العمارة التي نقول عنها بأنها (الشاهد الصادق الحقيقي لما مر من أحداث وتطورات عايشتها مجتمعات وحضارات سالفة) ، فهي التي تجمع بداخلها العديد من عبق المشاعر والصفات المتميزة التي تعبر عن مواءتها لظروف عصرها بيئياً ووظيفياً وإبداعياً. وقد سبق وأن ذكر هيغل Hegel “بأن المتعة الفنية يمكن تفسيرها بمدى إمكانية التعبير عن الأحاسيس البشرية التي ينقلها العمل الفني الى المشاهد”. ويقصد بذلك هو ما يجعل المتلقي يدخل في تجارب حسية عاطفية دون أن تكون نتيجة لحدث واقعي في حياته.
ويعتقد هيغل بأن العمارة هي أثقل الفنون وأصدقها لأنها ترمز إلى الترابط الإجتماعي بين أفراد الشعب .. وبسبب إختيارها لوسط وطريقة التعبير، فهي ترتبط بعصر الرمزية.
وعندما شعر الأنسان بدافع للتعبير عن أفكاره وعواطفه بطريقة رمزية وبتجسيد مادي، أنشأ مباني بجدران سميكة وأعمدة ضخمة، كالمعابد والزقورات والأهرامات والكاتدرائيات والمساجد.
أن المتعة بالعمل الفني تأتي من خلال التجارب النفسية التي يمر بها المتلقي لهذا العمل، دون أن يكون جزءاً من الحدث المسبب لها. كما تأتي من إعجاب المتلقي بالعمل الفني، عندما يدرك هذه الطاقة التعبيرية التي شحنها الفنان فيه.
والتاريخ له إبهاره الخاص. فالزائر للمناطق والمباني التاريخية والتراثية يتحسس بعبق هذه المواقع والمباني، لما تحمله من تاريخ حضاري طويل، سواء في فترة إنشائها أو خلال سنوات عمرها، وما مر عليها من
أحداث وشخصيات وحضارات، إن كان ذلك في مدينة بابل التاريخية أو أطلال الكرنك في الأقصر أو البارثينون في أثينا أو الكولوزيوم في روما .. وكأن المشاهد يتحرك أمامه فيلم خيالي تصويري عن عظمة وجمال وإبهار لازال شاخصاً، يذكر ما سيأتي من أجيال عن تلك الحضارات حيث تكون هذه المشاهد مرجعاً تاريخياً ومعمارياً على مر العصور.
وفي الخلق المعماري هنالك مجال لإعجاز بالمجهود الحسي والعاطفي والفكري الذي ينتج عنه عمل تستمر قيمته من جيل الى جيل. وينتقل متعدياً الحدود الزمانية والجغرافية، عبر صورة ذهنية تستقر في اللاوعي، وما تلبث أن تخرج مرة أخرى إنتاجاً أو تقييماً.
والشعور الذي ينتابنا عندما نقف أمام مبنى تاريخي أو تراثي يشابه نفس الأحاسيس التي تغمرنا عندما نشاهد قطع اثاث أثرية أو أواني نحاسية أو فخارية، لأننا نعلم بأنها تنتسب الى فترة تاريخية سابقة، وربما كان يمتلكها أحد المشاهير في التاريخ، وبذلك تكتسب قيمة مادية ومعنوية جديدة .. هكذا هو الحال مع المناطق والمدن التاريخية، أذ يتوفر لها إبهار تاريخي، نتيجة ما مر بها من أحداث وشخصيات. والسائر في قلب مدينة روما القديمة أو برشلونة أو فلورنسا أو أثينا أو أسطنبول أو القاهرة الفاطمية أو عند زيارة حصن الأخيضر في العراق يتملكه ذات الشعور الذي نعنيه..
بالتأكيد أن مثل هذا الإبهار لا يمكن أن يحسه السائح في المدن الجديدة مثل برازيليا وشانديجار والتي بنيت في فترة زمنية قصيرة.
شئ مهم يجب أن يقال في هذا المجال هو أن الإبهار التاريخي المطلوب من قبل المتلقي يجب أن لا يتعكر بمزعجات بصرية أو سمعية كالسيارات وأكشاك البائعين وبسطاتهم على الأرصفة أو أي مزعجات تحد من قيمة ذلك الأثر التراثي، كما يجب (جهد الإمكان) الإبقاء على الطابع العام للمكان، كمواد رصف الشوارع وسلال المهملات وغيرها من العناصر الجمالية .. كما يجب إحترام الحرمة الدينية والتاريخية بكل أشكالها لتلك المناطق والمباني.