22 ديسمبر، 2024 10:54 م

وفقنا قبل مدة من الزمن وبعد إنجاز عمل ما لزيارة مرقد رجل صالح يقع في احد الاحياء البغدادية ، ومع ما حملته هذه الزيارة من معانٍ جميلة كالشعور بالراحة النفسية والطمأنينة التي عادة ما يشعر بها المرء بعد زيارته لاحد المراقد الدينية او لإحدى المواقع المقدسة الا اني شعرت هذه المرة بشيء من الحزن يخالط ذلك الشعور حال خروجي من ذلك المكان ، اذ كان المرقد في الساعة التي زرته فيها شبه خالٍ من الزوار في الوقت باستثناء بعض الافراد فيما كانت الاسواق القريبة منه تعج بالباعة وشتى فئات المتسوقين ممن تختلف اعمارهم واصنافهم فرأيت كل هؤلاء وكأنه قد اقبلوا على الدنيا اقبالا تاما وادبروا عن الاخر ولم يلتفتوا إليها على الاطلاق ، وأنني اذ اقول ذلك فإنا اعلم بان طلب الرزق وتحصيل اسباب المعيشة هي من الأمور الضرورية التي لا غنى لأي انسان عنها ، ولكني احببت ان ألفت نظر القارئ الكريم هنا الى امر ما وهو انه لا ينبغي ان يكون ذلك بحيث يقبل الانسان إقبالا تاما على دنياه والأمور المادية وينسى بشكل كلي اخرته والجوانب الروحية مع ما لها من أهمية كبيرة في حياة كل انسان ! اذ انه في هذه الحالة سيكون مجرد اداة تلهث وراء المال في سعي حثيث ودائم لكسب اكبر قدر منه دون الالتفات الى اهمية الجوانب الاخرى في حياة الانسان ، واذكر هنا كلمة جميلة لأحد الأصدقاء الذي قال بان ما نعنيه من أزمات مختلفة هو نتيجة طبيعية لابتعادنا عن ديننا ؛ واحب هنا ان اعرب عن موافقتي لهذا الرأي ان كان المقصود بالدين هنا هو الأمور الإيجابية التي يجب ان يتصف بها الناس من حب وقناعة وتواضع ، وكذلك تعاون الناس فيما بينهم لكل خير وصلاح وغيرها من الامور الحسنة التي حثت عليها الاديان على اختلافها .
وفي محاولة بسيطة لتحليل سبب هذا الاقبال وهذا الادبار على عجالة اقول انه لا يمكن لعاقل ان ينكر ما حدث من تغيرات كبرى في المجتمع العراقي نتيجة للحروب المتعاقبة التي مرت عليه والتي اختتمت بالاحتلال الامريكي للعراق الذي كان سببا رئيسيا في تغيير الاوضاع السياسية والاقتصادية في المجتمع نحو الاسوأ من خلال صعود الكثير من الطبقات الاجتماعية التي كانت مسحوقة في السابق حيث لم يمتلك هؤلاء اية مؤهلات تقودهم لنيل المناصب التي حصلوا عليها باستثناء بعض الشهادات الدراسية ومن ثم اتخاذهم السياسية كوسيلة للتجارة والتربح دون الانتباه الى اهدافها الحقيقية ، وهكذا فإن من توفرت له الاسباب من هؤلاء وتمكن من الصعود الى اعلى المراتب وارفعها فإنه لم يتخذ من منصبه عملا لخدمة مجتمعه ويتصرف كموظف عليه واجبات كغيره من الموظفين وانما عملوا على استغلال هذه الوظائف لتحقيق الكثير من المكاسب المادية على حساب الواقع الخدمي والمعيشي للناس ، وفي مقابل ذلك فقد ازدادت ظواهر بين اوساط الكثير من الموظفين صغارهم وكبارهم كالرشاوى بمختلف اشكالها والعلاقات والمحسوبيات ما انعكس سلبا على واقع الناس وجعل الكثير من المسحوقين البسطاء ينقمون على المتنفذين سواء اكانوا من رجال الدين ام من المدنيين فيما تمرد الكثير من المسحوقين المتعلمين ولجأوا للإلحاد وغيره من التيارات الفكرية للخروج من دائرة النفاق والكذب الكبيرة التي صاروا يرون انفسهم فيها ، اذن على الانسان العاقل الذي ينظر للأمور بروية وحكمة ان يوجد بأية حال توفيقا ما بين دنياه واخرته وما بين جسده وروحه فتكون قسمة عادلة يسعد بها الانسان في الدارين .