22 ديسمبر، 2024 2:22 م

الأثر والتأويل في خطاب “شلال عنوز” الشعري

الأثر والتأويل في خطاب “شلال عنوز” الشعري

شاعر وجداني يحرك المشاعر ويتناغم مع المفهوم الإنساني

– جمله الشعرية توحي بدقة البناء وفنية الصورة والتماسك اللفظي

تشكل قصائد “شلال عنوز” الخطاب الذي يوصف بماوراء الحدس ، أو “خطاب الروح”، وهو أداء متقن العاطفة ،صادق الاحساس، طبيعي، لايخالجه الانفعال أو التشنج باستخدام المفردات، يقف على حالة الحدث ويعالجها من عدة نواحي ، ليس أقلها ما يخالج النفس ويتوافق مع ما يداخل المجتمع من شعور.

يكتب ” عنوز” بموهبة واضحة جلية للقراء، وهي صفة نابعة من صدق الانتماء الذي هو عليه للوطن والقضية الشعرية بمختلف أوجهها وألوانها، وتتعدد عنده الصور الشعرية التي يُحملها مشاعره بصدق الوجدان ،لذلك نجد أبياته وقد ظهرت تحمل فيضاً من العواطف النبيلة التي يتشارك بها وقراءه من مواضيع.

يعكس “شلال عنوز” في شعره صوراً مرئية قادرة على محاكاة الوجدان ، تنبئ بالموائمة مابين الشعور واللاشعور، فقد يورد صورة خيالية يعبر من خلالها بدقة عما تمثله على الواقع من حدث، أي يعمل على تضمين قصائده (التأويل) لتظهر الصورة واضحة بما تحمل من انعكاس ذاتي يصف من خلاله ما يريد ايصاله للقارئ.

يداخل “عنوز” الصورة الشعرية التي يوظف مضمونها في قصائده  مع  عناصر عدة منها التاريخي، والإنساني، ولا يتوانى عن توظيف الأثر الديني في خطابه الشعري ، ماينتج تنويعاً في الخطاب الذي يريد له أن يكون مقرباً من ذهن القارئ، وتلك صيغة خطابية قد تكون نادرة في القصيدة الواحدة.

(عندما يبكي الماء)
أيها الماء
لا تكترث لهذا اللغو
الهمجي
فصوتي هو الحقيقة
الآتية من
أعماق بابل
تشظيات كلكامش
وجع علي
حرارة دم
الحسين

تمتاز قصائد شلال عنوز بالتماسك اللفظي والتكويني، و يسعى دائما ليجعل نتاجه الشعري متكامل مستوفي لشروط توظيف عناصر البناء الفني للقصيدة ، الدالة عنده واضحة المعالم يرادفها جمال الايقاع الموسيقي الذي ينم عن صيغة شعرية تتناغم والمفهوم الإنساني. يحاكي شلال عنوز الواقع وقضاياه في قصائده التي يكتبها بالتزام يوحي بالتعبير بما يمليه  الغرض الوجداني كصيغة يؤطر بها شعره. ومن الالتزام بثوابت البناء الشكلي والجمالي الذي احتوته قصائد عنوز ، نجد أن شعره يمتاز بعذوبة الطرح وشمولية الحدث، ولتكتمل عنده الصورة التي تجسد المعنى العام للحدث الذي يبني عليه حبكة القصيدة، من ذلك اسميته شاعر ” الواقعية ” وهي صفة ملازمة للنهج التوصيفي الذي يلازم شعر شلال عنوز.

كل ذرة رمل

تريك مصرع عشقها

تنتحب باكية هذا

الانهيار

الانحدار

هذا المأزق المريع
عشية يوم بكته السماء

وحدك تبكي

دما

وجعا

صارخا:

أين الوطن ؟

جاء “عنوز” بصور شعرية مستوفية للبعد الإنساني الذي تتداخله الأحاسيس، ولتكون تاثيراتها محاكاة لما يجول في نفس القارئ ، فهو يعتمد صياغة أبياته وفق البعد الإنساني الذي تمثله القضية التي يبني عليها اشكالية القصيدة. وهذه قيمة عليا في شعر (شلال عنوز)اعتاد عليها القارئ كنهج اختص به عن غيره. وفي ذلك فإن معظم قصائده جاءت مبنية على تفاصيل حدث معين شكل عنصراً هاماً في بناءها الفني المتقن، وكانت قريبة من نبض القارئ الذي يتفهم بعد القضية التي يكتب عنها عنوز.

من يبكي معك ؟

أنت ضحية

جنون السلطة

ربما شارك شعراء أخرين فيما ذهبوا إليه من تضمين قصائدهم المتضادات اللغوية، وهي صيغة يظهر من خلالها الشعراء شكل الاختلاف المرن في النص الشعري، لتظهر الصورة مكملة لجمالية الكلمة وتناسق المعنى على الرغم من اختلاف التوظيف اللغوي وتقارب المضمون ومنها (، الحلم والرؤيا ، الحاضر والتخيل ، اختلاف الألوان،الماضي والمستقبل ، الحياة ومرادفاتها وذلك ما يشكل نسقاً جمالياً ينتظم فيه السياق التكويني للخطاب الشعري.

أقبّل جِيدَ الفجر …ولا أَمِلُّ
وينداح نهمي مُتبرّجاً
عبر بوابة الجبلين
يشم عطر المواعيد
وهذا القلب الباسط ذراعيه
في ملكوت التجلّي
ستجدينه ينتظرك
عند محطات السهر
يصارع حِمَم الوقت

ولأن الشعر مرتبط بالاحساس والتعبير عن ما يجول في النفس البشرية لذلك أتصف بالواقعية، وهي الصفة التي عليها شعر شلال عنوز، فهو شاعر ينتمي للمدرسة الواقعية التي تشمل فيما تشتمل التعبير عنه الترابط التاريخي للحدث والقضايا الوطنية والاجتماعية التي تتعلق بحياة المجتمع بشكل عام.

عمل عنوز على سمات التجديد في  شعره ليواكب التغييرات التي جاءت بها الحداثة، فهو شاعر محدث يسعى لبناء قصيدته وفق بناء هندسي رصين في الشكل والمضمون عبر استخدامه للغة متقدمة في خطابه الشعري تتوافق والمفهوم السردي الذي يوازي الغاية التي يكتب بها بعيدا عن أن تكون الوسيلة هي التي تسيطر على مضمون الخطاب الشعري.

وعندما يفتح نافذة الحُلم
تحلّق هدهدات النسيم
فنحتشد حدّ التوهّج
لماذا تنامين على ذراعي غافية الهمس ؟
هلّا ترقصين في جبّ نشوتي
لنغرق نحن الاثنان
في انهمارات فنارات الشروق
نطوف بأمواج شغف الحنان
حدّ الاخضرار

قد يوصف شلال عنوز بأنه شاعر يحسن اختيار الجمل الشعرية الموحية بدقة البناء وفنية الصورة، ذلك أن الدلالة الشعرية في قصائده تشكل نمطاً للذات المتألمة الصادقة في تعبيرها عن هموم القارئ، فهو شاعر وجداني واقعي يحرك المشاعر ويتفاعل مع القارئ عبر أبيات قصائده ، وكانه يخاطب القراء بصورة مباشرة.

أبدع في قصائده الوطنية التي تحاكي تراث وتاريخ الوطن وأهله كما في رائعته (وبكى الماء) التي قدم فيها بكائيتة الرائعة والتي تحمل التناظر في طياتها ما بين الاحساس الجمعي والشعور الشخصي، وهي قصيدة حملت نضجاً عالياً وبلاغة دقيقة في التصوير والأداء.

الوطن الذي سيهزم الضجيج
غالٍ أنت يا وطني.
أنت العيدُ أيها الوطن.
وهناك عناوين القصائد المضمرة والضمنية في الوطن, من مثل:
أيها العيد الذي صادرته المجازر.
وبكى الماء.
 أُمّنا

شلال عنوز، شاعر وقاص وروائي، ولد في محافظة النجف الأشرففي العراق، حاصل على شهادة البكالوريوس في القانون، وهو عضو إتحاد الأدباء العراقيين والعرب، وعضو مؤسس في اتحاد أدباء النجف، ونائب رئيس الاتحاد وعضو هيأة إدارية حالياً، وهو عضو في اتحاد الصحفيين العراقيين، ونقابة المحامين، واتحاد الحقوقيين،له حضور فاعل في المشهد الثقافي العراقي والعربي

حصال على العديد من الجوائز التقديرية خلال مسيرته الأدبية منها: درع الجواهري للإبداع من اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، ودرع المحامين الرواد من نقابة المحامين العراقية، كما حصل على جوائز تقديرية.

صدرت له مجاميع لشعرية عديدة منها: (مرايا الزهور)، (الشاعر وسفر الغريب)، (وبكى الماء)، (السماء لم تزل زرقاء)، (امنحيني مطر الدفء)، وله رواية بعنوان (وكر السلمان)، ومجموعة شعرية مخطوطة بعنوان: (يا أيها المحتمي بالأرق).

تُرجمت بعض أعماله إلى اللغات الانكليزية والكردية والفرنسية والإيطالية، ومنح في عام 2017 شهادة الدكتوراه الفخرية في اللغة العربية وآدابها من قبل الهيئة العلمية في مركز الحرف للدراسات العربية في جامعة ستراتفورد الأمريكية لاسهامه في إثراء المكتبة العربية وأبداعه وتميّزه الشعري ولترجمة نصوصه الى اللغات العالمية.