23 ديسمبر، 2024 12:33 ص

نصادف أحياناً أشخاصاً يجذبون انتباهنا من ناحية تفانيهم في عملهم وسماحة أخلاقهم وعفة ذمتهم. فمن الناس من يكد ليل نهار من أجل لقمة العيش الحلال وتأمين سبل الحياة السعيدة لعائلته، ومنهم من يتمادى في ذلك حتى يصبح محل لعنة الجميع.

في حيينا رجل موظف حكومي بسيط يعيش على راتبه الشهري التي يتقاضاه من الدولة في نهاية كل شهر. عائلته مؤلفة من 3 أولاد وبنتان وهو ينتظر حلول موعد الراتب بفارغ الصبر كي يوفي بالتزاماته تجاه المحلات التي يقترض منها دوماً. إنه يفعل ما بوسعه لإسعاد أفراد أسرته ويبذل قصارى جهده في سبيل أن ينعموا بحياة مرفهة رغيدة. لا يبخل عليهم بشيء أبداً حتى قام قبل أربعة أعوام بهدم بيته القديم وبنائه من جديد بطراز حديث جداً. استوحى فكرة خارطة البيت من البيوت الأوربية وقد جهز البيت بأحدث الموديلات من الأثاث والمطابخ وأسرّة نوم ومن أشهر الماركات العالمية. إنه يسعد جداً بأن يشاهد أولاده ينامون على فرش ناعمة كريش النعام ويستخدمون أجود أنواع الأجهزة المنزلية من مكيفات وتلفزيونات وغيرها من وسائل الترف.

إنه رجل طيب يعتمد على راتبه الشهري فقط لا غير في إدارة أمور حياته وهاجسه الوحيد تخلفه عن تسديد ما يترتب عليه من التزاماته المالية تجاه الأسواق التي في الحي وغيره في حال تأخر الراتب الشهري. أنه يهتم جداً في إرضاء جميع أفراد عائلته ولا يترك في نفسهم شيئاً لا يحققه لهم ولا يتركهم لمذلة الحرمان الذي عاشه هو في صباه.

قبل عام عرض أحد الجيرة بيته للبيع. البيت هذا ركن وبموقع جيد جداً قام هذا الرجل الشهم بشراء البيت القديم وقام بهدمه وتسويته مع الأرض. سألته عن فكرته فقال إنه يريد تأمين مستقبل أطفاله فهو اشترى البيت وسيقوم ببناء بيتين من طراز حديث استعداداً لتزويج أبنائه الأحباء. اليوم وقد بلغ البناء مرحلته النهائية وهو على وشك الانتهاء منه قريباً جداً شاهدته واقفاً أمام البناء الجديد يفكر باللمسات الأخيرة والديكور الخارجي. البناء بالطابوق الأحمر وإن كان غالي الثمن إلاّ أنه مقاوم للحر والبرودة أكثر من البلوك وإن رخص ثمنه. فعلاً إنه بناء يبهر الناظرين إليه وقد قمت بتهنئته على هذا البناء الذي أنفق عليه الملايين.

حقاً إنه رجل مثالي في هذه المرحلة الصعبة. فهو يلتحق بوظيفته صباحاً ويعمل حتى ساعات الظهيرة منتظراً رأس الشهر ولا يتأخر في تسديد أي دين على عاتقه أبداً. كم نحن بحاجة لأن نكون مثله في هذا الزمن من الفلاتان والفوضى. من منا لا يتمنى أن يكون أباً مثالياً يحقق لأبنائه كل ما يصبون إليه. وكم منا استطاع أن يكون أبا حنوناً مثله؟

كتابة الموضوع حضر في بالي بعد أن شاهدت اليوم إبنه الصغير الطالب في إحدى الكليات الأهلية كأخوته الأخرين وهو يقود سيارة شوفرليت نوع كامارو موديل 2021 حمراء اللون. إنها سيارة بهية تسر الخاطر ومجرد النظر اليها يشرح الصدر. إنه فعلاً أب مثالي ومن الطراز الخاص حين يفكر بإسعاد حتى أصغر أولاده بسيارة لا يستطيع شرائها الا من أوتي حظاً عظيماً. يا عيني عليك أيها الأب المثالي.