23 ديسمبر، 2024 3:43 م

الآيس كريم والمفخخات

الآيس كريم والمفخخات

في صيف 2004 ، كان المواطن العراقي ( س ) قد عاد بسيارته مع أطفاله ، آتياً بهم من المدرسة الى البيت ، مر على محل للمرطبات في الجادرية يسمى ( الفقمة )، صاح أحد الصغار : أبي نريد موطا .

ولأن الكهرباء في البيت لا تسمح بولادة الثلج في الثلاجة فالأب إيضا كانت محتاج لما يطفئ به قيظ ظهيرة العاصمة الذي لا يرحم .

ركن السيارة مع الاطفال في مكان قريب وذهب ليجلب للصغار الموطا ، دفع الثمن ، تسلم علب الآيس كريم وهو يفكر بحجم ابتسامة ولديه حين يتذوقون طعم المانجا المثلجة . خطوات ، وحدث إنفجار هائل ، أحتمى الرجل بحائط قربه وقد صبغت الموطا كل ملابسه . ركض صوب سيارته وجدها محترقة بمن فيها .

هذه صورة حقيقية من شاهد عيان ترينا كيف تموت الطفولة العراقية ، وحين يستشهد الجندي أو رجل قوى الآمن من أجل الوطن أو الدين ،فأطفال العراق يستشهدون من أجل ( الموطا ) وهذا لم يحدث في مسببات أي شهادة في تأريخ جهاد البشر من اجل قضيتهم ..

ترينا الصورة مكابدة ما يحدث للإنسان العراقي ، فحتما هذا الوالد المفجوع سيكرهُ ( الايس كريم ) كل حياته ولن تذوقه لا هو ولا من بقي أحياء في بيته .

إذن من موت الطفولة بهكذا سبب تصاب الرجولة بالمأساة فيما ترتكن أنوثة الأم الى عنوسة الدموع والكآبة والنعي .

وهكذا من جراء مايحصل نرى صورة يوم عراقي بائس ، لا شيء فيه سوى أصوات المفخخات وصفارات سيارات الأسعاف ونداءات أفراغ الطريق لموكب المسؤول الذي تحرسه فرقة خاصة من الأمن الأجنبي المؤجر وهم بقايا (الكي بي جي ). وهو اختصار كان يطلق على مخابرات الاتحاد السوفيتي ،الذي يعانون البطالة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وهم يقتلون آبائهم من اجل 5000 دولار كل شهر .

نرى حجم معاناة شعب تمنى حياة غير هذه التي يعيشها الان ، حيث تضاعفت هجراته ومواسمها ، وقلت خدمات الدولة وخصوصا الكهرباء والماء وبطاقة التموين ، وضاع الامان .

إذن ماذا سنكسب في الغد من طفولة تولد اليوم وتعيش مثل هكذا ظرف ، وماذا ستفعل الرجولة وهي في خوف عيش الداخل ومحنة عوز المهجر ، ماذا ستقدم انوثة العراق لطفل يريد أن يتعلم ويرسم وردة ويكتب قصيدة .

ستقولون ( الأمل ) هو بضاعتنا .

وانا معكم ، ولكن الحال من سيء الى أسوء ، وأخاف أن يغور المسمار عميقاً في الخشبة ، وإخراجه ربما يسبب نزف كبير ..

فعليه ….فأن ما نراه من تظاهرات ساحات التحرير في بغداد والمحافظات هي بقدر ما تكون ردت فعل المواطن المسالم فهي بعض الأمل الذي نحسبه علاجا للحالة العراقية الكسيحة.

أتمنى لطفولة ( الموطا ) أن تغادر مشاهد ماترى ، وأن تفتح السماوات لها بوابة الحلم لتعيش زمنا غير الذي عشناه . فمن حرب الجبهات والحجابات ، الى حرب الشوارع والمحلات والسيارات المفخخة . وكأن قدر العراق أن ينوع حروبه كل عشرة أعوام .

أتمنى أن يذهب تنويع الحروب الى الجحيم ، ويأتي تنويع الحدائق ومدن الألعاب .كي نغادر هذه المأساة والملهاة والدراما الحزينة ..