صرخة عربية مؤلمة قاسية ومرعبة أطلقها لاجيئ سوري , والشرطة اليونانية تلقي القبض عليه , وفيها يشير إلى أنه إسترد إنسانيته , التي ما عرفها في موطنه الذي إضطره للرحيل ومغامرة الهجرة.
هذه الصرخة وصمة عار في جبين الحاضر العربي في كل مكان , الذي يستلب طاقات الوجود ويقتل الإنسان في أعماق البشر , ويحوّله إلى أرقام أو أشياء بلا حقوق وحاجات.
فبلداننا تجتهد في توفير ما يلحق الضرر بالإنسان , ويحطم كيانه النفسي والأخلاقي والمعرفي , ويشحنه بالكراهية والعدوان على ذاته وموضوعه , فيساهم بصياغة الوجود السلبي في المجتمع , ويدفع بطوابير الأجيال إلى الرحيل والهجرة , والضياع بالمنافي وسوح الإغتراب.
وجوه عربية بائسة مقهورة تفوح من قسماتها ملامح الأسى والحسرات والآلام والأحزان والخسران , والدنيا تتفرج وأصحاب الكراسي لا يكترثون ولا يعنيهم الأمر , ما دامت قدراتهم على الإستحواذ والإستئثار فائقة الإنتاجية والإغتنام.
فهل وجدهم حكومة في دولة أخرى لا يعنيها شعبها , أو تعاديه , وتنال منه وتقاتله وتصفه بما تشاء , لتبرير فتكها به وتدمير وجوده ومصادرة مصيره؟
لا يوجد في حكومات الأرض غير حكوماتنا , التي تستهين بالإنسان وتحتقره وتحسبه رقما لا أكثر , وتعدمه بالجملة وبالآلاف ولا يرف لها جفن , لأنها تحسب قتل الشعب من أولويات الكرسي الذي عليها أن تتعفن فيه.
لو أن صينيا واحدا أهين في أية دولة لهبّت الصين تدافع عنه , لأن الإنسان يمثل قيمة الدولة وقوتها وشرفها وعظمتها وكرامتها , فهو ليس صينيا وحسب وإنما يمثل الصين , وكذلك غيرها من الدول الحريصة على مواطنيها وعزتهم وكرامتهم , أما حكوماتنا فأن إهانة المواطن وإذلاله من مشاريعها الأساسية , ولهذا فهي تحكمه بآليات الحرمان من الماء والكهرباء والحاجات الأساسية , وتمنع عنه أبسط حقوق الإنسان المشروعة , وإن طالب بحقة وضعته في خانة الإرهاب والمعارضة , وحللت محقه بشتى الوسائل المتوحسة , وأدخلته في أقبية التعذيب الشرسة , التي تنتهك القيم الإنسانية وتذيق البشر مرارات الحقد واللؤم والإنتقام الفظيع.
فهل صدَق المهاجر السوري وهو يلقي بمصيره بأيدي السلطات اليونانية؟
أظنه قال صدقا , وأكد أن بعض حكوماتنا وصمة عار في جبين الإنسانية المعاصرة , لما تقترفه بحق مواطنيها من المآثم والخطايا والقبائح , والإجراءات المتعسفة الظالمة , التي لا أقسى منها ولا أمَر حتى في دنيا سقر!!