يبدو ان حكومة اقليم كردستان غير قادرة على الخروج من الأزمات المالية والاقتصادية التي يعاني منها المواطنون والموظفون والمنتسبون طوال السنوات الماضية القاسية، والأزمات مستمرة في السنة الحالية، ويتوقع استمرارها لسنوات اخرى ان ظل الشعب الكردي صامتا دون موقف، وحسب ما يذكر من قراءات وتحليلات وتصريحات يبدو ان البرنامج المتبع من قبل السلطة التنفيذية لمجابهة الازمات تستند الى ثلاث خطط رئيسية هي:
اولا: تنفيذ سياسة صارمة للتقشف باسم “الادخار الاجباري” التعسفي على حساب الموظفين والمتقاعدين ومنتسبي الحكومة والشرائح الاجتماعية والمرضى والمصابين بالاعاقات وشرائح فقيرة اخرى، وذلك لتقليل النفقات العامة وضمان تأمين الموارد للشركات المنتجة والمسوقة للنفط وتأمين رواتب للمقاتلين البيشمركة وحمايات المسؤولين وتأمين المصاريف المترفة والباذخة للحكومة، وبالرغم من الاضرار الحياتية والمعيشية والاجتماعية والصحية المتولدة عن هذه السياسة الجائرة، الا ان الحكومة لا تبالي ولو بمقدار مثقال ذرة لتلك المعاناة، والمؤسف انها تلجأ الى أساليب غامضة وكاذبة لتمرير برنامجه القاسي على حساب الفقراء والموظفين والكادحين والمحتاجين، وبعكس هذا الاتجاه فان الحكومة ولغرض معالجة الازمات لا تفرض اي عبأ او ضريبة او رسوم ولو بمقدار مثقال ذرة على الأثرياء الفاحشين والأغنياء الفاسدين والشركات العاملة في الاقليم والتي تقدر بعشرين الف، وحسب تقارير الصحافة الكردية فان ملكية اغلب الشركات الكبيرة والمتوسطة تعود الى الحزبين الحاكمين والى المسؤولين الرسميين والحزبيين.
ثانيا: خطة البنك الدولي، وبالرغم من عدم توفر التفاصيل عتها، لكنها بالتأكيد تستند الى رؤية علاجية صارمة للسياسات الفاشلة التي ادارت الاقتصاديات المتخلفة والنامية في السنوات السابقة مثل اقتصاد الاقليم، والمعلوم ان خطط البنك للاصلاح تساق عادة على حساب الفقراء والموظفين والمواطنين من أصحاب الدخل المحدود، ومن خلال قراءة خطط البنك السابقة التي عرضت على مصر وعدد من دول المنطقة في حينها، فان تلك البرامج جلبت الكوارث والمأساة للمواطنين في تلك الدول، وذلك بسبب عدم مراعاة البنك للحالة المتدنية للمستويات المعيشة لمجتمعات ومكونات وشرائح شعوب تلك الدول.
ثالثا: رؤية الحكومة الآنية والعفوية، وهي لا تستند الى اي نهج علمي اواكاديمي او معيار قياسي، ولا تحمل خيرا ولو بمقدار مثقال ذرة في محتوى ومضمون قراراتها وتعليماتها لصالح المواطن والشعب، ومن خلال هذه الرؤية العفوية الآنية لرئيس السلطة التنفيذية وشركائه في الحكومة تتخذ قرارات لخلق معاناة أكثر للمواطنين والموظفين والمنتسبين وليس لتخفيف الاعباء عن كاهلهم.
وبالرغم من تحجج الحكومة بان اسباب الأزمة تعود الى انخفاض سعر برميل النفط عالميا، وظهور حركة داعش الارهابية وحربها على الاقليم والعراق، وقطع الحكومة الاتحادية لحصة الاقليم من الميزانية السنوية العامة، الا ان الاسباب الحقيقية تعود الى تسلط مافيا حقيقية على مقاليد الحكم منذ ربع قرن من الزمن القاسي لنهب الثروات والأموال والممتلكات العامة، ومازالت مستمرة حتى اليوم في غيها وبغيها وجورها ونهبها، وفوق هذا تتبجح بالاصلاح، ولا ندري كيف يمكن لهذه السلطة الحاكمة من عقدين ونصف والمسببة للأزمات ان تتدعي الاصلاح وترميم ذات البين !؟
وعلى العموم وبالرغم من المعاناة القاسية المتولدة من استمرار هذه السلطة، وبالرغم من صعوبة الاصغاء لاي طرح ايجابي ونافع ومفيد لنظام حكم الاقليم وللمواطنين المهمومين، الا ان الالتزام الاخلاقي ومسؤولية الانتماء لهذا الوطن المنهوب يلزم علينا دوما طرح افكارا ايجابية بناءة كرؤية متواضعة لمعالجة الازمات والاوضاع الاقتصادية القاسية في الاقليم، ومن هذا المنطلق نطرح هذه الاستراتيجية لانقاذ اقتصاد الاقليم الكردي الفيدرالي الذي بات قريبا من شفا الهاوية، وهي تأكيد لما جاء في مبادرة “العبور الآمن” لانقاذ اقليم كردستان، والاستراتيجية تتضمن ما يلي:
1. التفعيل الفوري لبرلمان كردستان، وتشكيل حكومة وطنية عاجلة باتفاق سياسي بين الاحزاب الكردستانية لتبني الخطوات الضرورية لمعالجة الازمات المالية والاقتصادية، وعلى ان يكلف رجل اقتصادي اكاديمي برئاستها وان يخول بصلاحيات كاملة لتوفير الموارد اللازمة لمعالجة الازمات والمشكلات، ولاتخاذ خطوات ملموسة ومحسوسة وعملية لاجراء الاصلاح ومجابهة الفساد.
2. الضمان الوطني والشعبي والاصرار الجماهيري على تاسيس صندوق وطني باسم “الصندوق الوطني” برأسمال قدره (15-20) مليار دولار، ليكون بنك الاحتياط للاقليم، يتبرع بأمواله الرؤساء والوزراء والمسؤولين الحزبيين واعضاء المكاتب السياسية والحزبين الحاكمين والاحزاب الاخرى والاثرياء والشركات بجميع انواعها، وحسب الية عمل تتفق عليها الكتل النيابية في برلمان كردستان.
3. الزام الرئاسة والحكومة الجديدة بتبني عمل تاريخي وطني وهو تأميم كل القطاعات النفطية والاقتصادية والتجارية والمالية الهامة التي تتحكم باقتصادديات البلد، ووفق آلية مستندة الى رؤية قانونية ومالية مبنية على مراعاة المصلحة العامة ومقامة على أرضية صلبة ومسنودة من كافة ابناء وكل مكونات وشرائح شعب الاقليم.
4. تأميم وتمليك جميع الشركات والمصارف والبنوك والأموال والممتلكات الحزبية والشخصية والأهلية الاقتصادية والتجارية والمالية الى القطاع العام الحكومي بنسبة 51%، وبيع النسبة الباقية 49% بحساب نظام الأسهم الى المواطنين لتأسيس واقامة قطاع عام وطني مشترك بين الدولة والشعب بعيدا عن الاستغلال والاحتكار والاستبداد والاستعباد الاقتصادي والمالي ومع ضمان العدالة والمساواة.، وذلك بقانون من البرلمان.
5. تأسيس واجارة الشركات فقط وفق نظام القطاع العام والتمويل المشترك بين الحكومة والمواطنين، ومع تخصبص نسبة 40% من الأرباح سنويا للعاملين في الشركة، والنسبة الباقية 60% للمساهمين، وذلك لضمان حق الاستفادة وـامين الانتاجية والنوعية والجودة في العمل والانتاج لصالح المصلحة العامة، ويمكن للبرلمان سن قانون بهذا الغرض وتحيد النسب وفق رؤية اكثر عدالة.
6. تأسيس مصرف حكومى للتعاون برأسمال قدره نصف تريليون دينار عراقي وبتمويل مشترك من الحكومة والمواطنين وبحساب نظام الاسهم، لتقديم القروض الى القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية لتحريك العجلة الانتاجية والخدمية المحلية وتفعيل القدرات والمكونات الاقتصادية الذاتية وتأمين الغذاء والاحتياجات والمستلزمات الحياتية الاساسية.
7. تأسيس مصرف مستقل للعقار برأسمال قدره نصف تريليون دينار عراقي وبتمويل مشترك بين الحكومة والمواطنين وبحساب نظام الأسهم، لتقديم القروض لبناء الدور والسكن والشقق لكافة المواطنين في المحافظات والأقضية والنواحي والقرى، وذلك بضمان البناء.
8. تأسيس مصرف للقطاع العام بإسم “مصرف المشاريع الصغيرة” للشباب والخريجين والمهنيين والكسبة وغيرهم، وذلك لاقامة المشاريع الصغيرة الانتاجية والخدمية لتأمين مصدر رزق للمواطنين وخاصة الشباب منهم، وتقديم قروض للزواج كمشروع بناء الاسرة، وذلك للتشجيع وتخفيف الاعباء على القائمين بخطوات تشكيل وبناء الحياة الأسرية.
هذا باختصار أهم الأركان الأساسية للاستراتيجية المطروحة، ونأمل من الجهات المعنية الاستفادة من الافكار الواردة التي تمتلك بعض الأسس العملية لاخراج الاقليم من ازماته المستعصية وذلك لتأمين وضمان الاستقرار الاقتصادي والمالي للشعب، والله من وراء القصد.