23 ديسمبر، 2024 6:59 ص

الآني والمبيت من النيات

الآني والمبيت من النيات

حسن النية خصلة يشترك فيها الأسوياء من بني آدم، لاسيما الذي يشرع منهم في عمل ما، سواء أيدويا كان أم فكريا! ولاغنى عن اتخاذها نقطة مثابة للانطلاق من أساساتها الى نجاحات وتفوقات، تأتي أكلها كمحصلة نهائية في ذاك العمل فرديا كان أم جماعيا!. أما الفردي فعاقبة سوء النية في بداية الشروع به تعود بالدرجة الأساس على الفاعل والقائم بالعمل، إذ هو يحصد مازرعه ويجني مابذره، وقديما قال الحطيئة:
من يزرع الخير يحصد ما يُسر به
و زارع الشر منكوس على الراس
أما العمل الجماعي فحسن النية فيه يأخذ منحى ثانيا، لاسيما من قبل الأشخاص الذين يترأسون مجموعة او مجاميع عدة، فعاقبة تخطيطاتهم في حال سوء النيات يتحمل وزرها الباقون دونما ذنب اقترفوه، سوى أنهم مرؤوسون من قبل أشخاص سيدتهم الصدفة في غفلة من الزمن، بمناصب سيادية على تلكم المجاميع، ولم يكونوا في وقت مضى يحلمون بالوصول اليها يوما.
لاأظن كلامي هذا مشفرا، او أتخفى فيه وراء المثل القائل: (إياك أعني واسمعي ياجارة) فالقصد منه الساسة والمسؤولون في سدة الحكم ممن توضحت نياتهم السيئة، وطفح ماكانوا يبطنونه من شر تجاه العراق والعراقيين، من حيث صاروا يشتغلون على جميع الاتجاهات بما يعود بالنفع الفردي عليهم وفق مبدأ (كلمن يحود النار لگرصته) وقطعا رفعوا بعده شعار (وليكن الطوفان من بعدي). وحين أدركوا حقيقة ان العراق لايقبل القسمة إلا على العراق وحده، ارتأوا ان يقسموه بمساعدة أسيادهم في الخارج، فوضعوا نصب أعينهم العملية السياسية والدستور والحكومة ورئيسها، واتخذوا منها هدفا يتوسلون كل الأسباب للنيل منه لتحقيق مآربهم. وهم بهذا أثبتوا سوء النية ورخص الضمير وانعدام الشرف.
وعلى هذا، فحسن النية لايأتي من عبث التصورات وطيش الأهواء وتشتت الأهداف، وليس له مكيالان لفرز الأعمال وتوزيع النيات بحَسَنها وسيئها عليهما، فجميع الأعمال تخضع لمكيال واحد أساسه النفس الإنسانية وما اكتسبت من طبائع وأخلاق ترعرعت عليها، فان كانت سوية وسليمة وُلِدت النيات صادقة وهادفة كيفما كان نوع العمل، ومهما تشعبت وتوسعت رقعة المستفيدين منه والمنتفعين بنتاجاته.
في ظرفنا الراهن، بات العراق بحاضره ومستقبله يتأرجح بين أيادٍ، تعددت فيها النيات بتعدد الشخوص والدول التي وضعت نفسها موضع شرطي المنطقة، ولا يغمض لحكامها جفن إلا وفي العراق فتيل يشعل النار بشكل او بآخر، أولها فتيل الطائفية الذي يتفنن أنصاف الوطنيين في العراق بطرق عدة بتأجيجه، وبدافع من سوء نياتهم يتم اختيار مناطق ومدن في العراق فيها نفر من عراقيي الهوية، يعبدون المناصب والدولار لاغير، وهناك تكون المساومات لاسيما بحضور مايسمون أنفسهم شيوخا او رجال دين وهم بعيدون كل البعد عن كل القيم والأديان والمبادئ. وما توغل عصابات داعش في محافظاتنا قبل سنوات ثلاث، إلا نتيجة التواطؤات والتنازلات التي كانت سمة من يُحسبون على العراق بأنهم عراقيون، فباعوا ما باعوا من الشرف والغيرة حتى أوصلوا حال البلاد الى ماوصلت اليه، وقطعا لم تأت أفعالهم هذه وليدة لحظة او ساعة او حتى سنة.. بل كانت النيات مبيتة قبل هذا الوقت بكثير، بل هي متوارثة من أزمان موغلة في التاريخ، تدفعها أحقاد وضغائن دفينة.. فالنية النية ياساسة العراق!