلس النوّاب علنية إلا إذا ارتأى لضرورة خلاف ذلك ) , فالأسماء ستنشر عاجلا أم آجلا , وسينشر كذلك مشروع القانون الذي تقدّمت به الحكومة ليعرف الشعب من هو الصادق والكاذب , والشعب حتما سيطّلع على كافة الحقائق المتعلقة بتشريع هذه الامتيازات الكارثية .
فليس من الحكمة أن تنكر الأحزاب الشيعية موافقتها على هذه الامتيازات , وليس من الرجولة أن ينكر النوّاب تصويتهم عليها , ولا أريد أن أذكر أعضاء كتلة ائتلاف دولة القانون بكلام النائب حسن العلوي الذي قال فيهم ( حنان الفتلاوي هي الزلمة الوحيد في دولة القانون ) , فالشجاع من يخرج ويقول أنا صوّت بنعم لصالح هذه الامتيازات في لحظة ضعف فضّلت فيها مصالحي الخاصة على مصالح الشعب العامة , وإني أعتذر للشعب العراقي على خيانتي للأمانة والثقة التي منحني إياها هذا الشعب , فلا يعقل أن يكون نوّاب التحالف الكردستاني شجعان وصادقين أمام ناخبيهم , و نوّاب التحالف الوطني جبناء وكذّابون أمام شعبهم , ألم يقف هؤلاء النوّاب على قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم ( تحرّوا الصدق وإن رأيتم أنّ فيه الهلكة فإنّ فيه النجاة , واجتنبوا الكذب وإن رأيتم أنّ فيه النجاة فإنّ فيه الهلكة ) , وعلى هذه الأحزاب اللا إسلامية وهؤلاء النوّاب أن يعوا أنّ حبل الكذب والخداع قصير , وإنّ النجاة في الصدق , واحترام إرادة الشعب .