شهد شهر ايار وبداية حزيران 2017 تحركاً دبلوماسياً كوردياً مكثفاً واجراء حوارات ولقاءات مهمة لقادة اقليم كوردستان مع رؤساء وشخصيات مهمة على المستويين الاقليمي والدولي تناولوا فيها اهم القضايا التي تخص العراق والمنطقة ولاسيما قضيتي الاستفتاء ومستقبل العلاقات مع بغداد.
التحرك بدأ في 14 ايار الماضي عندما زار وفد رفيع المستوى برئاسة مسرور بارزاني مستشار امن اقليم كوردستان العاصمة الامريكية واشنطن واجرى مباحثات مهمة مع بريت ماكغورك المبعوث الخاص الامريكي في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش الارهابي ، ولكن قبل ماكغورك التقى جاريد كوشنر كبير مستشارى الرئيس الامريكي دونالد ترامب ، بحضور هربرت مكماستر مستشار الأمن القومي وعدد أخر من كبار المسؤولين الامريكيين.
وتم في اللقاءات بحث العلاقات الثنائية بين اربيل و واشنطن فضلا على اخر التطورات على جبهات الحرب ضد الارهاب ومستقبل المنطقة بعد هزيمة التنظيم الارهابي.
وجدد جميع المسؤولين الامريكيين في لقائهم مسرور بارزاني استمرار دعم واسناد واشنطن لأقليم كوردستان في الحرب ضد الارهاب واستتباب الامن والاستقرار في المنطقة.
اوضاع اقليم كوردستان الداخلية و قضية الاستفتاء بشأن حق تقرير المصير كان الملف الاهم الذي تم بحثه مع الجانب الامريكي.
بعد مرور اربعة ايام على زيارة مستشار امن اقليم كوردستان لواشنطن ، قام السيد رئيس اقليم كوردستان مسعود بارزاني بزيارة الى العاصمة الاردنية عمان في 18 من ايار للمشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي في البحر الميت ، الذي حضره عدد كبير من الشخصيات السياسية والإقتصادية على مستوى العالم ورؤساء ومسؤولين وممثلين عن الدول المشاركة..
على هامش مشاركته في اعمال المؤتمر اجرى الرئيس مسعود بارزاني عدة لقاءات مع رؤساء وشخصيات عربية واجنبية ، حيث التقى العاهل الاردني الملك عبدالله في عمان والرئيس فؤاد معصوم رئيس الجمهورية و وزير خارجية النرويج بورك بريند وتم في اللقاءات بحث كيفية تعزيز العلاقات الثنائية ومستقبل العراق بعد دحر داعش الارهابي عسكريا وقضية الاستفتاء لتقرير مصير الشعب الكوردي في العراق ، فضلا على اخر تطورات الحرب ضد الارهاب والازمة السورية ، وقضية ايواء ما يقرب مليوني لاجئ عراقي في مخيمات الاقليم.
كما إجتمع الرئيس بارزاني مع وزير الخارجية الهولندي بريت كونديرس، وفي اللقاء أعرب وزير الخارجية الهولندي عن سعادته وإرتياحه لتطور العلاقات بين بلاده وإقليم كوردستان مؤكداً أن هولندا ملتزمة بتطوير العلاقات مع الإقليم وبالأخص في مجالات الطاقة والزراعة والمياه، من جانبه اطلع الرئيس مسعود بارزاني وزير خارجية هولندا على ان الاقليم سينظم استفتاءه بشأن مستقبل بقائه مع العراق من عدمه في العام الجاري ، فضلا على بحث الوضع السياسي في إقليم كوردستان وأزمة اللاجئين والنازحين والحرب ضد إرهابيي داعش.
كما إجتمع الرئيس بارزاني مع عدد من أعضاء منظمة كلوبال شيبرز العالمية، وهي منظمة عالمية تتألف من عدد من النخب الشبابية على مستوى العالم، وكانت زيارة منظمة كلوبال شيبرز العالمية تهدف إلى الإطلاع على رأي الرئيس بارزاني
بشأن الوضع العام في كوردستان وقضية الإستفتاء والإستقلال ، حيث قدم لهم السيد بارزاني ملخصاً بشأن تاريخ شعب كوردستان مع الدولة العراقية و تجاوزات الحكومات العراقية على الشراكة المتفق عليها بين اربيل وبغداد، فضلا على الكوارث والمآسي التي حلت على شعب كوردستان على أيدي الحكومات العراقية المتعاقبة، كما سلط الضوء على العوامل والمقومات التي تشجع شعب كوردستان على اعلان تقرير مصيره عبر الإستفتاء.
وتوجت الحملة الدبلوماسية الكوردية بزيارة وفد رفيع المستوى من حكومة اقليم كوردستان برئاسة السيد نيجيرفان بارزاني رئيس الحكومة الى روسيا للمشاركة في اعمال منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي العالمي يوم الخميس الاول من حزيران الجاري.
واجتمع رئيس الحكومة يوم الجمعة الثاني من حزيران ، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن . وعقب الاجتماع قال بارزاني للصحفيين “بحثنا العلاقات الثنائية بين كوردستان وروسيا واهمية تطويرها وتعزيزها مضيفا اننا سنقوي التعاون مع روسيا”.
كما التقى في نفس اليوم ، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ، وقال عقب اللقاء، إن الاقليم سيعمل على تعزيز علاقاته مع روسيا.
ومن جانبه قال وزير الخارجية الروسي سيرجى لافروف ، إن موسكو تراقب الأوضاع في إقليم كوردستان عن كثب ،وان الاقليم موضع اهتمام بلاده ، مشيرا الى ان روسيا ترغب في تعزيز علاقاتها مع اقليم كوردستان.
منوهاً الى إطلاع الحكومة الاتحادية في بغداد على العلاقات بين روسيا وإقليم كوردستان، قائلاً: هي ضمن الاطر الدستورية العراقية .
كما التقى رئيس وزراء اقليم كوردستان وزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك الذي عبر عن سروره بالعلاقات الجيدة بين بلاده واقليم كوردستان خاصة في قطاع الطاقة،لافتاً الى جهود حكومته لحث الشركات الروسية على العمل والاستثمار في هذا القطاع ، معبراً عن استعداده لدعم عمل تلك الشركات بالاقليم .
وفي اجتماع مع مدير ومسؤولي شركة روس نفت احدى كبريات الشركات الروسية في مجال البترول ، تباحث الجانبان بشأن سبل التعاون بين اقليم كوردستان والشركة حاليا ومستقبلا وآلية توفير فرص الاستثمار لها في الاقليم ، واكد الجانبان ضرورة استمرار اللقاءات والاجتماعات بينهما.
كما وقع وزير الثروات الطبيعية في حكومة اقليم كوردستان ، حزمة اتفاقيات مهمة في مجال النفط مع عملاق النفط الروسي “روس نفط” بحضور رئيس وزراء كوردستان نيجيرفان بارزاني، ونائبه في الحكومة قوباد طالباني .
وقال بارزاني، في تصريح صحفي عقب التوقيع على الاتفاقية ،: انها اتفاقية تجارية طويلة الامد ،تقوم الشركة الروسية بموجبها بالاستثمار في اقليم كوردستان، عادا الاتفاقية بمثابة انطلاقة وبداية جديدة في مجال الطاقة باقليم كوردستان، وفي تطوير العلاقات بين اربيل وموسكو.
وقال ميخائيل ليونتيف المتحدث الرسمي باسم شركة “روس نفط” ، إن الشركة الروسية أبرمت العقود مع إقليم كوردستان في مجالات التنقيب والخدمات اللوجستية وتطوير البنية التحتية وتجارة موارد الطاقة.
وبموجب العقود، التي تمتد لمدة 20 عاما، تشارك “روس نفط”، التي تعد كبرى شركات النفط الروسية، في إدارة وتطوير خط أنبوب تصدير النفط الرئيس، الذي يمتد من كوردستان إلى تركيا.
وقالت “روس نفط” في بيان لها أن قدرة هذا الأنبوب تبلغ حاليا 700 ألف برميل يوميا، ومن المقرر زيادة القدرة إلى أكثر من مليون برميل بحلول أواخر العام الجاري.
واضاف البيان ، يعد إقليم كوردستان سوقا واعدا للاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقة، إذ يمتلك الإقليم احتياطيات تقدر بـ 45 مليار برميل من النفط، و5.7 تريليون متر مكعب من الغاز.
وتأتي الاتفاقيات الموقعة استكمالا لمذكرات تفاهم وقعت بين الجانبين في فبراير/شباط الماضي على هامش مؤتمر “أسبوع البترول الدولي” في لندن.
كما كان للسيد نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة اقليم كوردستان لقاء مع اليكسندر ديوكوف رئيس شركة غاز بروم الروسية وهيئة الشركة على هامش المنتدى.
واشار السيد ديوكوف في اللقاء إلى أن الشركة تقوم بتنفيذ أعمالها في إقليم كوردستان بشكل جيد، وهي على إستعداد لمواصلة عملها وتوسيع نشاطاتها مستقبلاً.
من جانبه، ابدى بارزاني إستعداد حكومة إقليم كوردستان لأي شكل من التعاون والتنسيق مع شركة غازبروم من أجل توسيع نشاطاتها في الإقليم في مختلف المجالات مستقبلاً.
كما كانت لدائرة العلاقات الخارجية لحكومة اقليم كوردستان في شهر ايار الماضي نشاطات ولقاءات مكثفة مع مسؤولي دول متعددة ، على سبيل المثال على هامش المنتدى الامني العالمي الذي انهى اعماله في العاصمة السلوفاكية براتسلافا في 28 من ايار الذي شارك فيه عشرات الشخصيات السياسية ووزراء الخارجية والدفاع والشخصيات الأكاديمية والخبراء في المجالات الستراتيجية والأمنية.
وعلى هامش المنتدى، عقد وفد دائرة العلاقات الخارجية في حكومة الإقليم برئاسة السيد فلاح مصطفى مسؤول العلاقات الخارجية سلسلة من اللقاءات والإجتماعات الثنائية المهمة مع كل من :
– نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية السلوفاكي ميروسلاف لايجاك.
-وزير الخارجية والتجارة الهنغاري بيتر سيارتو.
-وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو.
-وزير خارجية جمهورية مونتينيغرو سردجان دارمانوفيج.
وفي اللقاءات، قدم مسؤول العلاقات الخارجية نبذة عن آخر التطورات السياسية والعسكرية والإقتصادية والإنسانية في إقليم كوردستان، فضلاً عن توضيح وجهات نظر ورؤى حكومة الاقليم بشأن القضايا الراهنة الإقليمية والدولية. ولاسيما ما يخص التصدي للعنف والإرهاب.
كما ثمن فلاح مصطفى عالياً دور قوات البيشمركة في الدفاع عن إقليم كوردستان وإفشال مخططات تنظيم داعش الإرهابي. كما شرح لوزراء الخارجية والمسؤولين الأجانب وجهات نظر إقليم كوردستان لإجراء الإستفتاء .
وإستقبل السيد فلاح مصطفى مسؤول العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كوردستان، في اربيل ، وفداً من وزارة الخارجية اليابانية برئاسة السيد “توموفومي نيشيناكا” المدير في مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية اليابانية و “كراتو كاتو” القنصل الياباني في أربيل.
وقال نيشيناكا : نتطلع إلى رفع مستوى العلاقات وتقدمها في مختلف المجالات مع إقليم كوردستان، وفي الإطار ذاته وجه دعوة رسمية من وزارة الخارجية اليابانية إلى
السيد مسؤول العلاقات الخارجية لزيارة طوكيو بهدف تنمية وتعزيز هذه العلاقات بين الجانبين ، مضيفا ان بلاده سعيدة بمساعدة إقليم كوردستان عن طريق وكالة جايكا. وأن بلاده تنظر بعين الإهتمام إلى مرحلة ما بعد داعش الارهابي، آملاً أن يكون الأمن والتعايش أساس في هذه المنطقة وإنهاء سلطة داعش الارهابي.
ومن جانبه اعرب ، فلاح مصطفى عن سعادته بمستوى العلاقات بين إقليم كوردستان واليابان، ووصف إفتتاح القنصلية اليابانية في الإقليم على انها مرحلة مهمة. مشيدا بموقف اليابان لضمانها حصة الإقليم عندما تمنح القروض المالية للحكومة العراقية أو عندما تقيم دورات لتنمية القدرات الذاتية.
الأوضاع الراهنة في إقليم كوردستان والعراق والحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي والعلاقات بين اربيل وبغداد ومشروع الإستفتاء كان محوراً آخر من اللقاء.
نستخلص من كل تلك المساعي الدبلوماسية في الشهر الماضي ، ان قيادة اقليم كوردستان ، تسعى لمناقشة اوضاع العراق والمنطقة بعد دحر داعش الارهابي فضلا على قضية الاستفتاء على تقرير المصير مع جميع الاطراف المؤثرة بالقرار الدولي وكذلك الاطراف الاقليمية ولكنها في النهاية تعتقد جازمة ان القضية ترتبط بشكل مباشر بين بغداد واربيل ، وبرغم ذلك يبقى التأثير الاقليمي والدولي سيد الموقف ولذلك فان الحملة الدبلوماسية المكثفة لمسؤولي اقليم كوردستان تدخل في هذا الاطار.
الاستنتاجات بحسب ما تسرب من نتائج كل تلك المساعي الدبلوماسية توحي بان الولايات المتحدة اعلنت استمرار دعمها العسكري للاقليم في الحرب ضد الارهاب لكنها لم تعلن بشكل واضح دعمها للاستفتاء بشأن تقرير المصير وفي عين الوقت لم ترفضه بشكل صريح ، يبدو ان واشنطن لا تريد ان تستفز بغداد باعلان دعمها
للاستفتاء نظرا لحساسية المرحلة في المنطقة والتسويات التي تجري لرسم الخارطة الجديدة لها وذلك بوساطة دورها المحوري في العراق وسوريا وبالاخص التأثير على الاوضاع بعد هزيمة داعش الارهابي عسكريا وتنتظر ما تؤول اليه الاحداث على الارض مع الاخذ بنظر الاعتبار مصالحها في المنطقة بشكل عام.
اما روسيا العضو الدائم في مجلس الامن الدولي والدولة التي لها نفوذ في معظم توازنات مناطق اسيا والشرق الاوسط والادنى كان موقفها واضحا من اربيل عن طريق زيارة وفد حكومة الاقليم برئاسة نيجيرفان بارزاني الى روسيا للمشاركة في اعمال منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي العالمي ، بالتأكيد موسكو ليست غائبة عن ما يدور في الشرق الاوسط بادق تفاصيله وهي على بينة ان الاقليم ماض نحو الاستفتاء وتقرير المصير ، واستقبال الوفد الكوردي على مستوى عال من الرئيس الروسي فلاديمير بوتن و وزير الخارجية سيرغي لافروف وشخصيات سياسية اخرى فضلا على رؤوساء الشركات النفطية العملاقة الروسية بهذا التوقيت بالذات وتوقيع عقود نفطية ضخمة مع الاقليم بحد ذاته يعد موقفا متمايزا جديدا و توحي الى ان موسكو تدعم اربيل سياسيا واقتصاديا مستقبلا ، لانها ارتبطت به بصفقات اقتصادية كبيرة ليست آنية بل على المنظور البعيد ، فضلا على انها تعي ان القضية الكوردية في الشرق الاوسط تفرض نفسها على اية تسويات مستقبلية في المنطقة واقليم كوردستان بالذات اصبح قوة يحسب له حساب في التوازنات الاقليمية بحكم دوره في الحرب ضد الارهاب وعدم تهديد مصالح القوى الكبرى في المنطقة بل خلق بيئة آمنة لتحقيقها ، يبقى على حكومة الاقليم ان تتحرك على الصين الدولة الدائمة العضوية الاخرى في مجلس الامن الدولي لمناقشة المشروع المستقبلي الكوردي معها ومعرفة موقفها منه ، فرنسا وبريطانيا العضوتان الاخريان في مجلس الامن الدولي لا تعارضان المشروع وهذا واضح بوساطة دعمهما ومساندتهما للاقليم عسكريا
واقتصاديا في المدة الماضية ، اما بقية الدول الاوربية وغيرها التي لها مصالح في المنطقة فهي تدور في فلك التحالفات مع القوى العظمى وتتبع سياساتها نظرا للمصالح المشتركة بينها.
لم يبق الا ان نؤكد ان اقليم كوردستان ومن اجل انجاح مشروع الاستفتاء وتقرير المصير ، تمكن من الدخول في شراكة عسكرية واقتصادية كبرى مع الدول والقوى العظمى التي تحدد مستقبل المنطقة وترسم خارطتها الجديدة.