20 فبراير، 2025 3:14 م

الأبعاد الاستراتيجية لخطة ترامب في غزة وتأثيرها في منطقة الشرق الأوسط

الأبعاد الاستراتيجية لخطة ترامب في غزة وتأثيرها في منطقة الشرق الأوسط

يُعتبر الرئيس الأمريكي  دونالد ترامب من أكثر الرؤساء الأمريكيين دعمًا لإسرائيل، إذ تبنى سياسة داعمة بشكل مطلق لهذا الكيان، واتخذ قرارات كبرى عززت موقفه، مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتلة. في هذا السياق، طرح ترامب مشروعًا جديدًا حول قطاع غزة، يحمل ظاهريًا صبغة اقتصادية ويهدف  تحويل غزة إلى منطقة سياحية، لكنه في جوهره خطة مدروسة لتصفية القضية الفلسطينية من خلال تهجير سكان غزة وإحداث تغيير ديموغرافي يخدم مصالح إسرائيل.إن نجاح هذا المشروع في تهجير سكان غزة سيفتح الباب أمام مخططات مشابهة تستهدف سكان الضفة الغربية، بل وقد يمتد أثره ليشمل الأردن، مصر، وسوريا، وفقًا لمخطط أوسع يسعى إلى توسيع مساحة إسرائيل على حساب الأراضي العربية. وقد سبق أن صرّح ترامب في أحد أحاديثه قائلًا: “أرى خارطة إسرائيل صغيرة مقارنة بدول المنطقة”، في إشارة واضحة إلى طموحاته التوسعية لدعم المشروع الصهيوني.رغم الغطاء الذي تقدمه الولايات المتحدة لهذا المشروع، بوصفه خطة لإعادة إعمار غزة وجعلها نموذجًا اقتصاديًا متطورًا، إلا أن خلفياته تعود إلى مشروع قديم يعرف بـ “قناة بن غوريون”، والذي يهدف إلى شق ممر مائي يربط بين البحر الأحمر والبحر المتوسط، ليكون بديلًا استراتيجيًا عن قناة السويس المصرية. ومن هنا، فإن المشروع يحقق مكاسب مزدوجة لكل من أمريكا وإسرائيل، حيث يسهم في تعزيز النفوذ الاقتصادي الإسرائيلي، ويخدم في الوقت نفسه الأهداف الأمريكية للسيطرة على ممرات التجارة العالمية ومواجهة مشروع “الحزام والطريق” الصيني.

لكن إحياء مشروع القناة المائية بعد حرب 7 أكتوبر يكشف عن نوايا أوسع تتعلق بإعادة رسم خارطة المنطقة، وهو ما ستكون له تداعيات جيوسياسية خطيرة، ليس فقط على القضية الفلسطينية، بل على الأمن القومي للدول العربية والمصالح الاستراتيجية لدول كبرى مثل الصين وروسيا.

يمكن تلخيص الأبعاد الاستراتيجية لهذا المشروع في النقاط التالية:

١-التغيير الديموغرافي وإطالة أمد الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي يهدف المشروع إلى إحداث تغيير ديموغرافي قسري في غزة، عبر تهجير سكانها إلى دول مجاورة، مما يعقد القضية الفلسطينية بدلًا من حلها وتتعارض هذه الخطوة مع المبادرات الدولية التي تدعو إلى حل الدولتين وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم، ما يعني تفاقم الأزمة بدلًا من حلها.إن تهجير أكثر من مليوني فلسطيني من غزة، إلى جانب الفلسطينيين الذين شُرّدوا منذ عام 1948، سيخلق كارثة إنسانية وسياسية غير مسبوقة.

 ٢-التداعيات والآثار على الدول العربية المجاورة الدول  مثل مصر والأردن والتي  تعاني أصلًا من أزمات اقتصادية وسياسية حادة، وهي غير قادرة على استيعاب موجات نزوح جديدة.واضافة لذلك قبول هذه الخطة يعني إضعاف الهوية الوطنية الفلسطينية ودمج اللاجئين الفلسطينيين في المجتمعات المضيفة، مما يحقق الهدف الإسرائيلي بإنهاء فكرة “حق العودة”. وطمس فكرة إنشاء دولتين .رفض المجتمع الدولي بموجب القانون الدولي وكذلك يعتبر خرقاً لميثاق الأمم المتحدة لهكذا مشروع اعمى  وظالم ومجحف بحق الإنسانية وينصب ضمن إطار  التطهير العرقيً يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان. وبالنتيجة سيؤدي هذا إلى توتر العلاقات الأمريكية مع أوروبا التي اغلب دولها وصف هذا المشروع أمراً غير مقبول وكذلك الدول الإسلامية وينعكس ذلك بشكل سلبي على سمعة امريكا لان و قد يضعف العلاقات و النفوذ الأمريكي في المنطقة.في الوقت الذي تحاول فيه بعض الدول دفع عجلة السلام، فإن تنفيذ هذا المشروع سيقضي على أي فرصة لحل سياسي عادل.

٣- سيترك ذلك المشروع تأثير طبيعة   العلاقات العربية  الأمريكية يضع العرب، حكامًا وشعوبًا، أمام اختبار تاريخي؛ فإما أن يرفضوا المشروع بشكل قاطع، وإما أن يفتحوا الباب لمزيد من التدخلات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة وبالتالي أي ضعف أمام امريكا واسرائيل تكون العواقب وخيمة على مستقبل البلدان العربية ولهذا إننا نرى اليوم بأمس الحاجة لموقف عربي موحد وصريح، يرفض المشروع بشدة ويهدد بقطع العلاقات مع واشنطن إذا تم تنفيذ أي خطوة نحو تهجير  الفلسطينيين.

  ومن الواجب القومي والديني ان تقدم الدول العربية الدعم المالي  لاعادة إعمار غزة بأموال عربية وليس عبر مساعدات مشروطة من أمريكا والدول الغربية، لمنع أي استغلال سياسي للوضع الإنساني في القطاع.

إن مشروع ترامب في غزة ليس مجرد خطة اقتصادية، بل هو جزء من مخطط استراتيجي لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يخدم إسرائيل وأمريكا. هذا المشروع، إذا تم تنفيذه، سيكون له تأثيرات كارثية في القضية الفلسطينية، وعلى استقرار الدول العربية، بل وحتى على النظام الدولي بأسره.

ما يحدث الآن هو اختبار حقيقي لموقف العرب تجاه القضية الفلسطينية، وإذا لم يتحرك القادة العرب بجدية لمواجهة هذه المؤامرة، فإن الخطر لن يتوقف عند حدود غزة، بل سيمتد إلى الضفة الغربية وسيناء والأردن وسوريا ولبنان، ليعيد تشكيل المنطقة وفقًا لمصالح إسرائيل وتحقيق حلمها من النيل للفرات

على الأمة العربية أن تتوحد في موقفها، وترفض المشروع بكل السبل الممكنة، وأن تسعى لإعادة إعمار غزة بأموالها وجهودها، بعيدًا عن المخططات الأمريكية – الإسرائيلية التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.

وتبقى فلسطين درة في عيون كل عربي ومسلم واحرار العالم .

* فريق ركن

أحدث المقالات

أحدث المقالات