23 نوفمبر، 2024 3:30 ص
Search
Close this search box.

الآشوريون –ا

يتبع ج2، ونظراً لطول فقرة (الآشوريون) قسَّمنا المقال إلى: ا و ب (ونُذكِّر بأهمية الهوامش)
كان ذلك في عام 1843م عندما بدأ القنصل الفرنسي في الموصل، بول إيميل بوتا، عملية التنقيب في مدينة خورسيباد على بعد حوالي 12 ميلاً شمال الموصل، فكشف عن أنقاض قصر سرجون الثاني ملك آشور (722-705 ق.م.)، وفي العام نفسه اكتشف المنقب البريطاني أوستن هنري لايارد القصر المهيب لشلمنصر الأول يعود لحوالي 884-860 ق.م.، مع الثيران المجنحة، تبعها لاحقاً اكتشاف مكتبة آشور بانيبال (66 8-626 ق.م.) ومجموعة كبيرة من الألواح المسمارية، هذه المجموعات الرائعة وغيرها هي التي ستُزين قريباً متاحف لندن وباريس وبرلين، والأهم من ذلك كله، سيتم استرجاع فصل ضائع في تاريخ الحضارة.

قبل فترة طويلة جداً وفي واحدة من أعظم الانتصارات من براعة الإنسان والكتابة المسمارية على أقراص الطين أو محفور على الحجر، تم فك شفرة النصوص الآشورية المكتوبة باللغة الأكدية، وسرعان ما تمت قراءتها بنفس السياق مثل العبرية والسريانية، وفي عام 1860م نشر السير إدوارد راولنصون، مجموعة كبيرة من الكتابات المسمارية في غرب آسيا، بمساعدة إدوين نوريس وجورج سميث، وكان راولنصون حوالي عام 1835م قد فك شفرة الجزء الفارسي من نقش بهستون المكتوب بثلاث لغات [55].

ما أثار إعجاب الغرب المسيحي من هذه الحفريات الأثرية هو أن بعض هذه الآثار الآشورية التي بدأت في عهد الملك شلمنصر تناولت بعض التواريخ التي تطابقت مع تاريخ الأحداث نفسها التي رواها الكتاب المقدس، فمعظم ملوك إسرائيل ويهودا من ياهو فصاعدا ورد ذكرهم في حوليات ملوك الآشوريين، وواحدة من أكثر الاكتشافات إثارةً هي المسلة السوداء التي اكتشفها لايارد في نمرود سنة 1846م، والآن هي أحدى الكنوز الأكثر شعبية في المتحف البريطاني في لندن، والمسلة هي لوحة منحوتة من أربعة جوانب ارتفاعها ستة أقدام ونصف، منحوت فيها خمسة سجلات استغاثة، تحتوي على 190 سطراً من نص يصف فيها الملك شلمنصر الثالث 31 حملة من حملاته العسكرية بما في ذلك غزواته في آسيا الصغرى وميديا وبابل والخليج الفارسي، ويصوِّر أحد المنحوتات ملك إسرائيل ياهو أو أحد مبعوثيه يدفع الجزية لشلمنصر، وهي إشارات نادرة إلى ملك آشوري في الكتاب المقدس في مصدر معاصر خارج الكتاب المقدس [56].

كان قُرَّاء الكتاب المقدس على دراية جيدة بهذه الأسماء والأحداث الآشورية، فقد كانوا جزءً من الوعي الثقافي البريطاني والأمريكي، وكتب عالم الأشوريات ساغز، أن تاريخ الممالك العبرية القديمة في إسرائيل ويهودا كان أمراً حياً ومعروفاً بشكل عام في التاريخ البريطاني [57] ، وبالنسبة لليهود والمسيحيين الغربيين في القرن التاسع عشر، فإن أهم شيء يتعلق بالحدث الجديد، كانت تلك الألواح والآثار المكتشفة التي أثبتت صحة الكتاب المقدس العبري، لذلك بدأ عامة الناس في إنكلترا النظر إلى المصادر الآشورية بالدرجة الأولى كسلاح يُستخدم ضد ناقدي (مشككي) العهد القديم من الكتاب المقدس [58].

عندما كُشفت الحفريات الآشورية بقايا العاصمة الآشورية القديمة في نينوى وضواحيها جذبت اهتمام العالم على النساطرة وأخوتهم الكلدان، وبدأ عامة الناس في إنكلترا استعمال المكتشفات الآشورية كسلاح ضد ناقدي العهد القديم للكتاب المقدس، وبطل هذه الحفريات هو أوستن لايارد الذي سارع إلى الإعلان عن هذه الأقليات التاريخية واللغوية والدينية بالاعتماد على ما تبقى من أكوام وقصور مدمرة من نينوى وآشور [59]، وفي خضم ذلك كتب فليتشر أن الكلدان النساطرة هم صفوة الناس الباقية على قيد الحياة من آشور وبابل [60]، وبينما كان اسم الكلدان بالفعل موجوداً ومخصص لأولئك النساطرة الذين اعتنقوا الكاثوليكية الرومانية، اعتُمد في نهاية المطاف الاسم اللامع التوأم للكلدان وهو الآشوريين للدلالة على النساطرة واتخذوه اسماً لهم، ومنذ عام 1870م تم استبدال النسطورية بالآشورية في المفردات الأنكليكانية الرسمية، ومن المثير للاهتمام أن لايارد وهرمز رسام استمرا باستخدام اسم الكلدان الأقدم والأكثر دراية وتطبيقه على كل من الكاثوليك الكلدان والنساطرة [61].

لقد لاحظ كوكلي أن الخلاف كان قائماً بين هرمز رسام وجون ماكلين من البعثة الأنكليكانية في قوجانس سنة 1889حول اسم السريان والآشوريين عندما أعلن ماكلين أنه ضد مصطلح الآشوريين قائلاً:”لماذا ينبغي لنا أن نخترع لهم اسماً وعندنا بين أيدينا اسماً مريحاً جداً ومفهوماً ومستخدم عليهم منذ قرون عديدة”، لكن كان مفهوماً أن الذي يعيش على مقربة من أنقاض نينوى سيتحمَّس لاسم آشور القديم، وهذا الحماس سيُلقي جانباً اسم السريان (Suraye سورايي، سورَيَا سورَايَا) الذي يُستخدمه الناس على أنفسهم نتيجة ابتكار اسماً آخر لهم مشكوك فيه جداً، وكان موقف رسام أن تسمية سريان خاطئة والشكل الصحيح هو الآشورية، لكنه مع ذلك فضَّل استعمال اسم الكلدان عليهم (نيسكو: لأن هرمز رسام، كلداني) [62].

حتى لايارد نفسه وإلى ما قبل سنوات قليلة فقط من الحفريات الآشورية كان دائماً يشير إلى النساطرة باسم، الكلدان، أو الكلدان النساطرة من أجل تميزهم عن تلك الفئة المتحدة مع روما [63]، وقبل بضع سنوات فقط من الاكتشافات الآشورية أكَّد أحد أساقفة أورميا أن النساطرة هم مثل الكلدان (أيضاً كلدان) ومثل أي كاثوليكي مرتد [64].

قبل الحرب العالمية الأولى أعطت البعثة الأنكليكانية المعروفة رسمياً باسم “بعثة رئيس أساقفة كانتربري إلى الآشوريين” النساطرة زخماً جديداً بتسميتهم آشوريين، وربطت بين النساطرة والآشوريين القدماء [65].
إن مصطلح (المسيحيين الآشوريين) بالأصل يعني، المسيحيون من بلاد آشور الجغرافية فقط، لكنه سرعان ما أصبح يعني، الآشوريين المسيحيين [66]، وبحلول أواخر القرن التاسع عشر بدأ عدد قليل من المتعلمين والواعين سياسياً من النساطرة خاصة أولئك الذين هاجروا إلى أمريكا، باستخدام كلمة (Aturaye، الآشوريين، الأثوريين)
في كتاباتهم [67].
——————————————————

الهوامش

[55] تغطى ألواح الطين في مكتبة قصر آشور بانيبال التي يبلغ عددها 22 ألف قطعة مواضيع في التاريخ، الطب، علم الفلك والتنجيم، ومعلومات مسجلة عن حركة الكواكب وعلامات الأبراج، من أجل القصة الرائعة لهذه الحفريات المبكرة وترجمتها، انظر(C. Wade Meade، (Road to Babylon، الطريق إلى بابل)، تطوير علم الأشوريات الأمريكي، ليدن، 1974م. بعد الحرب العالمية الثانية أُعيد التنقيب في نمرود 1949م من قبل ماكس مالوان نيابة عن المدرسة البريطانية للآثار في العراق، وعمل الفريق هناك حتى عام 1963م تحت إشراف ديفيد أوتس، ومنذ عام 1963م قامت العديد من الفرق بالتنقيب في نمرود بما في ذلك رحلة استكشافية من المتحف البريطاني سنة 1989م. للحصول على مقال تلخيصي، راجع كيرتس John Curtis، (Nimrud, Ancient and Modern، نمرود القديمة والحديثة)، The Illustrated London News، 280 سومر، 1992م، ص75-77.
[56] لمعرفة إشارات التوراة لياهو، انظر سفر (2ملوك 9: 14، 10: 4)، مقالة في العدد الأخير من مجلة (Biblical Archaeology Review، مراجعة الكتاب المقدس للآثار) بعنوان “هل قام الملك ياهو بقتل عائلته؟”، ومحاولات التوفيق بين النص التوراتي وبين نصوص المسلة السوداء، ومؤلف الآشوريات يُشير إلى أن الدراسات الإنجيلية الحديثة تستنتج عموماً أن المعلومات الآشورية يمكن الاعتماد عليها لكن ضمن معايير معينة، وكتب شنايدر أن الكتاب المقدس العبري لا يدحض المعلومات الآشورية، لكنه لا يذكرها بوضوح. 21، January-February 1995م، 26-33، 80-82.
[57] ساغز، عظمة آشور، ص290، 305-306، وكتيبه الذي نشرته جامعة ويلس وطُبع علم 1969م، بعنوان، الآشورية ودراسة العهد القديم، وهي محاضرة ألقيت في افتتاحية الكلية في جامعة كاردبف.
[58] D.J. Wiseman، وايزمان، (The Expansion of Assyrian Studies، التوسع الدراسات الآشورية)، لندن 1962م، ص11، وإذا كانت بعض الألواح المسمارية تدعم أجزاء من الكتب التاريخية للكتاب المقدس، بدا أن آخرين يتحدون أصالتها، وفي إنكلترا مع إعلان جورج سميث1870م اكتشافه لوحاً متوازي يحتوي على أسطورة الطوفان في سفر التكوين، وذكر أن أقراصاً أخرى قام بفكها تحتوي على رواية عن أصل العالم وخلق الحيوانات والإنسان وسقوط الإنسان بلا خطية، غذّت هذه الوثائق تستعمل في نقد الكتاب المقدس مضيفةً تحديات علمانية للدين، وقد أتت فعلاً بنتيجة، فقد قيل أن الوثائق الآشورية أثبتت الآن أن اليهود القدماء مثل الشعوب الأخرى قد أضافوا ببساطة ما اقترضوه من الثقافات المجاورة الأقدم عهداً، وقد كان هناك تحيِّز مسيحي وضع إسرائيل-فلسطين في مركز الصدارة. وانظر جورج سميث (The Chaldean Account of Genesis ، الاعتبارات الكلدانية في سفر التكوين)، نيويورك 1876م، ص17. وانظر Stephanie Dalley ، دايلي (Myths from Mesopotamia, Creation, the Flood Gilgamesh and Others، أساطير من بلاد ما بين النهرين، الخلق، الطوفان، جلجامش، وآخرون(، أكسفودر 1989م، ص7 وبعدها، وانظر ساغز ( Encounter with The Divine in Mesopotamia and Israel، مواجهة مع الألوهية في بلاد ما بين النهرين وإسرائيل)، لندن 1978م. وانظر، أصل الأنواع لداروين لعام 1859م عندما كانت الإثارة في الحفريات المصرية وبلاد ما بين النهرين قد بلغت ذروتها، ومن أجل سرد مبهج لهذه التحديات، انظر Naomi Shepherd، نعومي (The Western Rediscovery of Palestine، المتحمسين والدخلاء، إعادة اكتشاف الغرب لفلسطين)، لندن 1987م، وانظر Emil Kraeling، إميل (The Old Testament since the Reformation، العهد القديم منذ الإصلاح)، نيويورك 1955م، ص91 وبعدها. وانظر S. J. Barrows ، باروس، (Assyriology and the Bible، الآشوريات والكتاب المقدس)،Unitarian Review and Religious Magazine 12، 18779م، 46 وبعدها، وانظر ، George Sarton ، سارتون، (History of Science، تاريخ العلوم)، بالتيمور 1927-1949م، ج1 ص246.
[59] لايارد، نينوى وبقاياها، ج1 ص5.
[60] فليتشر، ملاحظات من نينوى ورحلات في بلاد ما بين النهرين، وآشور وسوريا (فيلادلفيا 1850م)، ص188. وكان فليتشر رفيق بادجر مبعوث رئيس أساقفة كانتربري للعمل بين النساطرة في عام 1842م.
[61] انظر أعلاه، ص3 FF.
[62] جرت المراسلات بين رسام وماكلين من خلال أحد مشرفي البعثة الأنكليكانية في إنكلترا، ولمزيد من التفاصيل انظر كوكلي (The Church of the East and the Church of England، كنيسة المشرق وكنيسة إنكلترا)، ص147-148.
[63] انظر له، نينوى وبقاياها.
[64] انظر أعلاه، ص8.
[65] انظر Isabella L. Bishop، إيزابيلا بيشوب ( Journeys in Persia and Kurdistan، رحلات في بلاد فارس وكوردستان)، لندن، 1891م، ج2، 237. انظر أيضاً أوبري فان (The Nestorian Churches، الكنيسة النسطورية)، لندن 1937م، ص179-180. راجع كوكلي، ص366 n 12.
[66] نداء المطران تايت عام 1870م، كان بعنوان (Appeal on behalf of the Christians of Assyria commonly called the Nestorians، نداء لأجل المسيحيين في آشور، الذين يُكنَّونَ عادة بالنساطرة)، ومنذ تلك اللحظة تم استبدال الاسم النسطوري بآشوري في مفردات الكنيسة الأنكليكانية رسمياً كما كتب كوكلي مؤرخ تلك المهمة، المرجع السابق، كنيسة المشرق وكنيسة إنكلترا ص65. وانظر أيضاً روفوس أندرسون (History of the Missions of the American Board of Commissioners for Foreign Missions in the Oriental Churches ، تاريخ البعثات من المجلس الأمريكي لمفوضي البعثات الأجنبية في الكنائس الشرقية(، بوسطن 1872م، ج2 ص83، حيث يشير إلى أنه في عام 1840م استخدم المبشرون الأمريكيون تسمية “بعثة آشور”، ولكن في إشارة إلى عملهم الرسولي بين الطوائف المسيحية في مدينة الموصل.
[67] تُظهر بحوث Daniel P. Wolk’sدانيال مؤخرا أنه حتى المسيحيين من مدينة أورميا في أمريكا وفي لغتهم الخاصة استمروا حتى بعد الحرب العالمية الأولى بالتعريف عن أنفسهم على أنهم سريان، وفي قراءته لبعض المنشورات الرئيسية من سنة 1907-1920م، وجد فولك أن المنظمة العرقية القومية الأولى التي أنشئت في أورميا كانت منظمة سريانية Suryeta، واسمها (حويادا، أي الوحدة)، وقد قامت صحيفة شيكاغو الإخبارية (مشخيدانا السريانية Mashkhiddana Suryaya-Suryaya) التي صدر العدد الأول منها في شيكاغو سنة 1915م إلى تغير اسم المنظمة السريانية حويادا فقط (لأول مرة) في سنة 1920م إلى المنظمة (Aturaya، الأثورية)، عندما وصل الخطاب القومي الآشوري إلى مرحلة متقدمة، وكان اللقب باللغة الإنكليزية في الصحيفة هو الآشوري، والسبب على الأرجح هو أن السريان المسيحيين في الولايات المتحدة كانوا من المسيحيين العرب ومن سوريا الجغرافية، انظر فولك حول نشأة المنظمة العرقية القومية الآشورية، Ethnonationalism، الخطاب ضد لصوص الصليب، في ورقة قدمت في مؤتمر الشرق الأوسط جمعية الدراسات (MESA)، شيكاغو في 6 ديسمبر 1998م، وبالنسبة لنمو القومية الآشورية فقد تسارعت خلال سنوات الحرب بسبب وجود الوفد الأمريكي الآشوري في مؤتمر السلام في باريس، انظر أدناه، ص156-157. (نيسكو: أرجو ملاحظة أن الاسم بالسريانية هو أثورية وليس بالإنكليزية آشورية التي تختلف حروفها تماماً، وللمزيد انظر كتابنا، فصل: كلمة آشور صيغة عبرية، لا سريانية، ولا عربية).
وشكراً/ موفق نيسكو
يتبع ج4

أحدث المقالات

أحدث المقالات