دوامة وإعصار وزلزال، بدرجة الأنجراف والتبعثر والتشضي، يضرب العملية السياسية مؤخراً في العراق، التجاذبات والتحديات وقرب حلول الإنتخابات، قد تكون مصدر ما يحصل، فضلاً عن السعي الحثيث الى تَسِيُد الموقف والشارع العراقي، وعلى شاطئ هذا الواقع المبهم سياسياً، والمكتظ بالأحداث المتسارعة، باتت الأحزاب والكتل السياسية الإسلامية عارية..! بعد إن أزاحت ستار الكواليس، وخلعت ثياب حشمة الإنطواء على رجالها ومقاراها، فتعددت المسميات والألوان والأجساد! وهنا جلس الجميع ينصت الى ما يقال وما لا يقال.
يُقال: إن الأحزاب والكتل الإسلامية، هي من أحدثت الأزمة في العراق!
ما لا يُقال: بأن تلك الأحزاب والكتل الإسلامية، هي من أخرجت العراق من مغبة ما بعد عام 2003، لتُحدث به عملية سياسية جديدة، وحكم سياسي جديد يتسم بالمساواة والديمقراطية واحترام وضمان حقوق الشعب بمكوناته ومذاهبه وأطيافه، والعمل على إقتياد البلد الى حيث تشكيل الجمعية الوطنية، والحكومة الإنتقالية، والعمل على إجراء إنتخابات تشريعية، يشارك بها الشعب بحرية، ولأول مرة في تاريخ الشعوب والبلدان العربية والمنطقة، بالإضافة الى المحافظة على بقاء العراق، دولة قادرة على قيادة نفسها، بعد التخلص من غول الإحتلال الأميركي المفروض عليه عالميا!
يُسلامية .. ما يُقال وما لا يُقالقال: الأحزاب والكتل الأسلامية هي من أضاعت البلد!
ما لا يُقال : إن تلك الأحزاب والكتل الإسلامية، هي من حفظت العراق من أخطر فتنة إجتاحت البلد! على صعيد خطر الإقتتال الطائفي عام 2005 – 2007 ، وكذلك حفظته من أخطر إحتلال ضرب البلد عام 2014، جاء لقتل الإنسانية والحياة فيه، فكثيراً منهم من يمجد ويرتمي بأحضان “الحشد الشعبي”، متناسين بأن الحشد خرج من رحم تلك الأحزاب والكتل الإسلامية!
يُقال: إن المحاصصة التي بُنيت عليها التيارات والكتل السياسية وجودها هي أهم مشاكل الجماهير!
ما لا يُقال: بأن أغلبية الشعب العراقي، تحزب قلبياً وإن لم ينتمي! وإن العامل الأساسي الأول الذي يعمل على ديمومة إستمرار تلك المسميات هم الجماهير..! بالإضافة الى إن هنالك من الجماهير خرج في مظاهرات وإعتصامات من أجل المطالبة بحماية الاحزاب والكتل الصغيرة من شبح قانون الانتخابات (1.9)! متناسين بأن هذا القانون سيقلص عدد تلك الأحزاب والمقرات في الشارع العراقي!
يُقال: بأن الحكم الإسلامي فشل في العراق، ولابد من استبداله بأخر علماني يدعوا للمدنية!
ما لا يُقال: بأن الحكم الإسلامي، هو الداعي الأول لدولة مدنية..! تحفظ وتحترم حقوق الأقليات والقوميات والمذاهب والديانات الأخرى! ومتناسين بأن أساس الحكم هو المواطنة، والمواطنة خرجت من صلب الإسلاميين، الذين بذلوا دمائهم وأموالهم وأعمارهم من أجل تحرير العراق، في وقت جلس فيه العلمانيين ينتظرون إنتهاء المعركة، ليطالبوا بغنيمة الحكم بأسم المواطنة..! ومن المخجل إنا بحثنا طوال ثلاث سنوات بين التضحيات والعطاء والدم والحرب، فلم نجد بندقية علمانية شيوعية ثائرة من أجل الوطن!
يُقال: الأحزاب الإسلامية جميعها جعلت من جهادها ثمناً لنهب ميزانية الدولة، وما يوهن بقاءها، بما يشمل قانون رفحاء وإمتيازاته!
ما لا يُقال: بأن قانون رفحاء ليس هو الوحيد على الساحة التشريعية، فمن تلك القوانيين ما يُقر مادة 140 للأكراد! وما يقر رواتب وإمتيازات وتقاعد الفدائيين والبعثيين وشيوخ الاسناد والصحوة! متناسين بأن من أوجد القانون شخصا وحزب حاكم واحد، إنتخبته الجماهير بواقع مئات الالاف من الأصوات! لثمان سنوات عجاف عجاب! ومن إنجازاته هذا القانون الذي يرون فيه ظلمهم وإجحاف حقوقهم، ومن العجيب أن ينتقد القانون دون أن ينتقد الحزب والشخص الراعي للقانون!
يُقال: بأن التيارات والكتل الإسلامية هي وباء وسرطان الفساد المستشري، ولابد من الذهاب باتجاه الحكم العلماني في العراق!
ما لا يُقال: بأن هنالك العدد الكبير ممن توزر أو ترأس الوزارات والمناصب الحكومية، كان من التيار العلماني، ومنهم من فشل في ادارة الدولة..! ومنهم من افسد في مباني الدولة، واخرها ما حكم به القضاء العراقي على وزيرة الزراعة السابقة عن الحزب الشيوعي، في وقت تجد هنالك عدد من الاسلاميين التياريين، ممن نجحوا في ادارة الدوله من حيث وجودهم وعملهم!
يُقال: بأن الحكم العلماني هو الأنسب للدولة العراقية!
ما لا يُقال: بأن تجربة الحكم العلماني في البلدان قد فشلت فشلا ذريعا..! وخاصة في البلدان التي صدرت مفهوم العلمانية للعالم! فتجد أغلب الدول العالمية اليوم تعتمد في سياستها على تعاليم الكنيسة المسيحية، أو المعبد اليهودي بعيداً عن العلمانية..! كما وإن التجربة العلمانية في العراق هي من أوجدت الارهاب! وزرعت بذرته بين الجماهير، خصوصا بعدما عمل العلمانييون في وقت الفسحة الحكومية في زمن “عبد الكريم قاسم”على إقصاء وتهميش وقتل الإسلاميين في شوارع بغداد والمحافظات، فكان الفكر العلماني، منأشد الانظمة انكاراً للشريك السياسي، ومن أعظمها ممارسة للإرهاب والقتل وسفك الدماء!
وأخيراً؛ ما بين ما يُقال وما لا يُقال: نجد بأن التيارات والأحزاب الإسلامية، مع الجزم والإعتراف بتسجيل فشل بعضها في إدارة الدولة، لكن نستطيع أن نقول بأن: تلك الأحزاب فشلت كأشخاص وليس مسميات أو أسس أو متبنيات..! وبنفس الوقت لا يمكن أن نحصر جميع تلك التيارات والأحزاب والكتل، في دائرة الفشل التي نعزوها للأشخاص، ففي الوقت الذي نتكلم به عن إخفاق في إدارة الدولة، من قبل تلك المسميات، لابد ان ننصف الحقيقة ونتكلم عن إنجازات لها كانت هي الفيصل في بناء وبقاء الدولة في العراق، خاصة بعدما تهيأت كافة السبل والأدوات اللازمة للإقتتال الطائفي والضياع السياسي بوجود الإنفلات الأمني والفراغ الحكومي في البلد..