23 ديسمبر، 2024 8:58 ص

الآثار الوضعية في المال الحرام

الآثار الوضعية في المال الحرام

قال تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
( كلا بل رانَ على قلوبهم ما كانوا يكسبون) سورة المطففين: ١٤
وجاء في تفسير الميزان حول الاية ما يلي :
( فكون ما كانوا يكسبون و هو الذنوب رينا على قلوبهم هو حيلولة الذنوب بينهم و بين أن يدركوا الحق على ما هو عليه.
و يظهر من الآية:
أولا: أن للأعمال السيئة نقوشا و صورا في النفس تنتقش و تتصور بها.

و ثانيا: أن هذه النقوش و الصور تمنع النفس أن تدرك الحق كما هو و تحول بينها و بينه.

و ثالثا: أن للنفس بحسب طبعها الأولي صفاء و جلاء تدرك به الحق كما هو و تميز بينه و بين الباطل و تفرق بين التقوى و الفجور قال تعالى: «و نفس و ما سواها فألهمها فجورها و تقواها»: الشمس: 8) تفسير الميزان.

وفي تفسير آخر للآية  فقد جاء بالمعاني التألية 🙁 ((كَلَّا)) ليس الآيات أساطير، ((بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم))، “الرين” في الأصل بمعنى الغلبة، أي غلب عليها ((مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) من الذنوب والآثام حتى أن عصيانهم سبب أن يتحجر قلبهم، فلا يرون الحق إلا باطلاً والآيات إلا أساطير، قال الصادق (عليه السلام): “يصدا القلب، فإذا ذكرته بالله انجلى) ( تقريب القران للأذهان).
ونستنتج مما سبق ومن الايات وتفسيرها، ان هنالك رين يكون في قلب الانسان يمنعه من ادراك معاناة الاخرين فضلاً عن الاستماع الى الموعظة، كما يكون ذلك الرين حائلاً بين الانسان وبين اختياره وفهمه وتمييزه  للحق على الباطل، فربما يجعل ذلك الرين بالإنسان المصاب ان لا يدرك الحق من الباطل فهو يعيش حياة بعيدة كل البعد عن القيم، وهذا مايتجلى في بعض السياسيين اليوم، فهم يتمتعون في ارقى انواع الرفاهية من العيش وحالة الأمن التي يعيشونها على الرغم من كثرة معاناة ابناء الامة وتعرضهم لأعتى عدو لا يرحم الصغير ولا يبقي على الكبير، ومع ذلك فان الكثير من السياسيين لا يعبهون بما تعاني منه الامة وذلك هو الرين الذي لا يسمح بأؤلئك ان يتأثروا بالموعظة او بمعاناة الناس.

ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟

ان المال الحرام والطعام الحرام والشراب الحرام كله له أثر وضعي على الانسان سواء كان ذلك الأثر في جسمه او في سلوكه او يقع على ابنائه او مستقبله او حياته.
فعلى سبيل المثال ان عملية شرب الخمر عليها عقوبة إلهية وأثر أُخروي ولكنه بنفس الوقت نجد لعملية شرب الخمر أثر في الدنيا يظهر من خلال السلوك غير المنضبط لشارب الخمر مما يؤدي به الى فقدان عقله ومما يؤدي الى فقدان السيطرة على اراداته وشعوره،وفي قوم بارتكاب المعاصي والتعدي على الغير ومن دون تحفظ، وذلك بسبب شربه للخمر.
وهكذا بالنسبة الى عملية السرقة فلها اثار جزائية في الآخرة ، ولها عقوبة في الدنيا في محاكم القضاء ان أُلقي القبض على السارق، ولكن اثر السرقة يبقى وصمة عار على جبين السارق من ناحية، وان المال المسروق سوف يجني للسارق اثر في بناء جسمه وأجسام من يعيلهم من الحرام مما قد يؤدي بذلك السارق وعائلته بآثار وضعية تنعكس على سلوكهم من خلال الإثارة في ميولهم ورغباتهم نحو الاعتداء والسرقة والانحراف، وعدم قبول الحق، وعدم الانتصاف والمحاسبة من النفس.
وهناك مجموعة من الاثار سنعرض بعضاً منعا:
1- يسلب البركة من المال وروي عن الامام الصادق (عليه السلام): من كسب مالا من غير حلة سلط عليه البناء والطين والماء” حتى يتلف ماله اي يعيش دائما هم البناء فيصرف عمره وماله ولاينفعه هذا في الدنيا ولا في الاخرة وكان هذه القطعة من الارض اصبحت مأمورة بابتلاع ماله.

2- يمنع قبول العبادات فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله)قال : اذا وقعت لقمة حرام في جوف العبد لعنه كل ملك في السماوات والارض” وقال ايضا “العبادة مع اكل الحرام كالبناء على الرمل”.

3- آكل الحرام لايستجاب دعائه، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): من اكل لقمة حرام لم تقبل له صلاة اربعين ليلة، ولم تستجب له دعوة اربعين صباحاً، وكل لحم ينبته الحرام فالنار اولى به، وان اللقمة الواحدة تنبت اللحم”

قال تعالى لعيسى ابن مريم (عليه السلام) : قل لظلمة بني اسرائيل لاتدعوني والسحت تحت اقدامكم “

4- اكل الحرام يقسي القلب ويحيطه بالظلمة وبعدها لايعود قادرا على تقبل الحق ولايتاثر باي تحذير او وعظ ولا يتجنب ارتكاب ايجناية، وكما قال سيد الشهداء (عليه السلام )ضمن خطبته لجيش ابن سعد : فقد مُلئت بطونكم من الحرام وطبع على قلوبكم، ويلكم الا تنصفون الا تسمعون “.

ولدينا شواهد كثيرة ومصاديق حقيقية على ما تقدم من ذكر، فقد وصل اكل الحرام ببعض الساسة ان لا يتحسسوا بمرارة العوز وصعوبة عيش الفقراء من الناس، لأنهم أشبعوا رغباتهم من الحرام وصاروا لا يدركون ما تعانيه الامة من محن، وهكذا ينساق الحديث الى الأفراد والعائلة والأسرة .
(شواهد حيّة )
لدينا نماذج من عيّنات بعض المجتمعات في العراق، وهؤلاء اشبعوا بالحرام حتى أصبحوا انهم لا يدركوا حقيقة الموعظة والتبس عليهم الحق والباطل، وصار الحق عندهم باطلاً والعكس صحيح، وهنالك نماذج كثيرة في مختلف مجالات الحياة وفي مختلف المجتمعات، وربما يكون لكل قاريء نموذج ومثال حي من موضوعنا، ولكننا سنذكر شيئاً مما تيسر أمامنا من شواهد وهي  النماذج التالية:

( التبجح بتربيته الحسينية)
ظهر الكثير من الناس من يدّعي حبه للإمام الحسين من خلال خدمته له بواسطة او بأُخرى، فأحياناً تكون خدمته من خلال المواكب الحسينية او غيرها، فينبغي على المؤمن ان تكون خدمته للإمام وسلوكه واحد، لا ان يكون سلوكه نقيض خدمته التي يقدمها للإمام الحسين(ع)، فالإمام الحسين لا يريد خادماً له وهو يتصف بسوء الخلق، والإمام الحسين لا يريد خادماً يعتدي على حقوق الاخرين، والإمام الحسين لا يريد خادماً ينافق ويزني ويرتكب المحرمات، فإذا أردنا ان نكون من خدّام الامام الحسين فعلينا ان نلتزم بأخلاقه (عليه السلام) ووصاياه، والا فما قيمة الخدمة للإمام الحسين في ظل وجود نقيض لتعاليم الامام في الخادم، ومن اراد ان ينظر الى خدام الامام الحسين ويقتدي بهم، فلينظر الى أخلاق كل من :
١- جون، وما ادراك ما جون.
٢- العباس بن علي (ع)، وما ادراك مالعباس .
٣- اصحاب الامام الحسين فكلهم من خدامه (عليه السلام).
٤- اولاد الامام الحسين ( عليهم السلام).
فكل هؤلاء من خدام الامام الحسين ع ، وينبغي بالمرء ان يقتدي بهم بجميع صفاتهم.

وعلى الانسان ان لا يتبجح بحبه وخدمته للإمام الحسين(ع)، وهو يحمل صفاتاً ذميمة غير مرضيّة لا عند الله ولا عند امامه.
(مثال )
١- شخص أكل الحرام منذ ولادته( بطريقة وبأُخرى)  وحتى حصوله على الشهادة الجامعية( طبيب)، واصبح لا يميز الحق من الباطل، فبالرغم من حصوله اعلى الشهادات ولكن ميزان الحق مختل لديه، فهو لا يدري كيف يحكم، وإذا ما أخطأ فهو لا يملك القدرة على الاعتذار، تمنعه حالة الحرام التي أشبعت في لحمه ودمه، ومع ذلك فحينما يُذّكره مُذّكّر فإنه لا ينفع في تذكيره، بل يتعدى ذلك فيتهجم على الواعظ، ويتجاسر على الكبير وان كان من رحمه، فكل ذلك سببه الحرام الذي تغذّى منه وبُني لحمه منه، والأغرب من ذلك فإنك اذا تحاورت معه فإنه يتطاول ويتجاوز ثم يدّعي ان تربيته تربية حسينية، ولست ادري من أين جاءت هذه التربية الحسينية التي يدّعيها، فحالة اكل الحرام تجعل من الانسان ان لايميز بين الحق والباطل، فتلتبس عليه الأمور ويصبح كالتائه نتيجة لانقياده لحالات انفعالية تجرّه الى المعصية والاعتداء، والحالات الانفعالية احياناً يكون سببها اكل الحرام، وأحيانا تؤدي بحالاته انه لم يُحسن الظن بالآخرين، ويفسّر أفعالهم ليحملها على أساس النفع والمصلحة، لأنها شخصيته، فتفك يره منصب من شخصيته المريضة ثم يجعلها في الاخرين.
( الحسد للآخرين)
٢- النموذج الاخر: هو نموذج الحسد الذي يجري في عروق آكلي المال الحرام، وتتجلى صور الحسد في الروح الانتقامية التي يحملها الحاسد، فالحسد صفة ذميمة، بل هي من أشد الصفات الذميمة التي توقع الانسان بالمهالك، وأن اسباب الحسد عديدة، وواحدة من اسباب نشوء الحسد عند الانسان هو أكل مال الحرام، ومثال ذلك ينطبق على احد الأشخاص( العيّنات) في بعض حالاته فقد ظهرت حالة اكل الحرام التي ملأت فكره، فقد كانت لذلك الشخص امٌ طيبة وهو الوحيد لأمه بعد فقد والده، وكانت أمه قد أخفت وصيّة لوالدها بعد وفاته، وكانت تلك الوصية فيها حقوق لأحد اخوة والدها، ولكنها أخفت الوصية هي وبعض المقربين منها فحرموا الموصى اليهم من حقوقهم الشرعية، فأستأثروا بمفردهم حقوق الاخرين، وكان ذلك الولد هو الابن لوالدته فأكل من إرث جده وبني لحمه من ذلك الإرث المشبوه، فظهرت آثار ذلك الإرث في تصرفات ذلك الرجل، ومنها التصرفات والسلوكيات التالية:
أ- لا يستطيع ان ينظر الى صديقَين متحابّين، إلّا وفرّق بينهما.
ب- لا يستطيع ان يحفظ سرّاً أُودع اليه، إلّا وأفشاه للعلن.
ج- حقود على كل من يكون أفضل وأعلى شأناً منه.
د- يقطع الرحم، وإذا وصله احد ارحامه يبقى متفكراً عن سبب زيارة ذلك الرحم اليه…
( الحقد الدفين، وحالة الشك عالأقربين)

وهناك نماذج كثيرة لا تعد، فهي موجودة وشواهدها واضحة لدى القاصي والداني في مسألة آكلي المال الحرام وما يظهره ذلك المال من أثر على نفسية الانسان وعلى سلوكه وربما ينتقل الى الأبناء والزوجة وكل ما يحيط بآكلي المال الحرام.
وهناك مسألة فقهية مفادها التالي :
١- يشترط عند القيام بالعبادات حليّة المكان الذي تقام فيه تلك العبادات كالصلاة مثلاً، فاذا كان المكان مغصوباً او من مال حرام ففيه أشكال.
٢- ويشترط في الصلاة طهارة الملبس الذي يرتديه المصلي …….
وهناك مسائل اخرى، فعلى آكلي المال الحرام ان ينتبهوا الى انفسهم وان يعودوا الى ربهم، وان لا ينساقوا وراء ذلك، لانه قد يؤثّر روحيتهم ونفسيتهم عند لقاء ربهم في الدنيا والآخرة.
فليستغل هؤلاء فرصة الشهر الكريم للتوبة والمغفرة.