23 ديسمبر، 2024 5:15 ص

اقليم البصرة الكردي

اقليم البصرة الكردي

ليس هي المرة الاولى التي تتعالى فيها الاصوات لانشاء أقليم البصرة ، ويتم فيها تنظيم الاوراق والاستمارات والاستفتاءت لتشكيل هذا الاقليم، ولطالما يكون التأسيس لهذه الدعوة تأسيساً قانونياً دستورياً صحيحاً ، ومعه خطاب سياسي يحاكي حاجات المجتمع البصري ومفقوداته المعيشية وطموحاته السياسية ،ولكنه تقوده نوازع سياسية واجتماعية واقتصادية لتشكيل مراكز قوة عبر هذه الدعوات وهي غير مقتصرة أو محدودة بشخصية او حزب معين من احزاب المحافظة وعموم الجنوب ، ويبدو ان الجميع يريد هذا الاقليم ولكنه يريد معه ان يكون هو رائده وقائده والنافذ فيه والا فهو اقليم سلبي يفتت الوطن ويجزئه ويضعفه ويبدد ثرواته ويجعله مطمعاً لدول الجوار والعالم معاً وهذا الخطاب السياسي الذي يعكس ظاهر الرفض هو كذلك مقنع وله اصداء شعبية ودولية وحزبية في المنطقة، واصبح الحال ان الدعوة الى الاقليم ومعارضة هذه الدعوة يمتلكان العلة المنطقية لدعواهم ولكن أهداف الدعوات مختلفة بحسب ضمانات مصالح كل طرف من هذه الاطراف ، وحتى ان المواجهة بين هذه الدعوات بلغت مرحلة مهمة وخطيرة عندما عمدت أطراف معارضة مشروع الاقليم الى استخدام الحرب النفسية وترويج دعايا واشاعات تخاطب البصري الشعبي البسيط وتجعله يرفض بقوة دعوات اقليم البصره عندما ( صدروا ) شائعة ان اهالي البصره بعد الاقليم لا يحق لهم زيارة كربلاء والنجف وسامراء والمراقد المقدسة في العراق الا بجواز سفر رسمي لتنتشر هذه الشائعة كأنتشار النار في الهشيم ويتلقفها الشارع البصري بعزيمة رفض الاقليم تفوق بقوتها عشرات المرات اماني البحبوحة الاقتصادية والعيش الرغيد والموارد الهائلة التي تقضي على كل الامراض الاجتماعية والاقتصادية في اقليم البصرة , ثم يؤطر هذا الرفض ويغلف بشعارات سياسية وأخرى ( وطنية ) وتذهب فرصة الداعين الى الاقليم

ادراج الرياح وجهودهم حسرات وتمتمات هنا وهناك ،وبعد استراحة مقاتل يأخذون فيها نفساً عميقاً ليعاودوا المحاولة ثانية بظروف يجدوها اكثر كوائمة لهكذا دعوات .ومثل دعوات اقليم البصرة هناك دعوات أخرى لأقاليم اخرى بنزعات واهداف ومرامي اخرى يشوبها من الغبش والخدش الكثير الكثير ، ويبدو أن المحفّز الاكبر لهذه الاقاليم سيما انها تقودها احزاب سياسية مشاركة في العملية السياسية هو نموذج اقليم كردستان واغراءات رفاهية واستقلالية اهل الاقليم لاسيّما الاحزاب والشخصيات السياسية وما يتمتعون به من حق مضاعف في فرصة امتياز (الوطن الكبير ) وفرصة ( الانتعاش بموارد الاقليم ) ولا يرتب واجبات لهذا الوطن بل أن يكون مستحلب حقوق وفق ما يراه الاقليم مناسباً ، ليظهر ان الوطن ( بوحدته ) يشكل عبأً على المواطن في محافظته والانفكاك عنه يعطي الرخاء والدعة والحياة المرفهة، وبهذا المفهوم فان دعوات وحدة الوطن والهوية الوطنية والانتماء والتاريخ والحضارة تصبح مفردات ورقية استهلاكية غير مؤثرة في صياغة الوعي المجتمعي وان الدستور لا يلزم أحداً بهذه المفاهيم بتشريع بل هو يشرع الخاص

( الاقليم ) ويكتب عن وحدة العراق دون آليات تؤدي الى هذا التماسك ،بل ان التفاهمات السياسية ومنها الاتفاق الاخير بين اقليم كردستان والحكومة لا تعطي اثراً ولا حتى انطباعاً أن الحكومه المركزية ودستورها ( الذي يشترك به المركز والاقليم ) هو من يضع مفردات الاتفاق ، وهذا اغراء مهم لتعالي اصوات الاقاليم ،وان كان حقاً دستورياً فان الاخرين في البصرة والناصرية والرمادي والموصل والنجف والمحافظات الاخرى ايضاً يريدون هذا الحق ، وبامكان اي اقليم تشكيل حكومة ووزراء وبرلمان وقوات امنية وعسكرية ويضع اخرين في العاصمة لتتحول الحكومة المركزية وعاصمتها بغداد الى موقع عرضي ينتظر ما يقذف عليه الاخرون

( الاقاليم ) من صدقات ليعيش هو وابناء العاصمة بها وهذه الصدقات يقررها ضمير الاقليم وليس حاجة المركز أو قانون ملزم .

لا شك ان الحلول متوفرة ولا شك من وجود الباحثين عنها باخلاص ، الا ان تبدأ هذه الحلول بالاستثناءات فانها تغلق المنافذ وتثير المخاوف بين الناس ، وان كانت خيرات العراق وموارده المستثمرة والكامنة قد غطت على وهن الادارات والحكومات وفسادها فان السرّاق والمتربصين دولاً وافراداً قد امسكت معظم خيوط هذه الموارد.