13 أبريل، 2024 4:31 م
Search
Close this search box.

الأحزاب الدينية ، ودورها في دخول الناس في الإلحاد أفواجا !..

Facebook
Twitter
LinkedIn

يذكرني هذا الموضوع بظاهرة إنتشار المد الإلحادي على نطاق واسع في أوربا وإمتداده حتى أيامنا هذه بعد إنتهاء حكم الكنيسة بعصورها المظلمة ، كردّ فعل عنيفٍ بقدَر عنف تصرفات الكنيسة التي كان همّها الإستئثار بالسلطة والأنهماك بالنهب وإفشاء الخرافات والجهل والتخلف كسلاح للبقاء مهما كان الثمن ، فكانت تبتدع الكثير من الأكاذيب والسنن ، وتقمع وتقتل وتحرق بإسم تعاليم السيد المسيح (ع) وهو منها براء ، ومن جرائمها الكبرى أنها كانت السبب المباشر لإنتكاس حقوق لإنسان التي جائت الأديان لأجلها ، وتدهور التطور والعلم ، وذلك بمحاربة العلم والعلماء العظام مثل كوبرنيكوس وبرونو وغاليليو والمئات غيرهم من الذين قضوا متعفّنين في السجون ، أو ضحايا خوازيق الحرق ، أو بالنفي ، تحت شعار الهرطقة (Heresy) أو الكفر ، في ظل كنيسة تنظر لآلات تعذيب ينفر منها حتى إبليس بنفسه على إنها أدوات لتطهير الروح ! ، رغم إننا عندما نراجع علوم هؤلاء العلماء وفلسفتهم ، لا نجدها تتناقض قيد شعرة مع نصوص الكتاب المقدّس ، بل على العكس ، وجدنا أن تراث هؤلاء العلماء يدعو للتأمل والتفكّر بالدور الربّاني الذي لا يحدّه شيء في مسألة الخلق ، واللامحدودية هي التي تحث على البحث والتقصي والفضول العلمي ، وكان القيّمون عن الكنيسة بمنتهى التخلف ، فعلى سبيل المثال ، حاربوا بلا هوادة الإدعاء المدعوم بالبرهان العلمي ، أن الشمس مركز المجموعة الشمسية وأن الأرض كوكب تابع كسائر مجموعتها يدور حولها ، فكان جوابهم أن ذلك كفر ، فلا (يُعقل) أن تكون الأرض تابعا يدور وهي مهد السيد المسيح ، فما كان من (غاليليو) العظيم ، ذلك الشيخ الحكيم الذي لا يحتمل جسده الهَرِم التعذيب إلا أن ينكر إدّعاءه ، فعفوا عنه ، ولكنه عندما غادر بوابة محكمة التفتيش (Court of Investigations) السيئة الصيت ، رمق السماء بنظرة قائلا (ولكن الأرض رغم ذلك تدور) ! ، هكذا بنوا وجودهم على الجهل والإستنتاجات المريضة والمنطق السقيم ، ثم جعلوها تعاليما دينية تتناقض مع العلم الكافر !.

ومثلما أدين في قرارة نفسي تصرفات الكنيسة ، وهي تصرفات أعلم مدى بعدها عن المسيحية الحقة ، إلا إني أدين أيضا ردود الفعل العنيفة بعد إنهيار حكم الكنيسة في عصر النهضة ، كونها غير متزنة أفرزت أفكارا تغلب عليها صفة الإنتقام من العصور المظلمة ، وساد المنطق العام من إن الأديان هي التي تقود للظلم والتخلّف ! ، وغاب عنهم أن المشكلة الحقيقية تكمن في البشر ، وبالذات من يدّعون الدين ، وليس الدين بحد ذاته .

لقد سِقت هذه المقدمة بسبب إنتشار ظاهرة غير معلنة إلا أنها تعتمل تحت الرماد في العراق ، إنه رد الفعل على تصرفات الأحزاب الدينية بمجملها في العملية السياسية ، إنها عين ظاهرة العصور المظلمة التي عاشتها أوربا ، فالنهب والإثراء غير المشروع ، والإستئثار بالسلطة والجاه ، ورجال محسوبون على أحزاب وتيارات وكتل دينية يتكالبون على الكراسي ، معممون أم أفندية تحت شعار الدين ، إلى درجة تثير تساؤل المواطن وهو يرى بأم عينه التناقض الصارخ بين أهم التعاليم الدينية كالزهد والتواضع ، وبين الترف والبذخ والتهافت على الأضواء بمواكب فارهة مليئة بالحاشيات والبطانات ، وسكنهم في القصور التي لا يحلم بها قيصر وكسرى ، وأنهماكهم في بناء الجداريات ، ذلك الأسلوب الصدّامي بإمتياز بكل ما به من تحدّ وحرب نفسية وذكريات عن ماض ظالم مؤلم ، وجعلهم من أنفسهم القاضي والجلاد في نفس الوقت ، فيسأل المواطن نفسه ، إذا كانت تصرفات هؤلاء (القريبون من الله) كما يُفترض بهذه الطريقة ، وتحت ظلالهم قامت أسوأ دولة في الأرض بإرقام قياسية عالمية في  الظلم والفساد والمحسوبية والتخلف والتخبط السياسي والأمني لنظام يُفترض أنهم قادته ، وقد أثبتوا فشلهم في إدارة مشروعهم منذ البداية ، ولا زال الفشل يقود إلى فشل ، فما موقعي أنا ؟ على مَن يكذب هؤلاء ؟ على الله !؟ ، أي صلاة وتعبّد يقبلها الله ؟ مني أم منهم !؟ .

والخطر أن تقترن هذه التساؤلات بسوء الظن بالله العادل ، من قبل الشخص الذي لا يحمل تحصنا روحيا ، أو مناعة يفرضها الوعي والثقافة الدينية ، وهم يرون تقلّب تجار الدين في البلاد ، وإستيلائهم على الأملاك والأراضي والعقارات ، بحيث يفهم أنهم جاؤوا للأنتقام والإثراء ، لا للبناء والإصلاح ، بعمامة وجبة لا تعدو إلا كونها عُدة (للبزنس) ! ، وسيكون التنافر منهم بلا شك على أشدّه بحيث يحرق الأخضر واليابس ، وسيخالف معارضوهم أية صفة يتصف بها تجار الدين أولئك ، وسيتمردون عليها ، حتى لو كانت العبادة والقرب من الله ، والله بريء من الفريقين !..

يا له من حساب عسير ذلك الذي ينتظر من يدّعي الحفاظ على بيضة الإسلام قولا ، لكنه يفتتها فعلا يوم يقف بين يدي الله ، لأن أمثاله أدخلوا الناس في الإلحاد أفواجا ، بدلا من التصرف فعلا لا إدّعاءً فحسب ، ذلك الذي يقود للهداية طوعا ، إلى درجة إفقاد العراقي حصنه الروحي والديني برغم كونه قريب من الدين على الأقل كعادة متوارثة ، مع وجود عشرات الأضرحة والرموز المقدسة الشاخصة في بيئته ليتوجّه للإلحاد ، فكيف بالأجانب بخوائهم الروحي ، وهم يرون جرائم (داعش) التي لا ترتكبها حتى الوحوش المختلّة عقليا ؟!.

ثم يأخذ المتوجّه للإلحاد منحىً أكثر شمولية ، فيرى العالم منقسم بين دول مؤمنة لكن متخلفة وذات أنظمة سياسية فاسدة ومنتهكة لحقوق الإنسان ومُقيدّة للحريات وذات إقتصاد متدهور وتعيش على حافة الفقر ، وبين دول ملحدة متطورة تكنولوجيا وسياسيا وحتى إجتماعيا وغنية وذات حرية متاحة للجميع ، فيربط تلك الأوضاع بالدين ، دون بذل عناء وضع اليد على الجرح ، من أن الأنسان هو السبب ، بالذات رجال الدين والأحزاب الدينية ووعاظ السلاطين المأجورين ، فبدلا من إستقطابهم للناس بالفعل لا بالقول ، نفّروهم من الأديان لأنهم ضربوا أسوأ الأمثلة بنزوعهم للتشدد كضرورة للبقاء ، وتركهم أقدس ما دعت إليه الأديان بمجملها ، كالحث على العمل وطلب العلم والبحث وخدمة المجتمع والنزاهة والصدق والزهد والتعاون وكف الأذى والتسامح والتواضع ، تلك هي الآفة الحقيقية التي تُغذي ماكنة الإلحاد ، ثم يأتي دور العولمة في غسل الأدمغة ، بقنواتها التي لا عدد لها ، وهي تحث على الخروج عن التقاليد البشرية العامة ، وتشجع المثلية ، والإنحلال الأسري والإجتماعي ، وتمجد الإلحاد ، بإعتباره علة التفكير الحر !.

في كل العمليات السياسية ، العراقية منها والعربية وحتى العالمية ، لم أجد حزبا دينيا واحدا ، حقيقيا وناجحا وذو قاعدة عريضة ، فأما أن ينزلق الحزب الديني إلى أحابيل السياسة الحديثة ، بكل ما فيها من نفاق وعفونة وتكالب وإنتهازية وتملق الأقوى ، وبالتالي الأستئثار بالسلطة ، أو أن يثبت على مبادئه ، ليكون مغردا خارج السرب ومعزولا في عالم بلا مبادئ ، لأن الدين نهج حياة وأخلاق ويقظة إنسانية ووجدانية ونماء للفطرة السليمة ، إنه العلاقة السرية المقدسة بين العبد وربّه ، وإلا صارت رياءً ، وكلٌ يفهم خالقه على طريقته ، ألم يقرأوا التاريخ فتعلق في ألسنتهم مرارته اللاذعة ، وهم يرون أن عليّا قد وضع قاعدة (إن الإنسانَ إذا مَلَكَ ، إستأثر) ، واتضح أن عليا وحده ، كان إستثناءً لهذه القاعدة ! ، والمفارقة أنه أستشهد على يد (سود الجباه) أولئك ! ، فأين هم من عليّ ؟ أين هم من أي رمز تاريخي أو ديني ذلك الذي تزخر بهم أرض الرافدين ؟! ، هل حاولوا يوما تقصّي قاعدتهم الحماهيرية دون مواكب وإمّعات وحرس ، فينزلوا متنكرين إلى الشارع ، ليستشفّ الحقيقة على لسان أبسط الناس عن رأيهم بهم ، ولكن أنّى لهم التنكر ؟ فهل يخفى القمر ؟ !.

فيا أيها السياسي ، إذا أردتَ لموجة الإلحاد أن تنحسر ، فما عليك إلا أن تبهر الناس بصدقك وأمانتك ، بعلمك وعملك ، بنزاهتك بكرمك ، بتسامحك بزهدك بتواضعك ، بحبك للناس وحرصك عليهم ، وعندما تُسأل عن خصالك ستجيب (لأني مسلم أخاف الله) ، عندها ستستقطب الناس ، حتى لو لم تكن منتسبا لحزبٍ ديني!

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب