21 ديسمبر، 2024 7:54 م

الآمريكان والبيطريون

الآمريكان والبيطريون

رغم كل الآلم والدمار وكوابيس الحروب وويلاتها ورغم دروس التأريخ المريرة مع كل صفحات الآحتلال المتعاقبة للعراق على مر الدهور, حاولنا في البداية خداع أنفسنا بالتفاؤل بقدوم الاحتلال الامريكي الى العراق, خصوصا مع دعاياتهم الاعلامية الهائلة المتمثلة بعناوين رنانة جميلة مثل الحرية والتطور والتقدم والعدل والمساواة ,ورحنا نرسم في مخيلتنا صورا وردية لما سيفعله المحتل لتطوير بلدنا ابتداء من اضافة الكافيار والفياغرا في حصة الوجبة الغذائية وانتهاء بتوفير مجندات يشبهن كيم واختها كلوي ال كاردشيان المبجلين لكل رجل عراقي مصاب بالاحباط و الكابة ونقص تنسج الخصيتان !!.
ثم تسارعت الاحداث ومضت الايام متسارعة, وتبددت بسرعة احلامنا برؤية تغيير حقيقي ملموس وبدل أن يشيد الامريكان جامعات حديثة ومصانع ضخمة ومجمعات سكنية ,فانهم نشروا الفوضى ونهبوا البلد وقتلوا الناس بدم بارد واحضروا معهم كل حرامي موهوب ومحترف وحتى الهواة منهم , في سياسة ممنهجة لتدمير مقدرات البلد ونهب ثرواته وجعلونا ساحة لتصفية حساباتهم ومختبرا لتجريب كل انواع اسلحتهم الحديثة وفرخوا لنا داعش واخواتها وبناتها وعماتها وخالاتها.
وشيئا فشيئا ومع مرور الوقت صارت الناس تهرب من البلد خوفا على حياتها واخرين اختفوا فجأة من الحياة ودبت الفوضى الخلاقة وغير الخلاقة في مفاصل الدولة والمجتمع, ولم يدر بخلدي يوما أن أذى المحتل سيصلنا نحن الشريحة المنسية المظلومة من البيطريين ؟ , فمالنا نحن والمحتل وسياساته الرعناء ؟ وذات يوم وجدت قوة منهم مدججين بكافة انواع الاسلحة في عيادتي ينتظرونني !, وقبضوا على أبي خالد صديقي وسكرتيري الوفي مع بعض الاشخاص الذين كانوا بانتظاري في العيادة, وحالا قررت الهروب بعد أن صرت قريبا من العيادة, وسمعت أبا خالد يصرخ بالجنود الآمريكان : يول ما تخافون الله ؟ انتوا مو اسلام ؟, لأنهم كانوا يقيدون يديه الى خلف ظهره بشكل مؤلم كون وزنه يربوا على المائة كيلوغرام؟ وصرت أشك في أني قد أكون الزرقاوي ولا أعلم !!. المهم ابتعدت ونجحت بالفرار منهم , وبعد يومين وأنا أغط في نوم عميق بعد منتصف الليل وأحلم أحلاما وردية , وأذا بأحدهم يهزني بعنف من كتفي , فتحت عيني وأذا بجندي أمريكي طلب مني النهوض وقادني الى الاسفل وكان الجنود يملئون البيت وينتشرون في الشارع , ورحت أفرك وجهي بقوة ظنا مني أنني أحلم وأدركت أنها حقيقة , ثم رحت أسأل نفسي مجددا : من أكون ؟ أيعقل أن أكون صدام حسين ولا ادري ؟!!. المهم أخذوني معهم بعد أن قيدوني وعصبوني وأنا حائر في سبب اعتقالي , ثم وصلنا احد مقراتهم الكثيرة وبعد أن فتحوا ألاضواء بوجهي, أبصرت احدهم وكان ضابطا لطيفا معي وبعد أن تأكد من هويتي ووظيفتي قال : لن اطيل معك فقد أحضرناك لتعمل معنا ؟ وطلب مني العمل بعلا ج كلاب ألجيش الامريكي التي أحضروها معهم والمدربة تدريبا عاليا , لكنني رفضت بشدة وأصر على العمل معهم معللا ذلك بأنه عمل انساني وأنني يجب أن أكون رحيما مع الحيوانات وراح يشرح لي كيف هم انسانيون ورحماء وما الى ذلك من شعارات طنانة عريضة تدل على تحضرهم ورقيهم, ورغم اصراره رفضت وفي النهاية أطلقوا سراحي بعد أن توهمت أنني رجل مهم ومطلوب للاستخبارات الامريكية , لا مطلوب من كلابهم الغالية ذات الاطواق والاساور الجلدية الأنيقة !!.
ثم توالت الاحداث وصار العراق يغلي ضد الاحتلال الامريكي , وتلقى جنود الاحتلال ضربات قوية في مختلف انحاء العراق مما جعلهم يرتكبون المجازر بحق الابرياء العزل من الناس, وفي ظرف بضعة شهور كان جنود الاحتلال قد قتلوا بدم بارد وبكل شفافية وأنسانية ورومانسية ثلة من أعز اصدقائي من الاطباء البيطريين ؟ دكتور وليد خالد قتلوه وهو في طريقه الى العمل ثم أغتالوا دكتور ذاكرمحمد عند باب بيته دونما أي سبب واخيرا أصابوا دكتور فتاح خميس باصابات قاتلة جعلته لليوم طريح الفراش وكأنهم قطعوا الاف الاميال وأحتلوا العراق فقط لتصفية الاطباء البيطريين واحدا تلو الاخر!! . بعد أيام وأنا في طريقي الى البيت عائدا من العيادة فوجئت بسيطرة في وسط الشارع لتفتيش الاشخاص والمركبات وأذا بنفس الضابط الامريكي الذي حقق معي وطلب مني علاج كلابهم المحترمة النظيفة , ترجلت من السيارة وتوجهت اليه وانتبه هو لوجودي وقال : انت مجددا ؟ قلت له : هل شعارات الانسانية التي أطنبت تشرحهها لي لا تشمل زملائي من البيطريين وبقية الناس ألآبرياء الذين قتلتموهم دون ذنب ؟ هل كلابكم المدللة تستحق الرحمة والشفقة ونحن نستحق القتل والتعذيب ؟ لم يجبني بحرف على أسئلتي واطرق رأسه في الارض خجلا وندما , ثم أنصرفت الى بيتي وأنا ألعن كل من تسبب في قتلنا ودمارنا ولعنت كولومبوس ألآغبر ألآحمق الذي أكتشف قارة امريكا والذي كان يبحث عن طريق بديل للوصول الى الهند لا يمر ببلاد الشرق , ولعنت سفينته سانتا ماريا والالف وخمسمائة بحار الذين معه وهنري السابع ملك انكلترا رغم انه عارض تلك الرحلة !!, ولعنت ايطاليا التي ينحدر منها كريستوفر , ولعنت الهند التي بسببها اكتشفت أمريكا ولعنت حتى أميتاب وشاروخان رغم أنهما لا ينتميان لعصابات القتل والتدمير والانحطاط الاخلاقي تلك العصابات التي يطلق عليها أمريكا !!, وأشفقت على أبي خالد سيد عبود صاحبي الذي أعتزل العمل في عيادتي لآنه رجل مكابر لم يتحمل ألآهانة من رجال جلهم مشكوك في أصلابهم؟!!.