الربُّ هو المربّي جميعَ عباده بالتدبير وأصناف النعم، وأخصّ من هذا: تربيته لأصفيائه بإصلاح قلوبهم وأرواحهم وأخلاقهم، ولهذا كثر دعائهم له بهذا الاسم الجليل؛ لأنهم يطلبون منه التربية الخالصة. [تيسير الكريم الرّحمن في تفسير كلام المنان، 5/ 486]
والربُّ في الأصل التربية، وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حدّ التمام، وفيه معنى الحنو الرعاية والعطف.
آثار الإيمان باسمه سبحانه “الربّ”:
– إن اسم “الربّ” سبحانه وما يستلزم من الأسماء والصفات، يتضمن تعريف الناس غايتهم التي خلقوا من أجلها، وتعريفهم ما ينفعهم وما يضرهم، فكونه رب العالمين لا يليق به أن يترك عباده سدىً هملاً لا يعرفهم بنفسه ولا بما لا ينفعهم في معاشهم ومعادهم، وما يضرهم فيها، فهذا هضم للربوبية، ونسبة للرب إلى ما لا يليق: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ (المؤمنون: 115).
الإقرار بربوبية الله عزَّ وجل – يقتضي ويستلزم توحيد الله عز وجل- وعبادته لا شريك له، إذ إن الخالق لهذا الكون وما فيه والمتصرف فيه بالإحياء والإماتة، والخلق والرزق، والتدبير هو المستحق للعبادة وحده، إذ كيف يعبد مخلوق ضعيف، ويجعل نداً لله تعالى في المحبة والتعظيم والعبادة، وهو لم يخلق ولا يملك لنفسه تدبيراً فضلاً عن أن يملكه لغيره، وهذا ما احتج الله عز وجل به على المشركين الذين أقروا بربوبيته سبحانه، لكنهم لم يعبدوه وحده، بل أشركوا معه غيره، وقد جاءت هذه الاحتجاجات الكثيرة في القرآن الكريم بأساليب متنوعة منها: قوله تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ (الزمر: 38).
الإيمان بصفة الربوبية لله عز وجل: الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، إذ إن من صفات الرب سبحانه كونه قادراً، خالقاً، بارئاً، مصوراً، حياً قيوماً، عليماً، سميعاً، بصيراً، محسناً، جواداً، كريماً، معطياً، مانعاً، وقل ذلك في بقية الأسماء والصفات، فكل أثر من آثار الإيمان بالأسماء الحسنى هو في الحقيقة راجع إلى ما يتضمنه اسم “الرب” سبحانه. [عبد العزيز بن ناصر الجليل، ولله الأسماء الحسنى ص 98].
يقول ابن القيم: إنَّ الربَّ هو القادر الخالق الباري المصور الحي القيوم، العليم السميع البصير، المحسن المنعم الجواد المعطي المانع، الضار النافع، المقدم المؤخر، الذي يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، ويُسعد من يشاء، ويشقي ويعز من يشاء ويذل من يشاء إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه من الأسماء الحسنى. [عبد العزيز بن ناصر الجليل، ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها، ص 99].
ولما كان من معاني “الرب” أنه الذي يربي عباده وينقلهم من طور إلى طور، وينعم عليهم بما يقيم حياتهم ومعاشهم، وهو الذي أحسن خلقهم، وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى، فإن هذه المعاني من شأنها أن تورث في قلب العبد المحبة العظيمة لربه سبحانه، وحب ما يحبّه ومن يحبّهن وبغض ما يبغضه ومن يبغضه، والمسارعة في مرضاته وتعظيمه وإجلاله وشكره وحمده الحمد اللائق بجلاله وعظمته وسلطانه وإنعامه.
ولمّا كان من معاني “الرب” أنه المتكفّل بأرزاق خلقه، وعنده خزائن السماوات والأرض، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير، فإن هذه الصفات تورث في قلب العبد العارف لربه سبحانه قوة عظيمة في التوكل عليه سبحانه في جلب المنافع، ودفع المضارّ، وفي تصريف جميع أموره، فلا يتعلق إلا بالله تعالى، ولا يرجو إلا هو، ولا يخاف إلا منه سبحانه، إذ كيف يتعلق بخلوق ضعيف مثله لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً.
ولما كان من معاني الربوبية اختصاصه سبحانه بجلب المنافع ودفع المضارّ، وتفريج الكروب، وقضاء الحاجات، فإن العباد بما أودع الله في فطرهم في معرفة ربهم بهذه الصفات – يلجؤون إلى ربهم ويتضرعون إليه في الشدائد والملمّات، وينفضون أيديهم من كل سوى الله عز وجل، وكلما عرف العبد ربه بأسمائه وصفاته أثر هذا في دعائه وقوة رجائه، ولجوئه، وتضرعه لربه سبحانه، والوثوق بكفايته سبحانه، وقدرته على قضاء الحوائج وغير ذلك من الآثار في اسم الله عز وجل “الرب”. [عبد العزيز بن ناصر الجليل، ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها، ص 98].
ملاحظة هامة: استفاد المقال مادّته من كتاب: “نوح عليه السلام”، للدكتور علي محمد الصلابي، واعتمد في كثير من معلوماته على كتاب: “ولله الأسماء الحسنى”، للدكتور عبد العزيز بن ناصر الجليل.
المراجع:
عبد الرحمن بن ناصر السعدي: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، دار ابن الجوزي، الدمام، ط4، 1435ه.
عبد العزيز بن ناصر الجليل، ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها، القسطاوي للطباعة والتجليد، الطبعة الأولى، 1439ه.
علي محمد الصلابي، نوح عليه السلام والطوفان العظيم، ميلاد الحضارة الإنسانية الثانية.