18 ديسمبر، 2024 9:06 م

اقليم كوردستان يمزق شرنقة الاقتصاد الريعي

اقليم كوردستان يمزق شرنقة الاقتصاد الريعي

عند تصفحنا لتاريخ الشعوب في العالم ، يتجلى لنا واقع مثير ، هون ان هناك امماً وشعوباً نهضت من جديد بعد حروب مدمرة حرقت الاخضر و اليابس معا ، لكنها تمكنت بارادة وعزيمة ابنائها من ان تبني بلدانها وهي اليوم في مصاف الدول المتطورة ذات بنية عسكرية واقتصادية قوية مثل المانيا ومعظم الدول الاوربية وروسيا واليابان التي تمكنت من عمل المستحيل لاعادة امجادها والسير بخطى حثيثة نحو محو آثار الحرب وبناء حياة آمنة ومزدهرة لشعوبهم.

على سبيل المثال بعد توقيع الإمبراطور الياباني لوثيقة الاستسلام في الحرب العالمية الثانية وتعيين الجنرال الامريكي ماك آرثر حاكمًا فعليًا عليها ، بدأ الاحتلال الامريكي لليابان واستمر مدة ستة اعوام من 1945 الى 1951 ، وكانت هذه الفترة من اسوأ الفترات في التاريخ الياباني ، حيث انهيار الاقتصاد بالكامل و نقص حاد في انتاج المواد الغذائية ما انذر بمجاعات واسعة النطاق وهلاك مئات الآلاف وارتفاع هائل في اسعار السلع الضرورية ، وما زاد الطين بلة هو ان الحاكم الامريكي امر بتسريح الجيش الياباني بالكامل مما خلف جيشا من العاطلين عن العمل قدر في حينها بخمسة ملايين شخص.

برغم كل هذا الدمار الهائل الذي لحق بالبلد المحتل و المنهك اقتصاديا وعسكريا ، الا ان اليابانيين قيادة وشعبا لم يستسلموا للواقع المر بل فعلوا المستحيل وعملوا بارادة وعزيمة لاتلين كي ينهضوا ببلدهم وشعبهم من جديد لتكون اليوم اليابان قطبا

اقتصاديا وقدرة عسكرية جبارة يعيش شعبها برفاه وطمأنينة ووفرة الخدمات الضرورية بمعدلات قياسية ومعايير عالمية تضاهي اكبر الدول تطورا من حيث الازدهار

الاقتصادي حيث يصل متوسط الدخل السنوي للفرد فيها الى 42,310 دولاراً امريكياً.

لست هنا بصدد مقارنة اقليم كوردستان باليابان ، بسبب اوجه التباين بين وضع الجانبين في امور كثيرة ، ولكني قصدت الاستفادة من تلك التجربة الناجحة ، لاننا ايضا شعب فرضت علينا حروب وتعرضنا الى استخدام الاسلحة المحرمة دوليا وعمليات ابادة جماعية خلال القرن العشرين واليوم ايضا نعاني من حصار اقتصادي وقطع موازنتنا ورواتب موظفي الاقليم من قبل الحكومة الاتحادية ونعاني من بطالة وركود اقتصادي وتوقف غالبية المشاريع الاستثمارية ناهيك عن تدني مستوى بعض الخدمات ، الا ان شعبنا وبرغم هذا الظرف العصيب لم يستسلم ولم يتوان عن المطالبة بحقوقه فحسب ، بل يسعى لحل مشاكله بنفسه بأرادة وعزيمة قويتين والسير بخطى حثيثة لتجاوز هذه الازمة وتطوير الاقليم من جميع النواحي ، ومن هذا المنطلق وبرغم صعوبة الاوضاع هناك جنود مجهولون يعملون من دون كلل وملل من اجل الوصول الى الاكتفاء الذاتي على الاقل في المنتوج الزراعي والسلة الغذائية للمواطن الكوردي وتغيير نمط اقتصاد الاقليم من الريعي والاعتماد الكامل على النفط الى مصادر متعددة للايرادات لإيجاد حل جذري لمشاكله مستقبلا، وفي هذا السياق اعلن وزير الزراعة والموارد المائية في اقليم كوردستان السيد عبدالستار مجيد قبل ايام في تصريح خاص لفضائية رووداو انه خلال العام الماضي 2016 قامت الوزارة بتصدير 38 طنا من المنتجات الزراعية المحلية من الفستق والبطاطا والعسل والرز الكوردي بالاضافة الى الدواجن المختلفة الى دول عديدة مثل السودان والامارات العربية المتحدة ولبنان وايران وسوريا وتركيا والسعودية ودول اخرى بالاضافة الى المحافظات العراقية في وسط وجنوبي العراق.

مضيفا ان لدى الوزارة برامجاً وخططاً مستقبلية لتوسيع حجم الصادرات الزراعية العالية الجودة والنوعية الممتازة وستبدأ الوزارة بتنفيذ تلك البرامج والخطط خلال الفترة القصيرة المقبلة.

وشدد وزير الزراعة والمصادر المائية في اقليم كوردستان على ان الوزارة قررت تقديم تسهيلات للتجار واصحاب رؤوس الاموال من المصدرين واعفائهم من كل الرسومات والضرائب والوزارة مستعدة لتقديم كل مايسهل عملية التصدير الى خارج الاقليم.

وكشف عبدالستار مجيد ان الاقليم بحاجة الى 500 الف طن من القمح سنويا في حين بلغ الانتاج في عام 2016 اكثر من مليون و 600 الف طن وتم شراء كمية منه من قبل الحكومة الاتحادية ولكنها لم تدفع مستحقات الفلاحين بشكل كامل ، ولذلك الوزارة بصدد البحث عن اسواق عالمية لبيع مازاد من المنتج.

واستمرارا لجهود حكومة الاقليم للخلاص من الاقتصاد الريعي ، قامت بأنشاء معمل بايونير الخاص بأنتاج الادوية في السليمانية وتم افتتاحه في حزيران 2011 حيث ينتج انواعاً مختلفة من الادوية وخاصة ادوية الامراض المزمنة التي تحتاجها المستشفيات والاسواق في الاقليم ، حيث قام المعمل بمضاعفة انتاجه خلال العام الماضي 2016 وتم تصدير كميات منها الى الدول الافريقية.

ان هذه المساعي والجهود وبحسب الخطط المرسومة لها ستتوسع خلال السنوات المقبلة لتشمل منتجات اخرى واعتماد الاقليم على جني ايرادات كبيرة من القطاعين الزراعي والسياحي بالدرجة الاساس لما يمتلكانه من مقومات التطوير ، لكسر الحصار الاقتصادي المفروض عليه من جانب و تمزيق شرنقة الاقتصادي الريعي وتحويله الى اقتصاد متعدد الموارد كي لا تتكرر تجربة السنوات الماضية التي تهاوت فيها اسعار البترول في الاسواق العالمية وتسبب في عجز معظم الدول المصدرة للبترول.