اخيرا وبعد انتظار طويل تم اقرار موازنة العراق الاتحادية لعام 2015, اقرت الموازنة في وقت حرج وصعب يعيشه العراق, فجاءت كطوق نجاة بين امواج الازمات المتلاطمة التي تمر بها البلاد.
ففي خطوة مهمة تعكس تعاونا ملحوظا بين السلطتين التنفيذية والتشريعية صوت مجلس النواب بالاغلبية على مشروع قانون موازنة 2015 ، بقيمة تتجاوز الـ119 تريليون دينار وعجز بنحو 25 تريليوناً، في حين صوت على تحديد سعر برميل النفط ضمن الموازنة العامة لعام 2015 على أساس 56 دولاراً.
لقد اكد التصويت على الموازنة على التناغم والانسجام المتصاعد بين رئيس الحكومة حيدر العبادي ورئيس البرلمان سليم الجبوري, فالانجاز جاء في وقت مبكر قياسا بالمتوقع بعد ان انتهى عام 2014 دون التمكن من اقرار الموازنة على خلفية التشنج الذي كان سائدا بين السلطتين اذ بان حكم المالكي, الامر الذي انعكس على جلسات البرلمان, في حين كانت جلسة اقرار الموازنة مميزة واعطت صورة طيبة عن الدور الذي ينبغي ان يكون عليه ممثلو الشعب, وهنا لا بد من الاشادة بالدور الذي لعبته رئاسة البرلمان متمثلة بالجبوري الذي ادار الجلسة بطريقة راقية جعل المتابعين يقدرون صوابية اختيار هذه الشخصية على راس المؤسسة التشريعية.
الموازنة الجديدة حملت حزمة من القرارات تهم المواطن البسيط وتلامس همومه اليومية, حيث قرر مجلس النواب المصادقة على المادة 13 الخاصة باستحداث الدرجات الوظيفية وتثبيت المتعاقدين مع مؤسسات الدولة, واطلاق الدرجات الوظيفية, وغيرها من القوانين التي تتعلق بالاستثمار والقروض والاعفاء الضريبي.
وكان للاحداث السياسية والامنية نصيب, فقد اقرت الموازنة تشكيل الحرس الوطني وان تكون قوات الحشد الشعبي نواته, بيد ان الخطوة الاكثر اهمية ما يتعلق بتأسيس صندوق اعمار المناطق التي دمرها الارهاب, ودعم المحافظات الساخنة وصرف مبالغ مالية للعوائل النازحة والمتضررة من الاحداث الاخيرة, وكذا صرف رواتب الموظفين المتاخرة اضافة الى اصدار طابع باسم دعم النازحين, وهي – لاشك خطوة- تحسب للبرلمان وللجهات التي طالبت بها واصرت على ادراجها.
واذا اردنا عدّ المنجزات المتحصلة من اقرار الموازنة فهي كثيرة, وبعيدا عن جانبها الاقتصادي فيمكن القول انها تمثل اشارة واضحة بان الساسة تحملوا مسؤولياتهم في المرحلة العصيبة التي يمر بها العراق, وهو يعكس نضجا سياسيا اسفر عن توافق نأمل ان نشهد فصولا اخرى منه في قابل الايام, خاصة وان سرعة اقرار القانون تشي عن اتفاق بنّاء وتنازلات من جانب جميع الفرقاء مما يعطي دليلا اخر على تجاوز الاخطاء والاستفادة من التجارب السابقة.
وفي ظل اجواء محبطة وسيناريوهات تثير التشاؤم, فان القرار ولد جوا من الارتياح والطمأنينة وهو ما يعد مكسبا اخر, وثمرة يانعة قطفها العراقيون في جلسة مساء الخميس .
ان العمل بروح وطنية جامعة ومحاولة المسح على جراح المنكوبين, والتعالي على المصالح الضيقة, والاحساس بالمسؤولية تجاه الوطن والمواطن دروس ينبغي ان تظل حاضرة, من اجل نرمم ما فات ونتفائب بما هو آت, مع التذكير ان ذلك كله ما هو الا خطوة في طريق طويل يقود الى بلد مزدهر وشعب آمن, اذا صدقت النوايا واتحدت الجهود واستقلت القرارات.