يقول سيد البلغاء الإمام علي عليه السلام : ( اعلموا أنكم في زمان القائل فيه بالحق قليل , واللسان عن الصدق كليل , واللازم للحق ذليل .. الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له , والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه ).
قبل الخوض في ملابسات وإدعاءات وتمنيات وتمثيليات أصحاب الرايات الصفراء , من أولئك الذين جرفهم التيار والريح الصفراء العاتية من جهة الشرق على العراق منذ عام 1980 , وهم يتراقصون كالقرود حول جثة هذا الشخص المغدور ( شعلان البجاري ), بأنهم دخلوا التاريخ العراقي من أوسع أبوابه , ودشنوا هذه الحقبة الطائفية المقيتة , بعد أن نالوا الشرف الرفيع بتحقيقهم هذا النصر والانجاز العظيم , من خلال عرضهم جثة شخص يدعون أنه السيد المجاهد عزت إبراهيم الدوري زعيم وقائد أكبر وأقوى فصيل من فصائل المقاومة العراقية الطاهرة الباسلة التي أبكت الأمريكان ومرغت أنوفهم في الوحل العراقي .. ألا وهي “جبهة الجهاد والتحرير ” منذ بداية الاحتلال وحتى أن يتم تحرير أرض العراق الطاهرة .
هنالك عبارة متعارف عليها نرددها نحن العرب دائماً , بأن الله سبحانه وتعالى يخلق من الشبه ليس فقط ” شعلان البجاري ” بل أربعين مثله !, إذن بقي 39 شخص ربما يشبهون السيد الدوري في العراق والعالم !؟, هذا فقط للعلم وليس للداعية الرخيصة والتهويل والتهريج الإعلامي البايخ الذي يتصدره اليوم مجموعة وحفنة من الرعاع والمسلبجية والمهوسجية وأصحاب العمائم والمحابس الذين يرتدون الخاكي المرقط للتمويه على انظار الموالين وليس فقط على عقولهم !؟.
حقيقة الأمر وبرأيي وتحليلي المتواضع جداً , بأن أدوات المشروعين الأمريكي والإيراني خاصة في العراق ومنطقة الشرخ الأوسخ , يتبارون فيما بينهم في صناعة وفبركة الأحداث ونشر الأخبار الكاذبة والدعايات الرخيصة والتلفيقات الهزيلة , وهذا ديدنهم منذ أن وقعة الواقعة وحتى مقتل المرحوم راعي الأغنام الشيخ ( شعلان البجاري ) قبل ثلاثة أيام .
كلنا نعلم جيداً بأن أمريكا تدعي بأن إيران هي محور الشر في المنطقة !, كما كان العراق وكوريا الشمالية قبل حملة بوش التبشيرية الديمقراطية !, أي قبل غزو افغانستان والعراق , وكلنا نعلم أيضاً بأن إيران ومنذ وصول الملالي إلى سدة الحكم عام 1979 تنعت الولايات المتحدة الأمريكية بأنها الشيتان الأكبر ؟, وإنها هي وليس غيرها من يعيد أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ” بيت المقدس المبارك ” لنا ونحن كاعدين نلطم ونمشي على مدار السنة !؟, بل ستزيل .. أي حكومة الولي الفقيه هذه الغدة السرطانية من جسد الأمة الإسلامية حال تشكيل جيوش وفيالق القدس في بداية قيام الثورة الخمينية ؟, لكن في المقابل أيضاً .. كلنا أو جلنا يعلم بأن قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني قد أقسم بعد احتلال العراق مباشرة عام 2003 بقبر الأمام الخميني بأنه لن يقاتل الأمريكان أبداً , ولن يقتل أو يستهدف جندي أمريكي واحد في العراق ؟, وكلنا شاهدنا كيف زار الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد , المتهم أصلاً مع مجموعة من الطلبة باحتلال السفارة الأمريكية في طهران في بداية الثورة الإيرانية … كيف تم استقباله ونقله من مطار بغداد المحتلة إلى المزبلة الخضراء تحت حماية قوات الاحتلال الأمريكي المشددة !؟؟؟.
إذاً .. لِمَّ هذا التزلف واللف والدوران ؟, وعلى مَنْ تضحكون يا منافقي ودجالي العصر , مو السالفة صارت بايخة ومكشوفة ومفضوحة , وحتى الكيشوانية فهموا اللعبة والتقطوا الإشارة منذ زمن بعيد .
أما الأبعاد والأسباب الحقيقية وراء اعلان مقتل السيد الدوري في هذا الظرف بالذات فهي كثيرة ولا تعد ولا تحصى لكن نوجزها أونختصرها بالنقاط التالية :
1- البحث بكل الطرق والوسائل الشيطانية والخدع السينمائية والأفلام الهوليودية عن تحقيق نصر مزعوم وهمي ما ؟, من أجل رفع معنويات هذه الحشود الطائفية المنهارة , واعطائهم زخم وحبوب هلوسة وترياق أكثر كي يكونوا وقود لديمومة واسمرارية هذه الحرب الطائفية المستعرة , التي قتل خلالها عشرات الآلاف من هؤلاء الشباب , ومقبرة النجف تشهد على ذلك .
2- تخدير العقول الخاوية وامتصاص غضب ونقمة الشارع العراقي المتفاقمة , التي تنذر بانفجار بركان الغضب العراقي عاجلاً وليس آجلاً , بسبب الوضع الاقتصادي المتردي , والوضع المزري لغالبية أبناء الطبقة الكادحة , وإنخفاض قيمة العملة العراقية بسبب عمليات غسيل وتهريب الأموال , وتزوير الدينار العراقي بشكل غير مسبوق من قبل خبراء وسماسرة وتجار ومهربين إيرانيين , ناهيك عن تأخر صرف رواتب الموظفين والمستخدمين وحتى أصحاب الأجور اليومية , وتوقف شبه تام لنبض وحياة الشارع العراقي بسبب الخوف من المجهول , بالإضافة للغموض الذي يكتنف مسيرة وعجلة تأمين أبسط مقومات الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء ونظافة وبناء وإعمار ومشاريع كانت ومازالت وهمية , موجودة فقط على الورق أي ( التصاميم ) , كذلك نسبة الفقر المدقع الذي طال ويطال جميع شرائح المجتمع العراقي بحيث أصبح أكثر من ثلثي سكان هذا البلد يرزحون تحت نير خط الفقر والجوع والمرض , ويعتاشون على أكداس المزابل والنفايات التي تنتشر في جميع شوارع وأزقة وأسواق المحافظات والأقضية والنوحي العراقية .. ما عدى دولة كردستان طبعاً ؟.
3- أما السبب الرئيسي والأهم في فبركة هذا الخبر الذي تبنته كل من قناة الميادين وقناة العالم والمنار والغدير الإيرانيات المنشأ والتمويل والأهداف في هذا التوقيت بالذات , هو بداية أفول النجم الإيراني وإنحسار وإنكسار المشروع الإيراني في المنطقة والعالم , وخاصة مناطق النفوذ الإيرانية منذ عام 1982 وحتى 26آذار 2015 , تاريخ إنطلاقة صفارة الإنذار في إذن علي خامني وأعوانه وأدواته وبيادق الشطرنج من أمثال حسن ناصر المشروع الفارسي في بلاد الشام , وعبد الملك الحوثي ناصر المشروع الفارسي في بلاد اليمن , وفي عموم المنطقة كما يتبجحون الإيرانيين أنفسهم , بأنهم باتوا يهيمنون على المنطقة من بحر عمان إلى البحر الأبيض المتوسط ومن الخليج العربي إلى خليج عدن .. أي باب المذهب عفوراً ( المندب ) !؟.
4- أرادوا كذلك أن يوصلوا رسالة قوية للبعثيين أو لمن يؤيدهم في السر أو العلن , مفادها .. بأنه لا فائدة للمكابرة والعناد , وعليكم أن تنخرطوا في العملية السياسية الجديدة والمشاركة في الحكومة من خلال تخليكم عن البعث وإعلانكم التوبة والبراءة من حقبته الماضية !؟, خاصة وأنهم استطاعوا أن يقضوا على الرجل الثاني في القيادة والحزب بعد الرئيس الراحل صدام حسين رحمه الله .
5- إيران أرادت أن توصل رسالة قوية وهامة للساسة الأمريكان وكل أعداء العراق والقيادة العراقية السابقة , وكذلك إلى الكيان الصهيوني , بأن أغلب القادة البعثيين والخبراء والعلماء والضباط والطيارين الذين لم تستطيعون تصفيتهم .. نحن من صفيناهم وقضينا عليهم وخلصناكم من خطرهم ومن عودتهم إلى السلطة !؟, فما بالكم ونحن اليوم قد خلصناكم من الرجل الثاني في القيادة العراقية السابقة , الذي طاردتموه على مدى إثنتا عشر عاماً ورصدتم جائزة كبرى قيمتها عشرة مليون دولار لمن يأتي به حياً أو ميتاً ولم تستطيعون !؟, وها نحن بنفوذنا وهيمنتنا على العراق , وبقوة وشجاعة ونفوذ أذرعنا على الساحة العراقية كفيلق بدر و العصائب و” حزب الله ” وثار الله … ألخ قد حققنا لكم ذلك بكل سهولة وبدون أن تدفعوا دولاراً واحداً لنا !؟.
نافلة القول .. وبغض النظر عن كل ما تقدم , وسوى صح هذا الخبر أم لا , فإن الرجل قد بلغ من العمر عتيا , وقد ناهز الثمانين من العمر , لكن يكفي هذا الرجل فخراً بأنه لم ينحني للريح الصفراء , ولم يستسلم , ولم يفاوض أو يساوم , ولم يتنازل عن قيمه ومبادئه وعن حزبه الذي انتمى إليه وآمن بأهدافه , وظل مقاوماً عنيداً شرساً , لكل أشكال التطبيع مع الاحتلالين وعملائهم , ورفض التدخل في الشأن العراقي والشأن العربي , ولم يمت على فراش المرض , بالرغم من أنه كان مصاباً بعدة أمراض كما يشاع عنه , لكنه ظل يقارع الاحتلالين على مدى أكثر من عقد كامل , وأثبت للعالم أجمع وللأصحاء والأقوياء وللشباب بأن الحقوق تأخذ بالقوة ولا تعطى أو تمنح من أحد , أو من خلال التفاوض وعقد الصفقات على حساب الوطن والشعب .
هذا هو الفرق الشاسع بين رموز القيادة العراقية السابقة التي حكمت العراق ثلاثة عقود ونصف , بغض النظر عن كل الاتهامات والشائعات وعن كل الأخطاء التي ارتكبت .. فجل من لا يخطأ , لكنها .. أي القيادة العراقية الوطنية السابقة دافعت وضحت بالغالي والنفيس , ودافعوا عن العراق والأمة العربية بأرواحهم وأولادهم وعوائلهم وبكل ما يملكون , وبين سياسي وشيوخ الصدفة ومراجع الفتنة الذين تجسّسوا وخانوا وسمّسروا وأفتوا … على مدى أكثر من عقدين كي يصلوا إلى سدة الحكم والسلطة على حساب الوطن والشعب , ولكي ينهبوا ويسرقوا البلد بالكامل والجمل بما حمل , وليقهروا هذا الشعب الكريم , ويشردوا ويهجروا ويقتلوا كل من لا يقبل بالاحتلال ومشاريعه وأجندته , ولا يرضى بالذل والهوان والخنوع .
نعم .. هكذا عاش ويعيشون , ومات ويموتون .. العظماء والقادة الأبطال على مر العصور والدهور .. فللمواقف والقيم والمبادئ والأخلاق وللحرية والدفاع عن قيم الرجولة وحرية الأوطان وكرامة الشعوب ثمن باهض وكبير جداً .. ولا يوجد أعز وأثمن وأغلى من الروح التي وهبها لنا الله سبحانه وتعالى لكي نضحي بها من أجل هذه وغيرها من الأهداف .
ولا نامت أعين الجبناء والشامتين وخدام المشروعين الفارسي والصهيوني .
وللحديــــــــــــــــث بقية.