مثل فرنسي هو عنوان مقالتي ، يتطابق على ما نحن فيه ، فالجميع بالعراق من مواطنين يحاول أن يعطي للحاكم ( أي حاكم ) صفة التمثيل عنه ، حتى وإن كان يكرهه أو لا يعترف بتمثيل ذلك الحاكم له .
السبب بسيط لأن اللعبة قد طليت على الغالبية العظمى ، إضافة إلى إن الذاكرة التقليدية للإنسان العراقي ونتيجة لحجم الهموم الهائل الذي تحمله الناس وعظم المصائب التي مرت ولا تزال تمر بنا جميعا ، جعل الذاكرة تستسلم للتناسي وليس للنسيان على أمل حصول تغيير من العدم ، أو من خلال التشبث بفكرة وصول المنقذ بأية لحظة ، وبالرغم من احترامنا وإيماننا بفكرة وصول المنقذ التي سيكون متمتعا بمواصفات ربانية لا يستوعبها بني البشر بالسهولة المعهودة ، ولكن الغالبية ، تجهل إن ذلك المنقذ يحتاج إلى تمهيد ومقدمات من واجبات الناس أن تقوم بتحضيرها ، وليس الانتظار فحسب لأمة وشعوب راكنة للظالم ، ومستلمة لدول الكفر والإلحاد أن تتحكم بمصيرنا وتقرر نوعية مستقبل أجيالنا ، فهذا هراء محض ، يتحمله الجميع ، وفي مقدمتهم من يحملون على عاتقهم المسؤولية الدينية كمراجع وموجهين ، أو من يتصدى لتحمل المسؤوليات السياسية والقيادية .
فأبن الطائفة الفلانية يعتقد أن الحاكم أو المسئول الذي يمسك بزمام وزارة ما أو رئاسة ما هو يمثله لأنهما يشتركان بنسيج واحد ، وأصبح لزاما عليه أن يدافع عنه ، وينتخبه بالرغم من نوعية وحجم ذنوبه وقبائحه وعلاٌته .
وبالطرف الآخر يفعل الآخرون كما فعل الأولون ، فتخندق الأغلب الأعم وراء رموز مشبوهة ، جاءت أغلبها بركب المحتل ، وتحمل تأريخ أسود ، من الأكاذيب وشهوة السلطة والتملك ، مما جعلهم ينسون ما يدعونه من تأريخ ديني كانوا يتباهون به أو تأريخ معارض للنظام السابق ، حينما كانوا يحمٌلونه أوزار كل شيء ، إن كان قد فعلها أو لم يفعلها ، فتوقع الناس أن القادمين الجدد ، سيتنزهون عن كل شبهه ، ويترفعون عن أي مال عام ، وسيكونون مناضلين حقا كما كانوا يدعون ، ولكن نضالهم الجديد سيكون مختلفا عن سابقات الأيام والسنين ، لأنهم أصبحوا سلطة ، وتوفرت لديهم الإمكانات والقدرات السياسية وحرية الرأي والتعبير ، وأصبحت لديهم بدلا من القناة الأولى وقناة الشباب في الماضي ، تغلق برامجها عند منتصف الليل ، أصبحت لديهم عشرات القنوات الفضائية تعمل على مدار الساعة
ومئات الإذاعات والصحف والمواقع الإلكترونية ، ومليارات الدولارات تحت تصرفهم ، وتصدير للنفط من دون عدادات ، وحدود مفتوحة على جميع البلدان والأكثر والأهم من كل ذلك ، فالسيد الأمريكي ومن خلفه السيد الأنكلوصهيوني ، راضيا عنهم ووصيا عليهم ، يرشدهم ويعلمهم ويوجههم .
ولكن ماذا جرى !!
فأولئك الساسة بمختلف مشاربهم واتجاهاتهم ومرجعياتهم كانوا ولا يزالون يأكلون الحصرم فيتمتعون بحموضته ، ولكن أبناء الشعب المقهور يضرسون ، ويصكون أسنانهم بفعل المناخ النفسي المحيط بالمجتمع، يدفعون ضريبة الولاء لأشخاص لا يعرفونهم ولن يعرفونهم ، الرابط الوحيد الذي يربطهم بهؤلاء هو اعتقاد خاطئ أنهم يشتركون معا بدين واحد أو طائفة واحدة أو قومية واحدة .
ولو قررنا أن نتحول إلى أشخاص مهنيين ، لنصنع ثوابت نضع قانون يحمي الشعب ومصالحه وحقوقه ودمائه وأمواله فما علينا أن نصنع ؟؟
أول شيء ممكن أن نقوم به هو الطعن بما يسمى ( الدستور ) الذي خطه المحتل بقلمه وجاء بمن تطوعوا لخدمته وتزكيته وتمريره على الشعب على أنه الدستور الدائم المتوازن لمصلحة الجميع ، ولكنه هو نفسه الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه من مصائب وجراح ، علينا كشعب ، أن نعيد النظر وندقق بخلفيات من منحناهم ثقتنا وجعلنا منهم قادة وزعماء ، وبعضهم لا يستحق أن يكون على مساحة الوطن ، لأن وجوده يأتي لنا بالطاعون والسرطان وغيره من الأمراض المهلكة ، والتجربة مما حدث منذ سنة 2003 ولغاية الآن خير دليل وبرهان .
حينما ينقلب الحلفاء من السياسيين الجدد بعضهم على بعض ، ويسرق بعضهم الآخر ، ويتحالف ويتكاتف آخرون ضد مصلحة ووحدة العراق بظل أكاذيب وإدعات مكشوفة بكذبها وخداعها للعقول ، فماذا ننتظر من هؤلاء ، غير أن يوصلوا البلاد إلى الخراب وتمزيق وحدته بحجة ما يسمى ( الفيدرالية ) وهي خدعة وجدت لتكون مدخلا للتمزق والشتات أشترك في زجها بما يسمى الدستور أطراف معروفة خلفياتهم ، ونواياهم ، وتحول أدائهم فيما بعد إلى الانطلاق من تلك النقطة ليستخدمونها في أسوء الصور وخالفوا بذلك حتى المعنى الحقيقي المعمول به لمعنى الفيدرالية ، فيما أنشغل الطرف الآخر الداعم والمندفع لإيجادها وترسيخها في مكان آخر من العراق بزجها في أي موقع يجد به مصفقين ولاهثين خلف الصلاحيات الحصرية التي ستتيح لهم لاحقا التحكم بمصير الناس ، مستغلين النفس العشائري أو الحزبي أو الطائفي الذي أوصلهم إلى كراسي الحكم .
نحن كدولة وشعب نمر بأسوأ وأخطر مرحلة من مراحل تأريخ العراق الحديث ، ولو راجعنا التأريخ وقرئناه جيدا لوجدنا ذلك واضحا ، وجليا ، وهناك شيء أخطر بتلك اللعبة ، هو أتفاق قد يكون عفوي بناء على المصالح والتجاذبات ، بين مختلف الأطراف السياسية الحالية ، هو الاتفاق من دون أتفاق ، على عدم لفت أنظار الناس لمخاطر تهدد مستقبلهم وإبقائهم مشغولين بأحداث طارئة ، وأخرى مفتعلة ، من أجل أنجاز الهدف الأكبر ، وهو تقسيم العراق من خلال تعبئة وترسيخ الدوافع الطائفية ، وتخويف الناس من بعضهم البعض ، ولا يخفى على الجميع وجود أصابع إقليمية تدفع بهذا الاتجاه .
نحن لم نكن بحاجة إلى دورات من الانتخابات البائسة والمفبركة في جوانب كثيرة من فصولها ، كنا ولا زلنا ، بحاجة إلى ثورة حقيقية يقوم بها الشعب من دون سلاح أو دماء ، لمحاصرة أولئك المجرمين من العملاء الوافدين والمرتزقة المنافقين المتلونين حسب الظروف والهوى ، ومحاكمتهم بعدما انكشفت وجوه كثيرة وأصبح الأمر لا يحتاج للذكاء كي نفرز العديد من دون عناء أشخاصا ، وأحزابا كانت تتباهي بما تسمى ( المظلومية ) حيث تحولت الآن إلى جبابرة بظلم الناس وسرقة أرواحهم وأموالهم ومستقبلهم
فهؤلاء لا يستحقون أن يكونوا أباء ولا نسمح لهم بأن يأكلون الحصرم أمامنا ووقتها سوف لن نضرس ولن نتألم .